ما بعد… بعد القصير
بيسان الشيخ
في 2006 تحقق لنا نحن اللبنانيين «نصر إلهي» في وجه اسرائيل أنجز بفضل «وعد صادق» قطعه لنا الأمين العام لـ «حزب الله» حسن نصر الله وكان يفترض أن يحملنا على أثره إلى «ما بعد… بعد حيفا».
وإذا نحينا جانباً فكرة إن أول إنجاز لتلك الحرب المدمرة تمثل في قرار دولي يقضي بإخراج «حزب الله» من قرى جنوب الليطاني وتوسيع قوة «اليونيفيل»، ما جعل حيفا أكثر بعداً منا، يبقى إننا انتصرنا واحتفلنا وشاركتنا عواصم العالم العربي فرحتنا فرفعت صور نصر الله واعلام «حزب الله».
لكن، في خريف 2006 أعاد نصر الله حساباته وقال إنه لو علم إن عملية خطف الجنديين ستقود الى هذه النتيجة لما قام بها قطعاً. هكذا، زعم نصر الله انه كان مستعداً للتخلي عن «نصر إلهي» ضد اسرائيل لو عرف مسبقاً بما سيجره عليه من ويلات لا يزال لبنان يدفع ثمنها حتى اليوم. إذاً ما الذي غير وجهته وأخذه الى سورية فيما الخسائر هذه المرة معروفة سلفاً؟ فهو في نهاية الامر يقاتل شعباً على أرضه وينخرط في نزاع داخلي لا جيوش أجنبية فيه، ولا من مبرر وطني أو عسكري أو شرعي. فهل هي مغامرة أخرى غير محسوبة النتائج؟ بالطبع لا. فـ «حزب الله» لا يرمي نفسه في مغامرات من هذا النوع. إنه في الواقع يخوض في سورية حرباً مصيرية يدافع فيها عن وجوده وعن بقاء نظام حليف له يؤمن سكة امداداته ويحمي خط دفاعه الخلفي. الأمر بهذه البساطة. لا هي حماية مقامات دينية، ولا ذود عن مقدسات أو غير ذلك من ذرائع تخلى الحزب نفسه عن ذكرها. إنها معركة حياة أو موت تماماً مثل حرب تموز 2006 بالنسبة لـ «حزب الله» وجمهوره الذي يخشى الوقوع بين اسرائيل من جهة وسورية «السنّية» من جهة أخرى إن سقط النظام في دمشق. إنه رد لحصار سيقطع عنه الامداد الايراني، ويفتح عليه باب الانتقام لتأييده نظام بشار الاسد.
لذلك، ما عادت الحاجة ملحة اليوم لتبرير مشاركته وعودة مقاتليه جثامين محمّلة كما كانت منذ أشهر قليلة. ذاك أن القتال في القصير اليوم هو كالقتال في بنت جبيل بالأمس. إنه واجب جهادي «بديهي» ضد كل من يتهدد الحزب وجمهوره والطائفة الشيعية من ورائه. وهذا وحده يكفي لإسكات أي صوت متململ.
وكما في 2006، كذلك اليوم. حشد الحزب آلته الاعلامية والدعائية وحلفاءه السياسيين لتدعيم «خياره الاستراتيجي». فكان أن خرج أخيراً سليمان فرنجية يعلن دعمه الصريح لقرار الحزب في لقاء شبابي مفتعل ولكنه حاشد، وحمل طلاب في الجامعة اليسوعية صور بشار وعلم النظام، وخرجت علينا مذيعة قناة «المنار» تعدد انجازات الجيش العربي السوري في القصير ضد «المجموعات المسلحة» التي تتلقى مساعدات اسرائيلية. وهي للمناسبة، «المجموعات المسلحة» نفسها التي تقاتل العلويين في طرابلس وفق القناة وتهدد وجودهم.
إنها حرب بقاء تلك التي يخوضها «حزب الله» في سورية تماماً مثل حرب تموز 2006. هل سيخرج علينا نصر الله قريباً ويقول «لو كنت أعلم؟». كل شيء جائز. فحين تنقلب الخسائر انتصارات، يصبح أي وعد صادق.
الحياة