صفحات العالم

ما كشفه الاعتداء الإسرائيلي/ ماجد كيالي

 

جاء تعليق النظام على الغارة الإسرائيلية، شرق دمشق قرب المطار وغربها في منطقة الديماس، موجزاً كالعادة، لكنه لم يتضمن، هذه المرة، العبارة الشهيرة: “سنحتفظ بحق الرد في المكان والزمان المناسبين”، إذ باتت بمثابة لازمة معروفة.

ليست هذه دعوة للرد، أو عدمه، ذلك أن العلاقة، الصراعية أو التعايشية، مع إسرائيل، بالنسبة للنظام، ليست شأناً عاماُ يخصّ السوريين، وإنما هي من اختصاصه وحده، وضمن احتكاره للسياسة، فحتى الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة يجري التكتم بشأنها، إذ لا أحد يعرف غاياتها ولا ماذا استهدفت.

المشكلة أننا بإزاء نظام يقدم نفسه باعتباره مقاوماً مبرّراً عدم الرد بدعوى انتظار تحقيق التوازن الاستراتيجي، دون ان يحدد معنى ذلك أو أمده، أو بادعاء توخّي اليقظة من مغبّة استدراجه من قبل العدو إلى مربع الصراع العسكري، حرصاً منه على سلامة البلاد.

معلوم أن هذين الادعاءين لم يثبَتا في الاختبار، فالتوازن الاستراتيجي، سيما باقتصاره على البعد العسكري، يتعذّر تحقيقه، أما الادعاء الآخر فيكشف عن كارثة، تسبّب بها النظام، في فترة قياسية، وبصورة ما كان يمكن توقعها. هكذا”، انتقلت سوريا من حالة الثورة والصراع على السياسة والسلطة إلى حالة الانفجار الشامل، لأن النظام لم يعطِ فرصة لأي حل سياسي، ولم يتسامح مع أي تمظهر للمعارضة، ولو كانت على شكل تظاهرة، فمنذ البداية اتجه نحو الحسم العسكري، باستخدام الرصاص، وإقحام الجيش، وضمنه سلاح الطيران، ما أدخل السوريين في أهوال، لم يشهد أحد مثلها في الحروب مع إسرائيل.

ما يعنينا هنا أن الدرس السوري أدى إلى خلخلة فكرتين مؤسّستين في الحياة السياسية العربية للعقود الماضية، أولاهما، اعتبار قضية فلسطين، وتاليا الصراع مع إسرائيل، بمثابة القضية المركزية للأمة العربية. وثانيتهما، التماهي بين الوطنية والنظم السياسية. والواقع فإن النظام السوري يتحمل المسؤولية الأساسية عن هذه الخلخلة، فهو أكثر من صدّر ادعاءات كهذه، وبواقع ردّة فعله، او لا ردّة فعله على الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.

وفي الحالين كشف النظام عن حقيقة مفادها أن الصراع مع إسرائيل لا يشكل القضية المركزية له (ولا لحلفائه)، ما يعني أن تعاطيه مع هذه المسألة هو لمجرد اكتساب الشرعية، وتبرير تأجيل المطالبات الشعبية المتعلقة بالحريات والديموقراطية والتنمية، ولعل هذا ما قالته طائراته التي لم تتصدَّ للغارات الإسرائيلية، وانما ذهبت لتقصف مناطق أخرى في سوريا.

أما بشأن الفكرة الأخرى، فقد تبيّن، وبثمن باهظ، أن ثمة قطيعة بين الوطنية، بلا مواطنة، والأنظمة ذات الطبيعة السلطوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى