ما يؤثر في بقاء الأسد أو سقوطه
جمعة عكاش
إن أحد النتائج التي يمكن استخلاصها بحياد من استمرار الانتفاضة السورية منذ 15 مارس/أذار ولغاية اليوم أن الأسد لم ينته تماماً كما يروج له، أو أن نظامه الضيق تضعدع وانقسم على نفسه كما يشاع، فبصراحة حتى اليوم يعكس هذان الأمران رغبات شريحة المحتجين والمعارضين أكثر مما يعكسان الحقيقة.
أيضاً يمكن التأكيد أن الأسد مات وانتهى في عدد من المدن وهو يشن الآن “حرب إعادة إحياء” بمنطق الدبابة في درعا وبانياس وحمص ولاحقاً في دير الزور وقامشلو وعامودا، كما أنه فقد كل الأصدقاء ولم يبق له من نصير في العالم إلا “حزب إرهابي” ودولة مارقة.
فهل يسقط الأسد أم يستمر.. وماهي العوامل المؤثرة؟
داخلياً ورغم اتساع حجم مأساة الشعب قد تكون المواجهات في بدايتها، وهي مواجهات ستبقى مستقبلاً في الشارع على الأغلب، ولن ترتقِ إلى “حوار” حول طاولات مستديرة أو مستطيلة في قصر الشعب، فببساطة نظام الأسد لا يمتلك مقومات الحوار ولا مقدماته، إنه يضيف إلى لائحة آلاف المعتقلين المئات، وإلى طابور الشهداء المزيد يومياً، كما أن ماكينته الأمنية تخرب حياة السوريين بحقد قل نظيره، فأي معارضة حمقاء تترقب حواراً في أجواء كهذه.
الرهان في تقرير مصير نظام الأسد داخلياً سيبقى منوطاً بالشارع وهذا الشارع سيتأثر مستقبلاً بعدة أمور:
1-إلى أي مدى يمكن للمحتجين الصمود وابتكار أساليب جديدة تربك النظام وترهقه.
2-هل ستخرج الأغلبية الصامتة خارج دائرة صمتها؟ وإلى من ستنضم؟
الواضح أن الناس الصامتين لايفضلون النظام على المحتجين فالأغلب أنهم يفضلون أمنهم واستقرارهم على كل شيئ في المرحلة الراهنة، لكن هذا الأمن لم يعد متاحاً بسوريا أو لن يكون متاحاً، لذلك عليهم أن يحسموا قرارهم، وهو القرار الذي سيزج بدمشق وحلب كاملتين إلى أحد الخندقين، يبدو أن دمشق ميالة للثورة أكثر من حلب التي يربط المحتجون والناشطون “تجارها” بالنظام.
أحد أقوى مفاتيح تحرك دمشق وحتى حلب بالزخم المطلوبين بيد الأكراد الموزعين بالتساوي مليون بمليون لكل مدينة، لكنهم لا “يقرصون” فعلياً من سقبا ودوما وحرستا والميدان أي الضواحي المحيطة بدمشق، هم يثورون في دمشق إذا كرر النظام سيناريو قريباً للمدن المجتاحة كدرعا وحمي، لذلك النظام لا يتجرأ على الإقتراب من القامشلي أو كوباني.
3-عندما نتحدث عن أغلبية صامتة يجب ألا ننسى مؤسسة الجيش التي لم يتحرك منها بقوة سوى الفرقة الرابعة وبعض الكتائب اللوجستية، إن حراك الجيش في أي اتجاه سيلعب دوراً فارقاً، هناك غزل شعبي يقابله حذر النظام من إخراج الجيش من قمقمه، إن السيطرة على الجيش من الشارع أو من النظام نفسه أمر مستحيل، في اعتقادي المحتجون والنظام لهما قوة متكافئة في جيش جلُ قياداته من النظام بينما جلُّ قواعده من الشعب.
في الإطار الدولي يخطأ من يعتقد أن الأمريكيين يريدون إضعاف نظام آل الأسد ثم الإبقاء عليه، فإذا كانت الفرصة متاحة لأمريكا أن تطوي صفحة الأسد نهائياً لماذا ترضى بما هو أقل منه؟
واشنطن تدرك عبر الإف بي آي وفروع المخابرات والأمن الأخرى أن الأسد اختار البقاء وأنه سيحارب شعبه كما يفعل الآن و إنه لن يتنحى مطلقاً إلا بحرب تطيح به، لذلك تتريث في قراراتها فلأي قرار تتخذه وموقف تتبناه تبعات خطيرة لذلك تبدو مترددة مقارنة بمواقفها السريعة حيال مصر وليبيا.
أوروبا هي الأخرى وضعت على النظام السوري عبارة “منتهي الصلاحية” لكنها تنطلق من نفس المبدأ الأمريكي في الحيطة والحذر ومنح النظام الفرصة تلو الأخرى لا حباً فيه بل خوفاً من تبعات الإطاحة به لأنها قد لا تمر عبر إنتقال سلمي للسلطة بل عبر حرب، ربما تحدث المعجزة فيتحقق الخيار الأول.
لكن الأمريكيين والأوروبيين يدركون حسنات الإطاحة بنظام الأسد بل هم ربما متعطشون إلى نهايته فذلك يعني أن لا “ممانعة” لسياساتها في الشرق الأوسط لاسيما في العراق ولبنان، ذلك يعني أيضاً أن سوريا ستعود في ظل أي قيادة سنية إلى محيطه العربي و تتنامى علاقاته بالسعودية والخليج بدلاً من ايران، وينتهي الجسر الذي يربط ايران بحزب الله، بحيث يعود حزب الله نفسه إلى حاضنته اللبنانية.
بهذه المناسبة ماذا عن مواقف حلفاء سوريا حزب الله و إيران وتأثيرهما؟
يبدو أن أدوارهما بقيت لوجستية بمساعدة الحليف السوري، فهما في صف النظام لدواعي طائفية ليس أكثر.
موقف حزب الله لايزال أقوى من موقف ايران فإذا سقط النظام انتهت ايران في الشارع السوري، لكن حزب الله وما ارتبط عنه بالمقاومة في ذهن السوريين يكسبه فرصة البقاء، لكنها فرصة مشروطة بتعديل مسار مواقفه من انتفاضتهم، وهو في الحقيقة مسار يحدد مصير قوة حزب الله فهو بدون السوريين أو النظام السوري الحالي يقتل نفسه بنفسه، أنا لا استبعد أن تقوم إيران التي هي “داهية” سياسياً بالتضحية في بشار الأسد في مرحلة ما لتبقي على خيط الود الرفيع مع السوريين بينما قد لايسلك المنهج نفسه حزب الله اللبناني.
المواقف التركية والإسرائيلية مهمة للغاية فإسرائيل تريد أمنها فقط، بينما تركيا تريد السوق السورية، ولايهم الإثنين إذا بقي الأسد أم رحل مادام كل منهما يحقق هدفيهما، اسرائيل قد لا تكون معنية مثل تركيا فبأي حال سوريا ستخرج ضعيفة على المدى القريب وهذا جيد من وجه نظر اسرائيل، لكن تركيا تخشى من انفلات الأمر في سوريا بإتجاه حرب أهلية حينها ستجد نفسها مضطرة لتحمل مسؤولياتها تجاه السنة كما أنها تتلمس قوة الأكراد في سوريا ضعيفة وبالتالي تخسر سوقها وتتحول إلى مواجهة التهديد في أرضها وبين أكرادها.
ستعد تركيا إلى المليون قبل أن تتخذ أي قرار في طريق المطالبة بإسقاط نظام الأسد جدياً لكنها لن تجد حرجاً في التلويح به لكسب السوريين لأنها أذكى من أن تخسر الإثنين معاً.
يعرف السوريون اليوم قبل العالم أن نظام الأسد بروحه وفكره لا ينتميان إلى هذا العصر وبالتالي فرص إزاحته منطقية، لكن لا يمكن القفز فوق “حقيقة” أنه موجود وأنه يستطيع أن يلعب بأوراق قذرة تطيل عمره.
العربية نت