ما بعد تشاوري الحوار السوري؟
فايز سارة
لعل أسوأ ما رافق انعقاد الاجتماع التشاوري لهيئة الحوار الوطني، هو استمرار فعاليات الحل الأمني الذي تتابعه السلطات السورية في مواجهة الحراك الشعبي، وقد أدت مجريات الحل الأمني بالتزامن مع انعقاد الاجتماع إلى سقوط قتلى وجرحى، واعتقال أشخاص ومطاردة آخرين وإلحاق أذى بممتلكات سوريين ربما لم يكن ذنبهم سوى حضورهم في مناطق العمليات الأمنية، وأدى استمرار الحل الأمني ومجرياته إلى جانب أسباب أخرى، إلى غياب ممثلين عن جماعات المعارضة السورية من أحزاب وشخصيات مستقلة عن الاجتماع التشاوري، بعد أن رفضت السلطات توفير البيئة المناسبة للحوار، وأصرت على استمرار الحل الأمني للأزمة القائمة.
ورغم المؤشرات السلبية التي رافقت الاجتماع، فلا بد من قول، إن فكرة الاجتماع، الذي كان أغلب المشاركين فيه ممثلين عن النظام وقريبين منه، تمثل فكرة مهمة، تستمد أهميتها من قيام سوريين بالبحث في شأن عام هو بمثابة محنة تتعرض لها البلاد وأهلها، وقد زاد في أهمية الفكرة ما ظهر في الاجتماع من كلمات ومطالبات ونقاشات متعارضة طرحها المشاركون فيما بينهم، أكدت وجود اختلافات، جعلتهم عاجزين عن التوصل إلى توصيات متوافق عليها بسبب مواقف المتشددين من ممثلي النظام، لولا التدخل المباشر من جانب رئيس الاجتماع، وقد أدى تدخله إلى إصدار توصيات اقترب بعضها إلى مرتبة الأطروحات الإصلاحية، خاصة فيما يتعلق بتوصية تغيير الدستور، الذي هو الأساس السياسي والحقوقي للدولة والمجتمع في سوريا.
ورغم أهمية هذه التوصية، التي لم تكن يتيمة في توصيات الاجتماع، فإنه لا يمكن الركون إلى التوصيات. إذ هي لا تلزم أحدا، ليس لأنها توصيات فقط، إنما أيضا لأنها نصوص، وقد اعتدنا على أن النصوص، لا سيما النصوص التي تصدر بشكل طارئ، لا يتم احترامها حتى لو كانت في مستوى قوانين، وفي المثال، فإن في الدستور السوري نصا لا يتصل به أي التباس أو اشتراط، يمنع تعذيب أي مواطن سوري، لكن هذا النص لم يجد من يطبقه، ويحترم وجوده طوال نحو أربعين عاما، هي سنوات عمر الدستور الحالي.
إن تجربة السوريين العملية مع النصوص، تخفف من أهمية توصيات الاجتماع التشاوري، وتجعل قيمة هذه التوصيات مثل غيرها، إذ لم تذهب إلى التطبيق العملي والإجرائي، بحيث تصدر محتوياتها في قوانين، حيث احتاج الأمر، كما في مشروعي قانوني الإعلام والانتخابات المرتقبين، أن تتخذ إجراءات فيما يتصل بموضوعات تحسين بيئة الحياة العامة في سوريا كما في مثال إطلاق سراح السجناء والمعتقلين وبينهم معتقلو الأحداث دون استثناء، والأهم مما سبق كله وضع دستور جديد للبلاد بعد استشارات ونقاشات واسعة، تتوج بعرضه على الاستفتاء الحر للجمهور، ليقول السوريون رأيهم فيه، فيتم اعتماده أو رفضه.
ولا يحتاج إلى تأكيد قول، أن المضي في الخطوات التنفيذية والإجرائية لتوصيات الاجتماع التشاوري من شأنها تحسين بيئة الحياة الوطنية والتمهيد لحوار جدي ومنتج إذا توفرت إرادات في هذا الاتجاه، ولعل التعبير الأول والأساسي عن مثل هذه الإرادة من جانب السلطات السورية، يمثل وقفا نهائيا لمجريات الحل الأمني العسكري وإعادة قوى الأمن والجيش إلى مراكز تموضعها الأساسية، ووقف الاعتقال والملاحقة والتعذيب، والتوجه إلى الخيار السياسي لمعالجة الأزمة باعتباره الخيار النهائي، لأنه لا يمكن السير باتجاهين مختلفين ومتناقضين لمعالجة الأزمة السورية، والتي هي أزمة مركبة تتداخل عواملها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وليست قضية تتم معالجتها بطريقة أمنية.
إن فترة ما بعد اللقاء التشاوري بالنسبة للسوريين، هي فترة اختبار للنوايا التي رسمت ملامحها توصيات المشاركين في اللقاء، إذ تضع النظام بين استمرار الحل الأمني أو الذهاب إلى حل سياسي، وهي بالنسبة للنظام فرصة تمهد لانتقاله من خيار الحل الأمني، الذي أثبت عدم قدرته على معالجة الأزمة، والتوجه إلى حل سياسي. غير أنه وفي ضوء تجربة الأشهر السورية الأربعة، فإن ثمة قلقا ومخاوف من أن تتأخر التفاعلات الإيجابية مع تلك التوصيات وما سيتبعها، لدرجة تفقد فيها التوصيات أثرها على واقع الأزمة في سوريا، وتكون نتائج الاجتماع التشاوري وكأنه لم يكن.
* معارض سوري
الشرق الأوسط