صفحات سوريةعزيز تبسي

ما الذي يؤرقك ولا تعرفه يا علي!!


عزيز تبسي

        -1-

        تظهر المشكلة الطائفية بوعي العديد من اللذين واللواتي يقاربونها،كإشكالية غامضة وغير قابلة للمقاربة والفهم،وكأنها مذنب كوكبي طارئ لم يعبر في الفضاء إلا في النادر من الزمن.لكننا هنا لسنا بصدد المشكلة الطائفية بعموميتها،نحن بصدد مقاربة مشكلة طائفية محددة،أنتجتها الطغمة العسكرية ،من حين أنتحلت إسم”اللجنة العسكرية”في ستينات القرن الماضي،وإمتطت حزب البعث لتحقيق مصالحها.

        موضوعة توضّع سلطة سياسية-طبقية على أقلية طائفية أو عرقية أو عشائرية،ليست من جديد الأنظمة السياسية العربية ما بعد الإستقلال ولا ما قبله كذلك، والخيارات المحدودة التي أنتجتها لتسيطر على وعي ومصالح الطبقات الإجتماعية السائدة،باتت شرطاً لازماً لحكم هذه الطبقات،أو الجماعات الإمتيازية في أغلب التجارب العربية المتنوعة،ولها أسبابها التاريخية ،كعدم توضح التمايزات بين الجماعات الإجتماعية إلا في أشكال أيديولوجية إقطاعية تثقّل المكونات الإجتماعية الأصلية التي بدت طيعة للإستقبال الشرطّي للتغيير والتحول،كأن تترسمل بعد التغلغل الإمبريالي وتوسعه وتعمقه،دون أن تنتج أو تتبنى أشكال الوعي الرأسمالي وقواعده السياسية –الحقوقيةالإفتراضية،ولكونها حققت مشروعها في إطار أزمة هذا النمط المتجددة ولم تستطع عنها فكاكاً.

        من هنا ننطلق لنؤكد على أن المشكلة الطائفية في ظهروها الراهن هي من نواتج الرأسمالية الطرفية،وعليها يتوضع أساسها التكويني،وتظهر قوتها وعمقها البنيوي،ولا يمكن معالجتها جذرياً وإجتراح حلول حاسمة لها بمعزل عن إيجاد حلول لهذا الشكل الرأسمالي وتداعياته الإجتماعية والسياسية والأيديولوجية………….

        -2-

        في الفكر السياسي المؤسس على المقاربة العلميةوأدواتها لا تناقش موضوعة السلطة وفق ما تقدمه السلطة السياسيةعن نفسها،حيث لا نرى فيها إلا ما تعمل هي على أن ترينا إياه.يتأسس الأدب السياسي العلني والسري في جزء مهم منه على توضيح الهوة بين خطابها والذي يكون في عمومه زائفاً ومجازياً وحاجباً للإمتيازات بتنوع أشكالها،وممارستها التي تبقى الحقل الإختباري الوحيد الذي يتكفل بالتعبير عن الوقائع وحقيقتها وإبرازهما،وتكون الأحزاب السياسية والنقابات والصحافة والإعلام والفنون في أنماط الحكم الديمقراطي والإستبدادي هي موقع ممارسة ذاك النقد الذي يظهر فداحة المسافة بين الخطاب كفعل نظري مخادع ومنفصل عن الواقع والممارسة التي تفضح هذا الإنفصال وتظهر أكاذيبه.

        ويتعمق ذلك في الأنظمة الإستبدادية،لتنتزع القوى الثورية بالتضحية مواقع النقد والسخرية وإظهار الأهداف الضائعة بأثر القنابل الدخانية التضليلية،التي يقذفها الإعلام وملحقاته وزبانيته.

        أشد السلطات عنصرية وتراتبية تقدم نفسها كسلطات عمومية ومساواتية.ومعظم السلطات التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية في الجغرافيا الإستعمارية لها خطاب مؤسس على تجارب إصلاحية وثورية وتحررية،تستثنى في المنطقة العربية دول الخليج،لكونها أنظمة تأسست بالتكيف مع الشروط والوظائف والحاجات الإستعمارية،ولم تملك لفظية ذاك الخطاب التحرري وهياجه،وبعضاً من ممارساته الظرفية اللاتكيفية،الطارئة.

        ما من سلطات سياسية بلا ماض يثقل على حاضرها،مما دفع البعض من الكتاب والمثقفين لقراءة حاضر السلطة في إحالة إلى ماضيها،والإصرار العنيد على إستعادته دون التمعن في التغييرات النوعية التي حصلت وأنتجت تحولاً موضوعياً في الجماعة الحاكمة وتكوينها الطبقي وإنحيازاتها المصلحية.

        ناضلت العديد من الحركات السياسية في تعبير عن هذه الرغبة الإرادوية في الإستعادة المأمولة(الناصرية-البعض من جبهة التحرير الوطني الجزائرية-البعث )وعبّرت الرواية وأشكال أدبية وفنية أخرى بشكل نقدي ممتاز عن هذه الحالة الإنفصالية(الطاهر وطار-واسيني الأعرج-أحلام مستغانمي..)عن التفارق والمآلات التاريخية لجبهة التحرر الوطني الجزائرية والرغبة في إسترداد الألق التحرري الآفل عبر تذكره،وعبرت كتابات أدبية ونقدية مبكرة عن الهوة التي تتعمق لتغدو شرخاً بين المشروع الثوري التحرري لحركة التحرر الوطني الفلسطيني وبين ممارسات بيروقراطية منظمة التحرير وأشكالها القمعية والإمتيازية(نزيه أبو نضال-فيصل درّاج-رشاد أبو شاور….)……………

        -3-

        الإرتباك والعجز في مقاربة هذه المشكلة الطائفية

        1)عجز الأدوات المعرفية عن تحليل السلطة وله أسبابه يمكن الوصول إليها وتحديدها،ولا يتوقعن أحد أن تكشف السلطة السياسية حقيقتها للعموم،أو تترك ما يشير إليها،سوى ماتركته سندريلا عن سهو وعجالة للأمير الشاب:حذاء مفرد.منه ينبغي الإستدلال لا على القدم فحسب فهذه مهمة يتكفل بها الإسكافيون المهرة،بل على صاحبته الجميلة وهنا المهمة الأميرية الشاقة.

        2)تواطئ القوى السياسية التقليدية(قوميون-شيوعيون-إسلاميون)مع هذا النمط من شكل الحكم البورجوازي وإهالة الغموض والأحجبة عليه و تكفلت به الأيديولوجية السائدة وتتابع في تزييف الوقائع وطمس الحقائق التي تظهر من حين لآخر،ليغد عصياً عن الإدراك ويشبه الطلاسم.

        3)تظهر مشكلة ثانوية مستجدة،عندما تتحول معاينات السلطة إلى مسألة شخصية،ويجري تعميم للتجربة الفردية وتقديم إستنتاجات “معرفية”عنها،مما يعكس حالة قصور في الوعي ومقاربة تبسيطية لمشكلة معقدة،يتذكر،والذاكرة إنتقائية بعمومها،بعض القتلة والمجرمين لحظة وقوعهم في أسر الثوار لا قبله بيوم أو ساعة،الماضي الثوري لأحد أجداهم ويطلبون الشفاعة من ذكراه،وكأن الإنتفاضة هي ضد جدهم وتمرده!!

        المسألة ليست صراع ماض ثقيل مع حاضر أثيري ،حتى لو تسربت بعض ملامح الماضي الثاوي فيه،الصراع السياسي الراهن لاتربطه أي علاقة بمعركة الجمل أو موقعة صفين،الصراع يعود بعموم عناصره إلى الحاضر والماضي القريب الذي لا يتجاوز نصف قرن على الأكثر.

        حدود الطائفية وأطرها التاريخية معروفة،لكن حدود الطائفية الإمتيازية المسلحة غير معروفة،ولا يمكن التكهن بها،حيث تمتاز بالقدرة على المناورة والإحتيال،والنطق بأكثر من لسان،وإرتداء أكثر من ثوب،وتضع تحت تصرفها أيديولوجية سامة،مهلكة،تؤهلها لمد اليد وتشييد الجسور مع العدو الوطني ضد الشعب في لحظة تمرده.

        تبين الوقائع الصلبة وتتأكد في السياق النضالي للإنتفاضة، ضعف الموقف المسبق تجاه أبناء الطائفة العلوية،بإستثناءات غير ذات أهمية،نجد مايشابهها في عموم المجتمعات من أمريكا إلى اليابان،محكومة بمواقف قبلية،بأثر من ترسبات ثقافات بائدة،تحاول أن تستيقظ وتنتعش….الخ وهي تشمل فيما تشمل العلويين كذلك،فبعضهم يحمل مواقف قبلية تجاه الآخرين.لكن جميع الناس تشعر بالتمييز الطائفي وغياب المساواة وتكافؤ الفرص وأشكال متنوعة من الظلم والغبن،وهي حقائق ليست ذا منشأ نفسي أو قبلي،إنها من صميم البنية السياسية-الحقوقية للسلطة السياسية الحاكمة،والعلويون المتنعمين بهذه الإمتيازات يدافعون عنها كغنيمة حرب،مطلين فوقها طبقات من الدهانات الأيديولوجية،بغاية ستر عيوب الآليات التي تم الحصول من خلالها على هذه الغنائم.

        يتذكر من حين لآخر بعض أعوان السلطة الحاليين والنائمين في أحضانها بأنهم كانوا سجنائها في يوم ما،وإغفال باقي السيرة”النضالية”ولواحقها،مما يضطرنا للتذكير أن محمد دحلان سجين سابق في سجون الإحتلال الصهيوني،ومحمد مخلوف والد رامي مخلوف سجين سابق كذلك.كأن لسان حالهم يقول :كنت ثورياً متهوراً ضالاً فيما مضى ولكني الآن واقعي لا أفرط بإمتيازاتي،أنا اليوم ضد الثورة.

        4)يتأسس وعي سياسي محدد على كون السلطة هي سلطة طائفية علوية إمتيازية،ويجري دعمه بعشرات الأدلة،ويمكن إعتباره على هناته وأخطاؤه النسبية أقرب إلى الحقيقة من وعي ينكر الطائفية عنها،يميل بعض من يحتفظ بعوالق وعي ثوري في أطراف سترته وزوايا فمه،على تبني تجريد الفنون الجميلة وهو يقارب السلطة،بينما يعتمد الطرف الثوري على الفن الواقعي،التصويري،ليتأكد أن التكعيبية والتجريدية تعجزان عن مقاربة السلطة وتمظهراتها وإدراكهما،لن يبقى لهما سوى التضليل وحجب عناصرها التكوينية ومفاعيلها.

        هذا الشكل من الوعي السياسي،يقدم الدافع لسؤال معرفي-إجرائي في آن ،يأخذ في السياق الصراعي للإنتفاضة موقعاً تعبوياً:ألم يكن للعلونة الإمتيازية والإستقطابية دوراً فاعلاً وحاسماً إلى حين،في إطالة عمر أزمة الطغمة العسكرية ومشروعها الحربي،وتعطيل المؤسسة العسكرية عن تقديم أي مبادرة إنحيازية لموقع الإنتفاضة،حتى في التعبير الشكلي والظرفي للإنحياز على الطريقتين التونسية والمصرية؟

        وإلى أي حد إستقرائي معرفي يتوخى الحقيقة،أو البحث عنها أو مقاربتها أن العلويين مثلهم مثل غيرهم،أي متساوون،متساوون في ماذا؟

        في الوظائف العامة/البعثات/الجيش/الأمن/الإعلام……..لو كانت التعيينات الإمتيازية تعبيراً عن الكفاءات العلمية والمهنية والإدارية،لما أثار ذلك كل هذا الشعور بالظلم واللامساواة عند الأغلبية الشعبية،التي أدركت بوعيها العفوي،أن الطغمة العسكرية وأعوانها تجاوزت غرور الأباطرة الرومان-كاليغولا-على سبيل المثال الذي عين حصانه في مجلس الشعب،وهم يرون بأم أعينهم كيف تجري تعيينات الحمير في المراكز الحكومية المتنفذة،والطلب من العامة إثبات الخضوع والولاء لها،وأخذ البركة منها.

        وأنهم مضطهدون،دون الإشارة إلى من يضطهدهم،أو سرد واقعة إضطهادية؟وإن مناطقهم وقراهم تعاني من أسوء الخدمات والتهميش،بتغييب وقائع للمقارنة بأرياف أخرى تؤكد هذه السرديات،حيث من السهل البرهنة على ماينقضها تماماً،وستبقى في موقع”سوالف”لا يمكن تصنيفها إلا في موقع حجب الحقيقة،والتستر على الإمتيازات.

        ما من مخرج لهذا المأزق المعرفي وتداعياته السياسية-الحقوقية ،سوى تعظيم الجمهورية وقيمها ودلالاتها التي حفرتها الشعوب في حركات التاريخ وثوراته،وهي عينها تعظيم صعود الشعب الثوري وإعتلاؤه منصة مسرح التاريخ،والمشاركة الحاسمة فيه،و تقبل نتائجه الثورية.

        يتوجب القيام بعملين شاقين،ولكنهما ضروريين،يكاد ينجدلان كضفيرة:التحرر من حماية القاتل وعدم إهالة التراب على ما يدل على جرائمه.وإن عموم المحاولات التي يجترحها البعض من الكتاب والصحفيين،وهم يحاولون إبعاد الطائفية كشبهة عن السلطة،عبر دمجهم القصدي بين العلوية الإمتيازية والطائفة العلوية،تشكل تعبيراً واضحاً عن عجز معرفي،وعزيمة الدفاع عن الإمتيازية الطائفية بالإستقواء بالطائفة العلويةوشقائها،في محاولة خلط متعمدة بينهما،وهو عينه الخيار التعبوي الذي تقوم به الطغمة العسكرية في تسويق مشروعها الفاشي التصفوي.

        حلب-تموز2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى