صفحات العالم

ما الذي يحول دون وحدة المعارضة السورية؟


عريب الرنتاوي

تجتهد الجامعة العربية لجمع مختلف أطراف المعارضة السورية تحت سقف واحد…هذا المسعى يصطدم بعقبات وعوائق عديدة…من شأنها أن تحبط هذا المسعى، مثلما أجهضت مساع حميدة سابقة من قبل، ولسنا في حقيقة الأمر، متفائلين بإمكانية نجاح معارضتي الداخل والخارج في لملمة صفوفهما.

معارضو الخارج المنضون في إطار المجلس الوطني السوري، يتهمون معارضي الداخل، بأنهم “غير جذريين” في حديثهم عن إسقاط النظام، وأنهم – معارضو الداخل – يريدون إسقاط النظام من دون رأسه ورئيسه…فيما معارضو الداخلي الذين يعيشون في ظروف أمنية بالغة الدقة والتعقيد، ينفون ذلك، ويصفون مواقف زملائهم في الخارج، المتنقلين من عاصمة إلى أخرى، بالمزايدة، ذلك أن رحيل النظام هو مطلب الجميع، وإن كانت أشكال التعبير عن ذلك، والطرق المفضية إلى ذلك، تختلف من فريق إلى فريق.

معارضوا الخارج والداخل متفقون حول صعوبة إسقاط النظام، وهم يتحدثون مطوّلا عن قدرته على الصمود في وجه محاولات تفكيكه من الداخل وتسريع انهياره….لهذا يستعجل معارضو الخارج التدخل الدولي، ولا يمانعون بإعادة انتاج السيناريو الليبي، وإن كان حصفاؤهم يحاذرون البوح عن ذلك صراحة….أما معارضو الداخل، فلديهم تصور يقوم على رفض التدخل الدولي رفضا قاطعا، لأنه من وجهة نظرهم لن يكتفي بإسقاط النظام بل سيفضي إلى تفكيك الدولة، ويطالبون بدلاً من ذلك بوحدة المعارضة وإعادة توثيق روابطها مع ثورات الشباب وحراكاتهم وإطلاق الإضرابات العامة وصولاً للعصيان المدني واحتلال الساحات.

معارضو الخارج، تطغى عليهم الوجهة الإسلامية، إخوان وغيرهم…هؤلاء يشكلون العمود الفقري للمعارضة وإن كانوا يؤثرون التلطي خلف شخصيات ليبرالية وعلمانية مقبولة من المجتمع الدولي في هذه المرحلة الانتقالية…أما معارضو الداخل (هيئة التنسيق) فتطغى على غالبية مكوناتهم الصبغة القومية واليسارية عموماً

وثمة سباق بين الجانبين على ادعاء تمثيل التنسيقييات الشبابية، لأن كلا الفريقين يدرك تمام الإدراك بأنه غير متحكم بحركة الشارع ولا هو بالمقرر بشأنها…لكن معارضة الخارج تمتاز عن معارضة الداخل بحصولها على ما يشبه الاعتراف العربي والدولي بها متحدثا شرعيا باسم المعارضة السورية، ولهذا السبب تحظى هذه المعارضة بدعم مالي سخي من بعض العواصم العربية…

الدعم العربي والدولي للمجلس الوطني لا شك أنه يشكل ميزة وعنصر تفوق له على “هيئة التنسيق” بيد أن هذه الدعم هو سلاح ذي حدين أيضاً، فهو جعل المجلس ساحة لتنافس القوى الإقليمية والدولية الطامعة للهيمنة على المعارضة السورية، والباحثة عن حصة لها في كعكة سوريا ما بعد الأسد، وثمة تقسيمات و”كوتات” بات يجري التعامل معها، كأمر واقع، هذا حصة تركيا وذاك حصة قطر أو باريس أو واشنطن أو الرياض…ثم أن وفرة الدعم المالي للمجلس، تسهم في تشكيل ظاهرة “بيزنيس المعارضة”، فبعض الذين كانوا يبحثون عن عمل بمائتي دينار أو ثلاثمائة دينار قبل بضعة أشهر، لم يعد بالإمكان حصر عدد الموبايلات التي بحوزتهم ولا جنسياتها، ناهيك عن السفر على الدرجة الأولى والإقامة في فنادق الخمسة نجوم.

لكن في المقابل، فإن هيئة التنسيق، وإن كانت متخففة من هذه المظاهر والأمراض حتى الآن، إلا أنها في المقابل تشكو خللين اثنين رئيسين: الأول، أنها ما زالت تعمل بطرق أكل عليها الدهر وشرب، وما زالت تتبنى خطاباً ماضوياً لم تقو على فتح نوافذه لهبوب رياح التجديد والتحديث…والثاني، أن شكوكاً طالما أحاطت بجدية معارضة بعض مكوناتها وصدقية انتمائها لتيار الثورة والتغيير.

هيئة التنسيق تبدي حماساً ظاهراً لوحدة المعارضة….المجلس الوطني لا يتملك الحماسة ذاتها، وهو يريد للهيئة أن تنضوي في إطاره كفصيل من فصائله المكونة، لا بوصفها قطباً ثانياً للمعارضة السورية…بل أن بعض أركانه يجادل علناً بعدم جدوى الاستمرار في حديث وحدة المعارضة، باعتبار أن هذه الوحدة لن تقدم أو تؤخر، وهو لا يرى أصلا، أن التغيير في سوريا سيكون ثمرة تطور تراكمي في كفاح السوريين، بقدر ما يراهن على التدخل الخارجي لإحداث التغيير.

لكل هذه الأسباب، وأخرى غيرها، لا نرى أن مساعي توحيد المعارضة مقدر لها أن تصيب النجاح قريباً…وفي ظل استمرار حالة الانقسام، ومع وجود مصالح بإدامتها، وفي ظل تنامي التدخلات الضارة من قبل أطراف عربية وإقليمية ودولية، ونجاحها في فرض رموزها وأجنداتها على بعض أطياف المعارضة الخارجية، فإن زمناً سيأتي، وقد لا يكون بعيداً، قد تفقد فيه جماهير الثورة السورية ثقتها بهذه الأطر، وتعلن رفضها ولفظها لها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى