صفحات الحوار

مارتن سكورسيزي في تجربة سينمائية مغايرة: أعود بنبع هوغو كابريه.. إلى عالم الطفولة


ترجمة: كوليت مرشليان

بدأت في الصالات الأميركية والأوروبية عروض الفيلم “هوغو كابريه” للمخرج مارتن سكورسيزي الذي أراده في موسم الأعياد لأنه يحكي قصة ميلادية بامتياز مقتبسة عن رواية لبراين سلزنيك تحمل نفس العنوان. وقد كتب السيناريو جون لوغان وضمّ باقة من الممثلين على رأسهم الممثل النجم بن كينغسلي في دور جورج ميلياس والولدان آزا باترفيلد في الدور الرئيسي وكلوي مورتز في دور كلوي، وساشا بارون كوهين. ويحكي الفيلم قصة صبي يبلغ 12 عاماً يفقد والده قبل عيد الميلاد وقد كان هذا الأخير يعمل في بيع وتصليح وتصنيع الساعات. وكان الوالد على وشك الانتهاء من تصنيع لعبة آلية قبل أن يموت فيقرر الولد أن ينهيها. وتدور أحداث الفيلم في باريس في العام 1931 وتحديداً في محطة “مونبارناس”، وتتسارع الأحداث قبيل ليلة الميلاد في اطار مشوق ويعبق بأجواء العيد وما حوله. وفي حديث للمخرج سكورسيزي تحدث عن مغامرته الجديدة تلك التي أرادها مغايرة عن كل تجاربه السينمائية وكأنه مع هذا الفيلم يعود إلى طفولته وأحاسيسه البريئة التي سبقت الشهرة التي “تغير الحياة بشكل أو بآخر”.

[ ما الذي أطلق حماستك لتنجز هذا الفيلم الخاص بالأولاد والمقتبس عن رواية براين سلزنيك؟

ـ أنجزت هذا الفيلم “هوغو كابريه” لإبنتي فرانشيسكا التي تبلغ الآن 12 عاماً، أي أنها بنفس السن للبطل. عدت وقد أصبحت أباً في سن متقدمة واكتشفت العالم من زاوية مختلفة وبعين بريئة. ما من شيء أروع من مخيلة الولد. وما من شيء أجمل من حفلات وسهرات البيجاما حين تدعو أصدقاءها إلى البيت ويمتلئ هذا الأخير بضجيجهم الخلاّب! هذه هي الحياة! (يضحك) ولقد وجدت هذه الرواية ساحرة في اطار كيفية دمج المؤلف سلزنيك ما بين سحر جورج ميلياس وباريس الثلاثينيات وغموض وأسرار البطل هوغو وهو يتيم يبلغ 12 عاماً ويعيش في محطة مونبارناس. ورسوم براين سلزنيك بالأسود والأبيض تشبه إلى حد كبير تلك التي كنت أرسمها وأنا صغير مع تصاميم سينمائية. كما أن الرواية تضع الكاتب الفرنسي جورج ميلياس في نهاية حياته في فصل يشبهه كثيراً، هذا الرجل الذي أنجز أكثر من 500 فيلم ووجد نفسه أخيراً مفلساً وقد أمضى السنوات الأخيرة من حياته (16 سنة) يعمل بائعاً في محل ألعاب وحلويات للأطفال في “محطة مونبارناس”.

الساحر

[ أنت تكرّم هذا الساحر في السينما (ميلياس) عبر الممثل بن كينغسلي ايضاً، متى اكتشفت جورج ميلياس؟

ـ كان ذلك في العام 1956 وكنت في الثالثة عشرة. أخذني أحدهم لأشاهد فيلم “جولة حول الأرض في 80 يوماً” لمايكل اندرسون. وقبل العرض حدّثنا أحدهم عن المؤلف جول فيرن وعن جورج ميلياس الذي استوحى أيضاً فيلمه “سفر إلى القمر” من كتاب “من الأرض إلى القمر” لجول فيرن. ثم فتحت الستارة على “سفر إلى القمر” لميلياس. كان الفيلم بالأسود والأبيض ولم يكن في أفضل حالاته ورغم ذلك اعتبرت انني لم أشهد شيئاً أجمل منه في حياتي. كان الحاضرون يضحكون ويصفقون بحماسة لا مثيل لها خصوصاً حين دخلت القذيفة الفضائية في عين القمر.. حالياً وفي الفيلم الحالي أدخلت مقتطفات من “سفر إلى القمر” مع ألوان جديدة.

الجذور

[ ماذا يوحي لك ميلياس؟

ـ نحن جميعاً “أتينا” من ميلياس! معه نعود إلى جذور السينما وإلى اختراع المؤثرات الخاصة: ستيفن سبيلبرغ، جورج لوكاس، جايمس كاميرون.. كلهم ورثة ميلياس. وأكثر ما يؤثر فيّ من أعماله ذاك البُعد الطفولي الذي أعشقه، وشخصيات أفلامه يشبهون الناس من زمن القرن التاسع عشر في براءته وسذاجتهم وكأنها آتية من رسوم أطفال. في “هوغو كابريه” أعدنا اختراع كواليس التصوير لدى ميلياس.

[ عام 1923، أحرق ميلياس ديكوراته وأزياء أفلامه وكل ما يملكه، هل حدث أن فكرت بتصرّف مماثل؟

ـ دائماً أصل إلى حد الهاوية! ولكن سرعان ما أعود وأقف قبل الانهيار الكامل!

الطفل هو أنا

[ وهل تشعر أنك قريب من هوغو، الولد في الفيلم؟

ـ يمكن أن أقول ان هوغو كابريه هو أنا! وأبي كما والد هوغو كان يأخذني دائماً إلى السينما، وكنّا نمضي أوقاتاً رائعة معاً.

* وأي ولد كنتَ في الـ12 سنة؟

ـ في تلك المرحلة كنت أعاني من مرض الربو وكان ذلك يشكل عائقاً كبيراً في أمور كثيرة، فلم أكن أتمكن من المشاركة في دروس الرياضة في المدرسة أو الذهاب في رحلات إلى الجبال.. أما في شارع “ليتل ايطالي” حيث كنّا نعيش فكانت المخاطر قليلة، لكن كان هناك الخوف من نوع آخر: العنف في الطرقات والجرائم.. كان أهلي يصرّون إصراراً دائماً على أن أبقى في المنزل خشية من عنف الخارج فرحت أغوص في عالم السينما بشغف وبدأت في سن مبكرة أكتب أفكار أفلام وأحلم بتنفيذها، حتى أني بدأت بتحقيق أفلام قصيرة وكانت هوايتي الكبرى البحث عن أجمل الأفلام على التلفزيون، ولا أنسى مثلاً الأثر الذي حققته داخلي تلك التي شاهدتها في صغري مثل: “رجل الجنوب” لجان رونوار و”رسالة من امرأة مجهولة” لماكس اوفولس و”شنغهاي” لفون ستارنبرغ وأكيد “الجميلة والحيوان” لجان كوكتو.

باريس الثلاثينات

[ وكيف أعدت “بناء” باريس الثلاثينات كما تبدو في الفيلم؟

ـ إنها باريس المتألقة كما كنّا نراها في أفلام رينيه كلير، ولقد تم التصوير في النصف الثاني من شهر آب الماضي في “مسرح الاتينيه لوي جوفيه” وفي مكتبة سانت جنفياف في السوربون وجزء، كبير من المشاهد تم تصويره في ستوديوهات “شيبرتون”.

[ إنّها المرة الأولى التي تنجز فيها فيلماً “بالأبعاد الثلاثة” (3D)، لماذا اخترت هذه التقنية لهذا الفيلم بالذات؟

ـ حين بدأت العمل على نص “هوغو كابرييه” حضرت ابنتي ذات يوم مع أصحابها وقالت لي بالجملة الواحدة: “بالتأكيد سيكون فيلماً بالأبعاد الثلاثة! فلم أجبها، وبسرعة اتصلت بالمنتج لندرس الوضع وتم الاتفاق معه على ذلك لأنّ نوع القصة رائع لهذه التقنية. ثم فكرت أيضاً: “سأستخدم هذه التقنية الآن وقد حان وقتها!” أحب كل الأوهام البصرية التي تتركها هذه التقنية: إنها المناسبة وإلاّ لن يتكرّر الأمر”.

[ وما هي الأعمال بتقنية “الأبعاد الثلاثة” التي نالت إعجابك؟

ـ في البداية سحرتني آلة “الأبعاد الثلاثة” أو “فيوماستر” فهي فعلاً سحرية وحي تنظر داخلها تشعر وكأنك في ما يشبه قصة “أليس في بلاد العجائب” حين تقع تلك الأخيرة في الطبقة السفلية تحت الأرض! عام 1953، شاهدت “الرجل ذات القناع الشمعي” لاندريه دوتوث وشعرت ان الشخصيات في الفيلم تترك انطباعاً للمشاهد وكأنها تخرج من الشاشة. وعلى سبيل النكتة، أتذكر ان بعض مشاهد هذا الفيلم سحرت بقوة الممثل روبرت دونيرو، وحين كنّا نصوّر لقطات من فيلم “الأعصاب مشدودة”، كان يحدثني دائماً عن لقطة يضرب فيها فيليس كيرك ضربة موجعة على وجه فنسان برايس وكيف بلحظة يتحول المشهد إلى آخر في بُعد يشبه تقنيات اليوم.

لا أعرف شيئاً

[ وماذا علّمتك شخصياً هذه التقنية؟

ـ انني لا أعرف شيئاً! لم يكن ممكناً أن أكتشف هذه التقنية وحدي لأنني لست ميلياس ولا يمكنني ذلك وحدي على الاطلاق! هذا أمر نتعلمه خطوة خطوة. وكنا كلما صوّرنا لقطة نقع في مشكلة جديدة! ثم أعدنا التفكير في كل ما كنا قد خططنا له. وحالياً، لديّ رغبة في إعادة هذه التجربة ثانية ولكن مع فريق متخصص أكثر..

… ومشاريعك

[ وما هي مشاريعك القادمة؟

ـ إذا أعطاني الله عمراً طويلاً، لديّ كمية كبيرة من المشاريع! (يضحك). هناك سلسلة أفلام حول موضوع البزنس الذي اشتهر في اطار موسيقى الروك اند رول وأنا أحضر هذه السلسلة مع مايك جاغر وأعتقد ان التجربة ستبصر النور قريبا. أما فيلمي القادم فهو مقتبس عن رواية لشوسكو آندو وعنوانه “الصمت” ويحكي قصة الارساليين اليسوعيين حين قدموا إلى اليابان في القرن السابع عشر. ثم سأعاود العمل مجدداً مع الممثل روبرت دونيرو وسنزور مجدداً عالم اللصوصية ولكن من منظار مختلف. كما لديّ حالياً ورشة الإعداد لفيلم بعنوان “ذئب وول ستريت” مع الممثل ليوناردو ديكابريو.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى