ما بعد الغوطة/ بشير البكر
سيدخل النظام السوري إلى مدينة دوما قريباً، ليبسط سيطرته الكاملة على الغوطة الشرقية بريف دمشق، بعد حصار استمر سنوات عدة، ومعارك طويلة، دامت آخرها حوالي 45 يوماً.
لن يتأخر تسليم المدينة إلى الروس، لأنّ المفاوضات حول رحيل فصيل “جيش الإسلام” من المنطقة، باتت في حكم المنتهية عملياً، ولم يبقَ سوى تنفيذ بنود الاتفاق الذي فرضه الروس، وهو يقضي بترحيل المقاتلين وأسرهم، باتجاه مدينة جرابلس في ريف حلب، شمالاً.
يتم دخول النظام السوري إلى آخر مدن الغوطة، تحت العلم الروسي، الأمر الذي يقلّل كثيراً من حجم الانتفاخ الذي يظهر به النظام السوري، وهو يروّج لانتصاراته العسكرية والسياسية على نحو مبالغ فيه، إلى حدّ أنّه يعتبر معركة الغوطة، طوت صفحة المعارضة السورية المسلحة، بصورة نهائية، وفتحت الباب أمام النظام لبسط سيطرته على مناطق أخرى بعيداً عن دمشق.
ما بعد الغوطة ليس كما قبلها في جميع الأحوال، وكل من لا يعترف بالخسارة الكبيرة التي لحقت بالمعارضة المسلحة، إنّما يكابر ويقفز فوق الواقع، إلا أنّها ليست بالتحوّل الاستراتيجي الذي حقّقه النظام والروس.
الأهمية الرئيسية لمعركة الغوطة، أنّها أنهت وجود المعارضة المسلحة في محافظة دمشق (جوبر) وجزء من ريف دمشق الأقرب جغرافياً إلى العاصمة (باقي مدن وبلدات الغوطة)، وهذا الأمر كان مربكاً للنظام، بالنظر إلى عديد القوات التي كانت موجودة، وتمركزها في مناطق حساسة جداً من الناحية الجغرافية، كما هو حال جوبر الملاصقة لمنطقة العباسيين في وسط دمشق.
لا شك أنّ العاصمة سوف ترتاح من ضغط وجود فصائل معارضة مسلحة في خاصرتها، كبّدتها خسائر كبيرة خلال السنوات الماضية، آخرها خسارة معركة “إدارة المركبات” في حرستا التي فقد فيها النظام العديد من ضباطه الكبار، ولكن من المبكر القول إنّ العاصمة باتت آمنة كلياً، فهناك بؤر “داعش” الموجودة في مخيم اليرموك والحجر الأسود وحي القدم، ورغم أنّ هناك معلومات متداولة عن تفاهمات بين النظام وهذه الفئات الإرهابية، إلا أنّ وجودها يشكّل عبئاً ثقيلاً، وعاجلاً أم آجلاً سوف تحين ساعة المواجهة معها.
صار مشروعاً اليوم التفكير في مرحلة ما بعد الغوطة التي يبني عليها النظام الكثير من الآمال، وهذا يستدعي وضع النقاط على الحروف والخروج باستنتاجات أولية:
الأول، الغوطة ورقة مهمة في يد النظام والروس ولكنّها ليست نهاية للثورة في ريف دمشق الذي يشكّل العقدة الأساسية بالنسبة للنظام، وسيبقى كذلك، كما أنّ خروج السلاح من المعادلة، ليس بالضرورة ضد الثورة السورية.
الثاني، يريد الروس أنّ يجعلوا من الغوطة طريقاً إلى إخلاء المناطق الأخرى من فصائل المعارضة غير الخاضعة لتفاهمات أستانة، وهنا تكمن إحدى حججهم في اجتياح الغوطة التي خضعت لاتفاق تهدئة تم في القاهرة برعاية مصرية.
الثالث، لا تعني خسارة المعارضة المسلحة للغوطة، نهاية لها، فالمعارضة لا تزال موجودة بقوة في عدة مناطق؛ إدلب وريف حلب ومنطقة الجنوب التي تشكّل ثقلاً رئيسياً، كما أنّ انسحاب عدة آلاف من المقاتلين المدرّبين من الغوطة، ربما يُضاف إلى رصيد الفصائل الأخرى.
الرابع، لا يستطيع النظام أن يصرف ورقة الغوطة على مستوى سورية ككل، حتى لو أراد الروس ذلك، فهم مقيّدون بتفاهمات أستانة التي سوف تحظى بالمراجعة في قمة أنقرة التي تنعقد يوم الأربعاء 4 إبريل/ نيسان الحالي، بين كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، وبدا أنّ التفاهم الثلاثي يسير بشكل جيد من خلال إخراج تأمين مكان لاستضافة “جيش الإسلام” في جرابلس، والذي تم بقرار تركي بعد رفض “جيش الإسلام” والنظام وأطراف غربية، العروض الروسية للانتقال إلى القلمون الشرقي ودرعا وإدلب.
وفي هذه المناسبة، لا بد من إشارة سريعة إلى مسؤولية “جيش الإسلام” عن النتيجة، وهو الذي كان يهدّد دمشق قبل الانخراط الروسي المباشر في الحرب، وهناك من كان يقدّر من المراقبين، أنّه يستطيع دخول دمشق وإسقاط النظام، لكونه يمتلك عدة وعتاداً كبيراً، ولكن حسابات إقليمية وداخلية حالت دون ذلك، وكان بعض قادته يظنون أنّ صفة الاعتدال التي أُسقطت عليهم، ستترك لهم دويلة الغوطة التي حكموها بالحديد والنار، وأقاموا فيها سجوناً لأنصار الثورة السلمية.
وهناك حقيقة مؤلمة صار من الواجب الاعتراف بها، بعد تكرار إخفاقات الفصائل المسلحة، وهي لو أنّ فصائل الغوطة التي دخلت في حروب مع بعضها، امتلكت استراتيجية عسكرية ورؤية موحّدة، لكانت هي التي دخلت دمشق، وليس العكس.
العربي الجديد