صفحات سورية

ما هو دور الغاز والنفط في المسألة السورية؟/ م.علاء الدين الخطيب

ظهر منذ سنتين المئات من المقالات والدراسات حول تحليل أسباب الثورة السورية وتداعياتها والتدخل الدولي غير المسبوق في بلد صغير نسبيا. ومن بين الآراء المنتشرة في الوسطين المؤيد والمعارض للنظام السوري، الرأي القائل ان السبب الحقيقي وراء الصراع الدولي على سورية يعود للصراع على النفط والغاز الطبيعي في السوق العالمية. وقد طرح الكثيرون هذا التفسير استنادا إلى نظريتين:

الأولى تتحدث عن اكتشافات هائلة للغاز والنفط تحت مياه البحر الأبيض المتوسط قرب سورية، وبلغت هذه التقديرات حد أنها ستنافس بالسوق العالمي بقوة.

الثانية تفترض أن روسيا خائفة من أنبوب غاز ضخم يأتي من قطر مرورا بسورية وصولا لأوروبا مما يفقدها موقعها كأكبر مُصدِّر للغاز لأوروبا، أو بالناحية الثانية قال البعض ان قطر قلقة من مد خط غاز إيراني للبحر المتوسط يصل لأوروبا.

هذه الدراسة تحاول مناقشة هذين الطرحين من وجهة نظر هندسية واقتصادية بعيدا عن السياسة وانحيازاتها، واعتمادا على المصادر العلمية الموثوقة المعروفة عالميا. كما تتجنب هذه الدراسة التفاصيل التقنية المملة أو اللغة العلمية الصعبة لغير المتخصص.

أولا، قضية أنبوب الغاز القطري الأوروبي أو الإيراني الأوروبي:

تعتمد دول الاتحاد الأوروبي عموما في سياساتها على وضع استراتيجيات طويلة المدى في كل المجالات، خاصة الاقتصادي منها. ويعمل في هذه الدراسات العديد من مراكز البحوث الأوروبية الحكومية والخاصة. من أهم الحقول في هذه الدراسات هو حقل بحوث استراتيجيات الطاقة المستقبلية خلال الخمسين سنة القادمة. هذه الأهمية تنبع من سببين أساسيين:

الأول، هو سياسات حماية البيئة المعتمدة بأوروبا، التي تشكل أحد المؤشرات الأساسية ‘لصلاح’ الحكومات. وتوليد الطاقة هو أهم وأكبر مصادر التلوث البيئي كما هو معلوم.

الثاني، زيادة الأمن الطاقي، الذي يعني بأحد أسسه تقليل الاعتماد على استيراد الطاقة من الخارج، أو على الأقل تنويع مصادر الاستيراد، بحيث لا يتحكم مورِد واحد بسوق الطاقة.

تواجه تجارة الغاز الطبيعي مشكلتين أساسيتين تجعل سوقه مختلفة عن سوق النفط أو الفحم. الأولى أن نقل الغاز الطبيعي عبر الأنابيب ذو تكلفة مادية هائلة، فمثلا قدرت تكلفة خط الغاز ‘التيار الجنوبي’ المزمع إنشاؤه بين أذربيجان أوروبا عبر تركيا وبلغاريا وصولا للنمسا بحوالي 8 بلايين دولار. المشكلة الثانية هي في صعوبة وتكلفة تخزين الغاز الطبيعي. لهذه الأسباب فإن مفاوضات عقود الغاز الطبيعي تعد من أعقد المفاوضات والاتفاقيات تتم وفق عقود طويلة المدى تمتد لعشرين أو ثلاثين سنة.

وعند البحث بأهم التقارير المعتمدة في الاتحاد الأوروبي بما يتعلق بالطاقة ومصادرها الخارجية، لا نجد أي ذكر أو إشارة لاحتمال بناء خط أنابيب غاز قطري أو إيراني، بعض هذه الدراسات تشير لمد أنبوب من شمال العراق أو خط الغاز القادم من مصر عبر سورية ليلاقيا، كروافد فرعية خط التيار الجنوبي المشار له سابقا. فهذه الدراسات ما زالت تناقش خط الغاز الجنوبي القادم من أذربيجان مرورا بتركيا، وخطوطا أخرى قادمة من روسيا، من دون المرور عبر أوكرانيا، وخطا بحريا قادما من الجزائر أو ليبيا، بالإضافة لخيار مهم جدا يتم أخذه بجدية كبيرة وهو استيراد الغاز المسال LNG من مصادر متعددة عبر البحر من الولايات المتحدة الأمريكية والخليج العربي. يمكن مراجعة موقع الهيئة الأوروبية الرسمي للاطلاع على بعض التقارير التي تمثل حاليا أساس مفاوضات تجارة الغاز مع روسيا. أضف لذلك أن أوروبا قد وقعت فعليا عدة عقود مع الولايات المتحدة لاستيراد الفحم وتعيد تجديد محطات توليد الكهرباء العاملة على الفحم.

أما من ناحية المُصدِّر المفترض، فمن المعروف أن قطر تسيطر تقريبا على ثلث سوق الغاز المسال LNG العالمي، وتمتلك أضخم محطات تمييع الغاز. وما زالت كافة الخطط الاستراتيجية لقطر تشير إلى أنها ستعتمد على تصدير الغاز الطبيعي المسال عبر البحار، مما يحقق لها استقلالية كاملة. بالنسبة لإيران، فاحتمال تصديرها للغاز لأوروبا قد يصبح قائما بعد حل المشاكل السياسية، لكن كرافد لخط التيار الجنوبي ومَصدَر الغاز سيكون من حصة إيران في احتياطيات الغاز الطبيعي تحت مياه بحر قزوين. بالواقع الشريك الأهم بالنسبة لإيران هو الزبون الآسيوي الهند والصين وباكستان.

العامل الأهم أيضا في هذا الموضوع، يمكن لأي إنسان أن يتوقعه لأنه لا يحتاج لمعلومات تقنية. وهو كيف يمكن لأوروبا أن ترهن سوقها من الطاقة لاستقرار هش في منطقة شرق المتوسط، حيث لا تكاد تمر عشر سنين من دون حرب أو نزاع مسلح، خاصة إذا تذكرنا كيف عاشت أوروبا كابوسا مرعبا يوم أوكرانيا ‘أخذت على خاطرها’ وأغلقت خط الغاز الروسي لعدة أيام. وطبعا نفس السؤال سيكون عند المُصدِّر قطر أو إيران.

ثانيا: قضية الاكتشافات الهائلة للنفط والغاز في الساحل السوري وتحت مياه البحر

توجد كميات هائلة من النفط والغاز في اماكن كثيرة من العالم، ولكن هل يمكن لأي بلد يحوي نفطا أو غازا تحت أرضه أن يستفيد منه؟ يفرق الاختصاصيون بين المصادر التي تعني توفر الخامة الطبيعية بين الصخور تحت الأرض وبين الاحتياطي، الذي يعني أن مصادر هذه الخامة تحقق ثلاثة شروط: الأول أن احتمالية وجودها عالية بما يكفي. والثاني أن الوصول لهذه الخامة ممكن تقنيا وجيولوجيا، والثالث أن أسعار مبيع هذه الكميات من الخامة تغطي تكاليف الاستخراج والتصدير. هذا التعريف يفسر ما نقرأه أحيانا أن احتياطي بلد ما قد ازداد بنسبة كذا، كذلك فان تقديرات معظم مراكز البحث العلمي تشير إلى أن المصادر الممكنة للنفط والغاز عالميا تبلغ عدة أضعاف الاحتياطيات المؤكدة القابلة للاستخراج حاليا. مثلا، الكثير من هذه المصادر تنتظر اللحظة التي يستقر فيها سعر النفط فوق 150 دولارا للبرميل لتتحول لاحتياطيات قابلة للاستخراج، لكن يمكننا عندها تخيّل أي عالم سيكون هذا العالم.

منذ نهاية التسعينات بدأت عدة دراسات استكشافية في شرق المتوسط، وقد توصلت جميعها لنتائج بوجود كميات كبيرة من المصادر في هذه المنطقة. وتشير خريطة صادرة عن المعهد الأمريكي للمسح الجيولوجي، وهو المعهد العلمي الأكثر ثقة عالميا في هذا المجال، الى مناطق الاحتياطي المتوقعة على ساحل البحر المتوسط الشرقي وامتدادها، هذه المنطقة المسماة حوض الليفانت تشبه لحد ما مثلثا قاعدته قرب فلسطين، حيث يتركز معظم المخزون ويمتد المثلث قرب لبنان وينتهي على الساحل السوري، مع امتداد إلى مياه قبرص، أي أن حصة سورية كمساحة ضمن هذا الحقل هي الأقل بين البلدان الأربعة.

بالإضافة لهذه الخريطة هناك جدول بالكميات المتوقعة للنفط والغاز في هذه المنطقة ومن نفس المصدر والذي تتوافق عليه معظم الدراسات العلمية الموثقة.

يبلغ متوسط التوزيع الاحتمالي لاحتياطيات الغاز ضمن هذه المنطقة 122 تريليون قدم مكعب من الغاز بمجال من 50 إلى 227 تريليون قدم مكعب من الغاز. بما يعني، انه يوجد على الأقل 50 تريليونا قابلة للاستخراج تقنيا وعلى الأكثر 227 تريليونا. 95′ من هذا المخزون تحت البحر، بالإضافة لحوالي 1.7 بليون برميل من النفط كمتوسط توزيع إحصائي لاحتياطيات النفط ضمن هذا الحقل.

ماذا تعني هذه الأرقام؟ لنستطيع أن نشعر بمعنى هذه الأرقام نقارنها ببقية احتياطيات العالم. الاحتياطي العالمي تقريبا 8000 تريليون قدم مكعب، أي أن هذا الحقل المتوسطي يساوي 1.5′ من الاحتياطي العالمي. أو بطريقة أخرى، احتياطي روسيا أكبر منه بـ16 مرة، واحتياطي إيران أكبر منه بـ10مرات، واحتياطي قطر أكبر منه بـ 7 مرات، واحتياطي الولايات المتحدة أكبر منه بـ 3 مرات. ويساوي تقريبا استهلاك العالم من الغاز الطبيعي لمدة سنة أو استهلاك أوروبا لمدة 6 سنوات ضمن المعدل السنوي الحالي. أما بالنسبة للنفط فمخزون هذا الحقل يعادل تقريبا ثلثي احتياطي سورية الحالي من النفط.

الخلاصة

جميع سياسات الاتحاد الأوروبي تشير إلى أن الاتحاد سيتوجه غالبا لدعم خط أنابيب التيار الجنوبي القادم من أذربيجان مرورا بتركيا وصولا للنمسا، مع احتمالية تلقى روافد من إيران وكردستان العراق ومصر. الحكومة القطرية تتجه لتبقى أكبر مُصدِّر للغاز الطبيعي المسال في العالم، بالإضافة لحالة عدم الاستقرار الأمني في هذه المنطقة. كل هذه العوامل تؤكد أن احتمالية بناء خط أنابيب غاز عبر سورية قادما من قطر أو إيران بقصد الوصول للاتحاد الأوروبي شبه معدوم.

حقول الغاز والنفط المكتشفة في شرق البحر الأبيض المتوسط حقول واعدة وضخمة نسبيا، لكنها بالتأكيد لن ترفع دول هذه المنطقة إلى مصاف الدول الأكثر إنتاجا أو تأثيرا على السوق العالمي. وحصة سورية هي الأقل حسب كل الدلائل العلمية الموثقة حتى الآن. ونضيف أن الدراسات الاستكشافية على الساحل والمياه السورية التي بدأت منذ 2005 ببطء لم تنته ولم تقدم أية أرقام مؤكدة أو مثبتة تحفز على الاستثمار، أي لا وجود لأية أرقام مثبتة علميا، فكل الأرقام الشائعة هي توقعات وأحيانا كثيرة أمنيات. ما هو مؤكد أن هناك كمية كبيرة من الغاز بالمياه السورية الإقليمية بالنسبة لمخزون سورية الحالي المؤكد، وهو 9 تريليونات قدم مكعب من الغاز، لكن من المستبعد أن يصل هذا المخزون السوري للكمية المتخيلة والمسوّق لها إعلاميا بأنها ستحول سورية لدولة تنافس قطر أو إيران أو روسيا من حيث إحتياطيات الغاز. ليست الغاية من هذه النظرة السريعة المبسطة حول قصة الغاز في سورية هي إحباط الناس، بل الغاية عدم رفع سقف التوقعات لأرقام خيالية، وبنفس الوقت عدم الركون لهذا التفسير غير الموثق لتفسير الصراع الدولي على سورية. الغاز والنفط السوري هما أضعف المحفزات في هذا الصراع على مستقبل وشكل سورية.

*كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى