صفحات الثقافة

مارك زوكربيرغ يقرأ ابن خلدون/ أمجد ناصر

 

 

 

كتب مؤسس فيسبوك، مارك زوكربيرغ، في حسابه على شبكة التواصل الاجتماعي العملاقة التي اخترعها، أنه سيقرأ في “سنة الكتب” مقدمة ابن خلدون، التي عرَّفها باعتبارها قراءة لتاريخ العالم في حينه، تركز على تطور المجتمعات ونشوء المدن والسياسة والعلوم والتجارة.

ولا بدَّ أن هذا الشاب الأميركي الذي أسهم هو، أيضاً، في تغيير العالم، ونقل علاقته بعضه ببعض إلى طور من التواصل غير مسبوق، على قدر جيد من المعرفة بأمهات الكتب العالمية لكي يقرِّر أن يكون اختياره في “سنة الكتب” مقدمة ابن خلدون دون غيرها من ذخائر المعرفة العالمية. فـ “المقدمة” التي تشكل ثلث كتاب ابن خلدون الشهير، ذي العنوان الطويل (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) ليست ذائعة الصيت كألف ليلة وليلة لكي تبدو خياراً مفهوماً، وسائراً، لشاب غربي غارق في تكنولوجيا التواصل والمعلومات. تحتاج “المقدمة” من امرئ غربي (وحتى عربي) إلى تضلّع تاريخي لكي تظهر في رادار قراءاته.

هناك تعليقات عربية عديدة على اختيار زوكربيرغ، منها ما هو فرح، ومنها من يردُّ على العرب الفرحين بالقول لا تنسوا رأي ابن خلدون بالعرب! أي لا تفرحوا كثيراً لأن ابن خلدون سيقول لزوكربيرغ “إن عربت خربت”، ذلك: “أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب”، وسيقول له: “إنهم أمة وحشية باستحكام عوائد التوّحش وأسبابه فيهم فصار لهم خلقا وجبلة، وكان عندهم ملذوذاً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكم، وعدم الانقياد للسياسة. هذه الطبيعة منافية للعمران ومناقضة له”، وسيقول له: “فالحجر مثلاً إنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي القدر، فينقلونه من المباني ويخربونها عليه ويعدونه لذلك. والخشب أيضا إنما حاجتهم إليه ليعمروا به خيامهم ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم فيخربون السقف عليه؛ لذلك فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء الذي هو أصل العمران هذا في حالهم على العموم”.

هذه بعض آراء المؤرخ الكبير، العلامة، الفقيه المالكي، ابن خلدون في العرب، وهي آراء تناولتها، على مدار القرن الماضي، الأقلام العربية، قومية وماركسية وإسلامية، كل من موقعه و”عصبيته”. وبين عصبية الفكرة المسبقة والتأويل اللغوي للكلمة التي بدت، على لسانه، سبَّة ما بعدها سبَّة، هناك من رأى أن “العرب” المقصودين عند ابن خلدون هم الأعراب الـ “أشد كفراً ونفاقاً”، وهناك من يقول إنهم عامة العرب: أي عرب البوادي وعرب الحضر، أو “أهل الوبر وأهل الحضر” على حد وصف عالم الاجتماع العراقي جواد علي. قلة قالوا إن ابن خلدون ليس معصوماً وكلامه ليس مُنزلاً، ورأيه في العرب، أهل وبر كانوا أم أهل حضر، خطأ، وقد يرقى إلى مستوى العنصرية.

أما إن ابن خلدون يقصد الأعراب فهذا ظني. لأن حياة القوم الذين يذكرهم تشير إلى “الرحلة” وعدم الاستقرار في المكان باعتبار الأخير علامة على العمران، وما كلامه عن الحجر وأثافي القدر ووتد الخيمة والنهب والرزق الذي يثوي في ظلال الرماح إلا دليلاً على من هم العرب الذين يقصدهم ابن خلدون حتى وإن تجاوزت اللفظة، أحياناً، حدود البادية إلى أهل العمران.

ولكن حتى إن كان ابن خلدون يقصد الأعراب فهو كلام عنصري. كلام قائم على تعميم تام، وعلى دمغ قاطع لبشر بدمغة لا يتجاوزها إلى غيرها من أطوار، لأنها في الطبع لا في التطبّع. ولكن من قال إن الطبع لا يمكن تجاوزه؟ من قال إنه جوهر ثابت، لا تخلقه، أو تؤثر فيه، الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي يعيش فيها الناس؟ ماذا يختلف رأيه في العرب (حتى وإن كانوا أعراباً) عن عتاة المستشرقين الذين يتحدثون عن “عقل عربي”، وكان ينقصهم أن يتحدثوا عن حجم جمجمة العربي وفكّه وعرض جبهته! ابن خلدون ليس منزَّهاً عن الخطأ، وكلامه عن العرب، في أعراف زمننا، عنصري متطرف لأنه لم يترك مجالاً للشك أو الاستدراك في رأي متأثر، من دون شك، بموازين زمانه وأحواله.

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى