صفحات الثقافةفواز حداد

ما الذي يُكتب في هذه الأيام؟/ فوّاز حداد

 

 

ما الذي يُكتب في هذه الأيام؟ في الإجابة عن هذا السؤال، المقصود النوع الأدبي الأكثر تواجداً حالياً على ساحة الأدب، وهو الرواية، وهذا عائد إلى ما أحرزته من نجاح ودعاية وإقبال على القراءة، بعدما كانت في منتصف القرن الماضي تتلمس طريقها بجهود كتاب عرب كبار استطاعوا إرساء رواية حظيت بجمهور متواضع، لكن وخلال سنوات قليلة توسعت دائرة القرّاء، وحظيت بمتابعين كثر. ونستطيع القول إن الرواية العربية ترسّخت بقوة مع نهاية القرن الماضي، وإن حركة روائية ناشطة ستظهر قريباً.

قبل اكتمال العقد الأول من القرن الحالي، شهدت الرواية العربية بالقياس إلى ما سبق، فورة هائلة، إضافة إلى ترجمات لروايات غربية من عدة لغات، بعضها تُرجم أكثر من مرة، وكأن ما أرسيت دعائمه في القرن الماضي، حصدنا ثماره في القرن الحالي.

المشكلة التي واجهت هذه الاندفاعة بعد انزياح رغوتها، تكمن في التساؤلات عنها: ما الذي يُكتب؟ ما سويّته الفنية؟ ما مقدار جودته؟ والسؤال الأجدى ما علاقته بالرواية؟ الجواب بالمختصر: كانت مخيبة، خصوصاً أن الصفحات الثقافية روّجت لها، وأخذت بتكريسها، وأصبح لها نجومها، ونجماتها، ومهرجاناتها وجوائزها.

هناك روايات زادت طبعاتها على العشرين خلال بضعة أشهر، بينما كانت الطبعة الواحدة تأخذ خمس سنوات على النفاد. ولئلا نبالغ بالطبعات، فالأمر ليس أكثر من أن رقم الطبعة من اختلاق الناشر والكاتب.

لنعد إلى الجد، هل في هذه الجائحة ما يدعو إلى الشك؟ الملاحظ أن أغلب الذين تهافتوا على كتابة الرواية كانوا صحافيين وكتاب قصة قصيرة وشعراء، ومغامرين يجرّبون هذا النوع المثير من الأدب، وناشطين سياسيين لديهم ما يستحق أن يروى عن حياتهم، وفتيات بعمر الزهور، أو تجاوزن المراهقة إلى النضج، ونساء مرهفات الإحساس، ومطلّقات، إلخ. هل يعقل أن ينقلب كل هؤلاء بين ليلة وضحاها إلى روائيين وروائيات موهوبين، وأصحاب باع في الكتابة؟

في الحقيقة، ليس في هذا أي مأخذ. في الغرب، هناك روائيون طبّاخون ومصفّفو شعر وحمقى وأصحاب سوابق وغيرهم. ميزة الرواية أن كتّابها لا يقتصرون على نوع محدّد من البشر، الرواية أبوابها مفتوحة للجميع دون استثناء، ولكل منا روايته، إن شاء كتبها، وإن شاء أحجم.

ومن الترفع السخيف والبليد حصرها بذوي المكانة وألا يُسمح بارتيادها إلا للأدباء، وربما نقاد ومفكرين وأطباء. ولنا أسوة في بوهيميّي الأدب المتفلسفين، مثل جان جينيه وهنري ميللر وتشارلز بوكوفسكي.

قطعاً، ليس من هذه الناحية يأتي الشك، وإنما يُخشى من هذا أن تنقلب النعمة إلى نقمة، باستسهال الرواية، وبذلك نكون قدمنا للقراء رواية تحصد الجعجعة ولا طحن، أهميتها أنها بلا أهمية، وما الإعجاب بها إلا لأنها تشكل إغراء بتقليدها، وهكذا يولد مئات الروائيين والروائيات سنوياً بولادات سهلة لا تقل سهولتها عن ولادة رواياتهم.

قطعاً للشك بالبقين، السؤال للنقاد الجادين. ما الذي يكتب في هذه الأيام؟

العربي الجديد

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى