صفحات الرأي

“ما بين لبنان وسوريا، من النظام إلى الدولة”

 

كتاب داود الصايغ يُغني في قراءة الأمس والغد

إيلي الحاج

قرأ الدكتور في آفاق الربيع والثورة فكان كتابه “ما بين لبنان وسوريا، من النظام إلى الدولة” عن “دار النهار” رحلة تنقيب في ما خلفه نظام الوصاية السوري على لبنان مدى نحو ثلاثة عقود  من إرث أثقل على مسار العلاقة بين البلدين. ومن المواقع المتعددة التي عمل فيها سواء في الدولة أو الشأن الوطني العام، كما من خلفيته العلمية جمع مقدارا كبيرا من المعلومات المنظمة عن أعوام الظلم على لبنان، كما على سوريا بفعل نظام يتقن أساليب الدهاء والقسوة على السواء، فضلاً عن عرضه وثائق نادرة من تلك الحقبة بقدرة تحليلية عالية واستنتاجات تغني القارئ وتثري مداركه، فلا يترك الكتاب، إلا وقد أنهاه.

يبدأ مستشار الرئيس سعد الحريري، وقبله الرئيس الشهيد رفيق الحريري، المؤلف بعبارة موحية لفيلسوف الدستور اللبناني ميشال شيحا ” ليست جارتنا العزيزة سوريا هي التي تمثل نموذجاً بالنسبة إلينا. فنحن الذين يمثلون نموذجاً لها. وقدرها هو الذي سيقودها حتماً صوب نموذجنا وليس العكس”.

ويكتب الصايغ عن غربة عاشها الشعبان أحدهما عن الآخر بفعل منع الحرية عن أحدهما، ويعرض رؤيته للأحداث التي تشهدها سوريا منذ انطلاق شرارة الثورة في درعا، ربيع عام 2011،والظروف الداخلية والخارجية التي تكتنفها والعبر من ثورات الربيع الأخرى في بلدان أخرى وتعامل الغرب والشرق معها. لينتقل إلى خلاصة لآثار لا تمحى تركها حضور النظام السوري الطويل والثقيل في لبنان، آثار كان أبرزها ولا يزال اغتيال الرئيس الشهيد الحريري بعد اصطدام حتمي بينه وبين النظام.

ويكشف المؤلف أن الأستاذ غسان تويني حفزه على وضع الكتاب، فيروي أن عميد “النهار” الراحل “كان على موعد مع الرئيس الشهيد في كانون الثاني 2005 في قريطم وعندما وصل وصافح الرئيس كنت حاضراً وبادرني بقوله:” إن كتابك السابق لبنان والعالم بين الدور والضرورة فيه فصل عن العلاقات اللبنانية -الأميركية هو من أفضل ما كتب عن هذا الموضوع، وأنا أعود إليه باستمرار. وأقترح عليك اليوم أن تكمله، بعد صدور القرار 1559”. ووافق الرئيس الحريري مشجعاً. وأخذت بالنصيحة (…)”.

أحداث ومآس كثيرة فرضت تأجيل الكتاب. وعندما اندلع الربيع العربي رأى داود الصايغ أن الوقت حان”، آسفاً لأن الرئيس رفيق الحريري لم يعش ليشاهد بزوغ الربيع العربي ومشروع مصالحة العرب مع المستقبل.

والكتاب في أربعة فصول. أولها “سنوات الجمر والتأسيس” يسرد فيها تغيرات في العالم طرأت قبل التحولات اللبنانية التي مهدت للتغيير الكبير المتمثل بتمرد اللبنانيين على نظام الوصاية، وهم الذين فطروا على التعلق بالحريات ورفضهم التكويني لحكم المخابرات. في هذا الفصل يتوقف الكاتب عند دور الرئيس رفيق الحريري في التحضير للتحولات وفي إبقاء الجذوة مشتعلة من خلال محطات متلاحقة في الحكم والمعارضة مقابل المحاولات المستميتة للفريق المشترك المهيمن آنذاك لإعادة الزمن إلى الوراء.

 وفي الفصل الثاني بعنوان “المغامرة في مسبباتها وظروفها”، يوضح الصايغ أن “كل شيء بدأ في عقل الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد” ويفرد صفحات لتفصيل سياساته حيال لبنان والأساليب التي اعتمدها لتكييف هذه السياسات مع تطورات المنطقة والعالم، ولا يغفل عودة إلى زمن الرئيس الراحل رياض الصلح واستمرار حساسية النظام السوري حياله بعد سنوات طويلة على اغتياله. وفي المقابل يعرض لمواقف مسؤولين وقادة لبنانيين أبرزهم الزعيم الراحل كمال جنبلاط بإزاء نموذج حكم حزب البعث في لبنان.

 واستناداً إلى علاقاته الوثيقة بدولة الفاتيكان يكشف داود الصايغ جوانب من اتصالات الأسد الأب بالمسؤولين الفاتيكانيين ويتناول المضمون العقائدي لسياسة الأسد اللبنانية.

وخصص الصايغ الفصل الثالث لموضوع “وراثة بشار الأسد اللبنانية، شيراك وبوش ولبنانيو أميركا… وأبواب الحرية المخضبة بالدم”، وفيه قراءة قريبة آنية بعضها لمشاهد سياسية تعود إلى 2009 عندما دخل الرئيس سعد الحريري مكتب الرئيس السوري بشار الأسد بعدما قطع أطول طريق في حياته، ثم يعرض لتأثير نظام الوراثة في سوريا، ويروي قصة ولادة القرار 1559 نقلا عن الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك. وفي الفصل الرابع والأخير يروي المؤلف ما عاشه وشهد له مع البطريرك السابق مار نصرالله بطرس صفير والبابا الراحل يوحنا بولس الثاني وما بينهما الرئيس الشهيد الحريري في رحلة حافلة بالأحداث يقصر من لا يطلع عليها عن فهم ما يجري اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى