صفحات العالم

ما بعد ساركوزي


ساطع نور الدين

تخلصت فرنسا من فضيحة سابقة، أكثر مما أنتجت طهارة جديدة. أزاحت عن كاهلها عبء أكثر رؤسائها صلفاً، واستبدلته برئيس رمادي عديم الخبرة والكفاءة، لن يتأخر الفرنسيون في التذمر منه.

حتى اللحظة الأخيرة حافظ نيكولا ساركوزي على عجرفته: إما أن أكون الرئيس الذي يخدم فرنسا على طريقتي الفظة، أو أن أعتزل السياسة تماماً وأترك الوظيفة العامة كلياً، وأعود الى حياة شخصية مثيرة للتحدي والجدل.

لم يكن التخلص من ساركوزي مهيناً جداً. جاءت الهزيمة مطابقة إلى حد ما لاستطلاعات الرأي، لكن اليمين الفرنسي برهن أنه ما زال يمثل غالبية الفرنسيين، ويفرز شريحة صاعدة من اليمينيين المتطرفين الذين طعنوا الرئيس الخاسر في الظهر، على أمل أن يرثوا قيادة تلك الغالبية.

أخرج الرجل من السلطة التي امتهنها حتى الثمالة، وكاد يستبد بها، عندما ظل يعبر من دون تحفظ عن أشمئزازه من حلفائه وشركائه ووزرائه ومستشاريه، وعندما يجاهر في التعبير عن احتقاره لأعدائه وخصومه.. حتى عندما كان أطل بوجه متجهم ليعترف بالهزيمة أمام منافسه الاشتراكي فرنسوا هولاند، ويبلغه ضمناً أنه لن يكون قادراً على معالجة مشكلات فرنسا.

انتهت سيرة ساركوزي. وليس من المستبعد أن يكون ظهوره الوحيد المقبل هو في المحاكم التي ستفتح الكثير من ملفاته الخاصة، على غرار ما فعل مع سلفه ومرشده الى الرئاسة جاك شيراك.. الذي انضم بالأمس الى لائحة المنتقمين من الرجل القليل الوفاء الكثير الأنانية.. الذي يبدو أن جذوره المجرية، دفعته إلى المزايدة في ولائه لهويته الفرنسية المكتسبة، الى حد الإصابة بجنون العظمة الذي يمكن تلمسه في أي فرنسي.

كثيرون في الخارج احتفلوا أمس بالتخلص من ذلك الدعي الذي أفرط في الدفاع عن موقع فرنسا كدولة كبرى، تطمح دوماً إلى القيام بأدوار أكبر من حجمها، لا تلغي حقيقة أنها ارتبكت ولا تزال مرتبكة أمام الربيع العربي، وهي لا تزال تسعى حتى الآن الى محو خطيئتها الأولى في تونس، وتبديد شبهتها الأولى في ليبيا.. التي قد تجر ساركوزي مخفوراً الى المحكمة، للإفصاح عن مصير الملايين التي تلقاها من معمر القذافي.

كان ساركوزي رئيساً قصير القامة، لكن هولاند لن يكون مارداً. فهو سيكتشف بسرعة أن سلفه أبطأ بمغامراته الخارجية، سير فرنسا نحو أزمة اقتصادية حتمية، تشبه الى حد بعيد تلك التي تضرب دول الجنوب والشرق الأوروبي، وتهدد الحلم الذي توج بعملة موحدة تفقد تغطيتها الاقتصادية يوماً بعد يوم.. كما سيكتشف بسرعة أيضاً أن العالم الذي تعامل معه ساركوزي لا يحتمل الكثير من عوارض جنون العظمة.

مع هولاند ستكون فرنسا أشد تواضعاً، من دون أن يؤدي ذلك الى انقلاب في مواقفها اللبنانية أو السورية أو الفلسطينية أو الإيرانية.. التي يمكن ان تصبح أسوأ من ذي قبل.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى