ما هو الإرهاب؟/ شوقي بغدادي
تفجرت فيّ أكثر من مرة سيارة مفخخة بالمتفجرات في دمشق أو حمص أو غيرهما من المدن السورية وقتلت وجرحت عددا كبيرا من الأبرياء وعلى الأخص الأطفال كما حدث في حمص مؤخرا على باب مدرسة للأطفال. وراح كل طرف يدين الطرف الآخر في ساحة الصراع الدائر بالتهمة الرائجة على الألسن كثيرا في هذه الأيام المشؤومة ألا وهي تهمة الإرهاب، فما هو الإرهاب حقاً؟
يذكّرني هذا المصطلح بمسرحية للكاتب الفرنسي الوجودي «ألبير كامو Albert Camus» عنوانها «العادلون Les justes» تدور أحداثها حول مجموعة من الثوار كانوا يتربصون بقطار ينقل على ما قيل لهم عددا كبيرا من الجنود التابعين للسلطة الحاكمة التي يناضل الثوار ضدها ويريدون تفجيره، وحين تسمع صافرة القطار من بعيد تصل إلى الثوار في الوقت نفسه معلومات مؤكدة أن القطار لا ينقل جنودا بل مجموعة من طلاب المدارس في رحلة مدرسية فيقرر قائد الثوار على الفور أن يُلغي عملية التفجير ولو أدى ذلك إلى تعريض بعض الثوار الى خطر المداهمة.
أذكر ان المسرحية دخلت بعد هذا الموقف المحرج في حوار شائك بين الثوار حول عدالة هذا القرار الذي أيده بعضهم وعارضه آخرون وتنتهي المسرحية ـ كما أذكر ـ بانتصار قرار إلغاء عملية التفجير مهما كان الثمن، وهو السلوك الأخلاقي الذي كان «ألبير كامو» يؤيده ضمنا وهو الكاتب والفيلسوف المعروف بأفكاره المتأثرة بالفلسفة الوجودية التي ازدهرت عقب الحرب العالمية الثانية وعلى الأخص ما تدعو إليه هذه الفلسفة من ضرورة تحمل الانسان «الحر» المسؤولية كاملة عن نشاطه لا لشيء إلا أنه حر ،و الحرية تعني المسؤولية الأخلاقية المطالب بها الإنسان الحر وهذا ما يحقق مفهوم العدالة قولا وفعلا ومن هنا تسمية المسرحية «العادلون».
وهكذا يمكن القول أن ما يحدث في أي بلد من البلاد لا نسميه إرهابا إلا إذا شمل أذاه الأبرياء قبل غيرهم وبقدر حجم الخسائر الناجمة عن الحدث الذي وقع والتي لحقت بالأبرياء وممتلكاتهم يكون العمل «غير عادل» وبالتالي إرهابيا بحق.
وهنا يجب أن لا ننسى ما يجب وضعه في حسابنا هذا وهو الدافع المحق للدولة أو لخصومها لاستخدام العنف حفاظاً ـ كما يدّعي الطرفان ـ على حقه في حماية الدولة أو في إسقاطها وهو ما يجب أن يقودنا بالتأكيد إلى مراجعة سلوك كل طرف ومحاسبته على أخطائه التي كانت السبب الأساسي لحالة الاشتباك العنيف بين الطرفين. إن توخي «العدالة» في مثل هذا الوضع هو موقف أخلاقي قبل أي حساب!
قد يقال إن هذا الكلام ينتمي إلى الفلسفة أو إلى التفلسف، وخير منه هو ما يجب أن يقال حول ما يجري على أرض الواقع من عنفٍ متبادل، وبالتالي مَنْ مِنَ الطرفين هو الأقرب أو الأبعد من تحقيق العدالة، أخلاقياً على الأقل، وبالتالي مَنْ هو الطرف الأقدر على إيذاء الأبرياء وبالتالي الأجدر بتهمة الإرهاب سواء أكان إرهاب دولة أو إرهاب معارضة.
كل شيء الآن مختلط بغيره من الأشياء المضادة له ولا حساب حاسم كما يبدو إلا للقوة المظفرة لا لشيء سوى أنها الجانب الأعتى والأقدر في حساب موازين القوى التي باتت لا علاقة لها بأي منطق أخلاقي.
هذا هو المشهد الذي يفرض نفسه الآن في عالم يدّعي أنه ينتمي إلى ظاهرة التقدم في حين أن لا تخلف إلا لهذا الذي يدعي التقدمية وهو الوحش في سحنة إنسان مزيّف.
القدس العربي