ما الثمن الذي تريده روسيا في سوريا؟
طارق الحميد
في ظرف أيام معدودة أغرقتنا موسكو ببحر من التصريحات حول الأوضاع في سوريا؛ فمن ناحية هناك تصريحات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومن ناحية أخرى هناك تصريحات لوزير الخارجية سيرغي لافروف، يضاف إليها التحرك اللافت لنائب وزير الخارجية الروسي الذي أدلى بقرابة ثلاث حوارات هذا الأسبوع وحده!
جميع التصريحات الروسية الأخيرة، الرئيس والوزير ونائب الوزير، تعتبر حمالة أوجه، وتحوي رسائل مبطنة، إلا أنها تقول إن موسكو قابلة للتفاوض، والبيع والشراء، في الملف السوري، وأقوى تلك التصريحات هي الصادرة عن الرئيس بوتين، والتي تحدث فيها عن «تقرير مصير وضمان أمن كل المشاركين في العملية السياسية»، أي ضمان أمن المحسوبين على النظام، والأسد نفسه. وأكثر التصريحات لفتا للنظر بالطبع حديث بوتين مع التلفزيون الروسي حين قال: «نتعامل باحترام مع الجميع، ولدينا علاقات طيبة مع المملكة العربية السعودية، وكانت علاقاتي دائما طيبة مع خادم الحرمين الشريفين»، وهذه الإشارة وحدها جديرة بالاهتمام خصوصا بعد التصريحات المتبادلة بين السعودية وروسيا حول سوريا!
وبالطبع، لا يمكن القول بأن التصريحات الروسية الأخيرة، التي باتت تلمح لمرحلة ما بعد الأسد، مجرد حملة علاقات عامة لتلميع صورة روسيا في المنطقة، بل إن موسكو عادت تتحدث اليوم عن ضرورة عقد مؤتمر خاص في سوريا على أراضيها، وعن إمكانية العودة لمجلس الأمن مجددا. وما يؤكد أن روسيا لا تتحرك الآن لتحسين صورتها هو الوقائع على الأرض، والتهديد الأميركي بأن واشنطن ستعمل على العمل مع حلفائها لدعم المعارضة، وبالطبع هناك التحرك الفرنسي اللافت، كما أن هناك أمرا آخر يؤكد ما نقوله هنا، وهو ما سمعته عن مصدر مطلع من أن موسكو قامت بتمرير أسئلة محددة عبر طرف ثالث لدولة عربية نافذة، ومضطلعة بالدفاع عن السوريين وحمايتهم من آلة القتل الأسدية. والاستفسارات الروسية هي: «إذا توصلنا لاتفاق، فأين سيذهب الأسد في حال تنحيه؟ ومن يضمن عدم محاكمته دوليا؟ ومن يضمن مصالح روسيا في سوريا بعد رحيل الأسد؟». هذا هو ملخص الأسئلة الروسية، التي لا بد أن نلاحظ فيها عدة نقاط..
الملاحظة الأولى هي أنه من الواضح أن موسكو باتت متقبلة لفكرة تنحي الأسد، وما يدعم ذلك هو قول الرئيس بوتين في مقابلته التلفزيونية الأخيرة: «نفهم جيدا ضرورة التغيير، لكن هذا لا يعني أن التغيير يجب أن يكون دمويا». والملاحظة الأخرى من الأسئلة الروسية هي أن موسكو غير مهتمة حقيقة بمن سيخلف الأسد، فردا، أو نظاما، بل إن كل ما يهمها هو ضمان الحفاظ على مصالحها هناك. وهنا من الجدير تذكر تصريح لافروف، قبل عدة أيام، بعد لقائه وزيرة الخارجية الأميركية، حيث قال إن العقوبات المفروضة على الأسد وإيران باتت مؤثرة على القطاع المصرفي الروسي، أي أن الملف السوري اقتصادي، وليس سياسيا فحسب!
والسؤال هو: هل من الخطأ التفاوض مع موسكو الآن لضمان رحيل الأسد؟ الإجابة ببساطة: حاولوا، فبالتأكيد أن الثمن بات منخفضا جدا، وسينخفض!
الشرق الأوسط