ما حقيقة انحياز «الأقليات» لنظام بشار الأسد؟!
صالح القلاب
هناك انطباع يصل إلى حدود القناعة لدى بعض الأوساط خارج سوريا بأن الأقليات الدينية والعرقية، كالعلويين والشيعة والإسماعيليين والمسيحيين والدروز والأكراد، منحازة لنظام الرئيس بشار الأسد وأن هواجس وصول «الإخوان المسلمين» إلى الحكم واستبدال حزب «علماني» شمولي بحزب ديني أكثر شمولية من سلفه هي التي دفعت هذه الأقليات، إن لم يكن للانحياز إلى هذا النظام والقتال إلى جانبه والدفاع عنه، فعلى الأقل إلى الوقوف على الحياد ومتابعة المشهد والتطورات الجارية الآن عن بُعد وانتظار الموقف الذي تمليه المصلحة الخاصة في ضوء مستجدات موازين القوى ونتائج المواجهات الساخنة الدائرة منذ الخامس عشر من مارس (آذار) العام الماضي 2011 وإلى الآن.
وهنا فإن ما بات مؤكدا ومعروفا، إن في داخل سوريا وإن في خارجها، هو أن الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، وبخاصة بعد مذبحة حماه الشهيرة في عام 1982 التي قتل فيها عشرات الألوف من أهل هذه المدينة الذين هُمْ – وللأسف قول هذا – جميعهم من «السنة»، لضمان استمرار حكمه وتوريثه إلى أحد أبنائه من بعده، قد لجأ إلى إعادة صياغة المعادلة السياسية على أساس أن مصير الأقليات الإثنية والطائفية كلها، من علويين إلى شيعة إلى مسيحيين إلى دروز إلى إسماعيليين.. وأيضا إلى أكراد مرتبط به وبنظام حكمه وببقاء هذا الحكم في عائلته وتحالفها مع بعض العائلات العلوية من أخوال أولاده ومن أعمامهم وأبناء أعمامهم.
هكذا – وعلى هذا الأساس – استمر التركيز على هذه المسألة من زاوية أن بقاء نظام الحكم الذي اختطفه حافظ الأسد من أيدي رفاقه في حزب البعث في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1970 هو الضمانة لهذه الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية بأن تبقى ملتصقة بهذا النظام حتى لا يتحول أبناؤها إلى مستضعفين وأهل ذمة، وحقيقة أن هذه السياسة قد حققت نجاحات ملموسة وجعلت كثيرين من هؤلاء يتصرفون وعلى مدى كل هذه الأعوام منذ نهايات سبعينات القرن الماضي وحتى الآن على أساس هذه الوضعية ووفقا لهذه المعادلة.
ولعل ما تجب الإشارة إليه، ونحن بصدد الحديث عن هذه المسألة، أن استهداف التنظيم، الذي كان أنشأه مروان حديد قبل مذابح حماه الآنفة الذكر، لعدد من رموز هذا النظام من أبناء الطائفة العلوية قد عزز قناعة بعض أبناء هذه الطائفة وأبناء الأقليات المذهبية والطائفية الأخرى بأن الإسلام السني السياسي «الإخوان المسلمين» يستهدفهم ويريد القضاء عليهم وهذا بقي متواصلا ومستمرا يصاحبه ضخ إعلامي لم يتوقف منذ أحداث حماه في عام 1982 وحتى انفجار هذه الانتفاضة!!
وحقيقة، هناك حتى من الذين ينتمون إلى الأكثرية السنية من الليبراليين والعلمانيين من لديهم مخاوف، وهم يتابعون ما يجري في مصر ويسمعون تصريحات مرشد عام «الإخوان المسلمين» الشيخ محمد بديع، من استبدال هذا الاستبداد «البعثي» باستبداد ديني على غرار الاستبداد الكاثوليكي في أوروبا قبل الثورة الفرنسية وبعدها، وهذا يتطلب أن يبادر إخوان سوريا وبسرعة إلى المزيد من توضيح مواقفهم إزاء معطيات مرحلة ما بعد هذا النظام وإقناع الذين من المفترض أنهم شركاء المستقبل أن «الإخوان» المصريين شيء وأنهم هم شيء آخر، وأن سنوات الملاحقات والاضطهاد والتقتيل قد جعلتهم أقرب إلى الصيغة التركية – الأردوغانية منهم إلى الصيغة الإخوانية المصرية وقبل هذا كله فإن عليهم عدم البروز أكثر من اللزوم في صورة الثورة السورية.
ثم إن ما يجب قوله أيضا هو أنه حتى وإن كان لدى بعض إخوان سوريا رغبة في الاستفراد بالحكم في مرحلة ما بعد زوال هذا النظام، فإنه في حقيقة الأمر ليس لدى هؤلاء القدرة لتحقيق رغبتهم هذه، فالشعب السوري بعد كل هذه المعاناة الطويلة، منذ أول انقلاب عسكري في عام 1949 مرورا بتجربة «الجمهورية العربية المتحدة» ونظام حزب البعث الذي انتزعه حافظ الأسد من أيدي رفاقه في انقلاب «الحركة التصحيحية» في عام 1970 والذي أورثه إلى ابنه هذا الذي يتشبث بهذا الحكم بأظافره وأسنانه، من غير الممكن أن يقبل هذا الشعب باستبدال شمولية علمانية بشمولية دينية، ومن غير الممكن أن يقبل بغير نظام تعددي ديمقراطي قوامه صناديق الاقتراع وسلطة الشعب والحريات العامة.
والمؤكد أن إخوان سوريا يعرفون هذا ويدركونه، ولذلك فإن المنتظر أن يسارعوا لتوضيح مواقفهم لأبناء شعبهم في هذه اللحظات المصيرية والتاريخية الحاسمة، فالأمور لا تحتمل التأجيل والضرورة تقتضي وضع حد لاستغلال نظام بشار الأسد لمخاوف أبناء هذه الأقليات لإبعادهم عن المشاركة في معركة خلاص شعبهم وإقامة النظام الديمقراطي والتعددي الذي يريده هذا الشعب.
كذلك ولأن الحقائق قد تغيب في بعض الأحيان تحت ضغط الأحداث اليومية المتلاحقة ونتيجة الضخ الإعلامي المتواصل على مدى أربعين عاما وأكثر، فإن الضرورة تقضي بالإشارة إلى أن هذا النظام طائفي، وليس نظام الطائفة العلوية التي عانت تحت حكم حافظ الأسد المستمر حتى الآن مع ولده بشار أكثر مما عانته أي طائفة أخرى، والتي جرى تدمير عائلاتها الرئيسية الفاعلة كلها، وتم التخلص من كل رموزها، من محمد عمران إلى صلاح جديد إلى إبراهيم ماخوس إلى غازي كنعان، وإلى رتل كامل من القيادات الصاعدة، ومن بين هؤلاء عارف دليلة وكل هذا ومن المعروف أيضا أنه حُكِم على ميشيل عفلق المسيحي الأرثوذكسي الذي هو مؤسس حزب البعث بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، وأن الدكتور حبيب حداد الذي كان وزير إعلام سابقا والأمين القُطري المساعد في فترة منتصف ستينات القرن الماضي قد اضطر تحت ملاحقات الأجهزة الأمنية إلى مغادرة وطنه واللجوء إلى الولايات المتحدة، حيث أعلن من هناك تأييده ومساندته لانتفاضة الخامس عشر من مارس 2011.
هذا بالنسبة للعلويين والمسيحيين، أما بالنسبة للدروز الذين طالبهم وليد جنبلاط قبل أيام بعدم الاصطفاف إلى جانب نظام بشار الأسد ضد شعبهم، فإن ما لا يعرفه البعض هو أن منصور الأطرش ابن قائد الثورة السورية ضد الفرنسيين سلطان باشا الأطرش قد بقي ملاحَقا من قبل هذا النظام إلى حين وفاته، وأن الدور الرئيسي بالنسبة لإعدام سليم حاطوم في عام 1967 كان لحافظ الأسد الذي كان وقتها وزيرا للدفاع وعضو القيادة القومية البعثية، وأن حديثة مراد الذي كان أحد رموز الطائفة في فترة ما بعد انقلاب فبراير (شباط) عام 1966 قد تمت ملاحقته وتواصل التضييق عليه إلى حين وفاته، ثم إن أكبر الكبائر التي ارتكبها النظام الأسدي هي اغتيال كمال جنبلاط، الرمز الوطني والقومي المعروف، وإن آخر تطاول قام به بشار الأسد على طائفة «الموحدين» الدرزية هو اختطاف شبلي العيسمي قبل فترة من منطقة عالية اللبنانية بحجة مشاركة ولده في مظاهرة مساندة للانتفاضة السورية في الولايات المتحدة، أما بالنسبة للأكراد فحدّث ولا حرج، كما يقال، إذ إن أقل ما يمكن الحديث عنه هو ذلك المشروع العنصري الذي جرى تطبيقه في أماكن وجودهم في الحسكة وفي كل المناطق المحاذية للحدود التركية – السورية.
إن هذا هو واقع الحال بالنسبة لمواقف الأقليات في سوريا، وإن ما يجب قوله كخلاصة أن نظام بشار الأسد بادر منذ لحظة انفجار هذه الانتفاضة، إلى اتباع أسلوب دفع البلاد إلى الحرب الأهلية الطائفية، وهدفه – في حال انهيار نظام حكمه – إقامة دويلة مذهبية في منطقة وجود الطائفة العلوية التي هي بالتأكيد لا تزال تتمسك برفض مثل هذه الدويلة التي كان الفرنسيون قد عرضوها عليهم إبان احتلالهم لسوريا في القرن الماضي.
الشرق الأوسط