صفحات الثقافة

مبولة العالم/ عقل العويط

هناك مسخرة دولية تُدعى الأمم المتحدة، أو مجلس الأمن، أو العالم الحرّ! الشعوب محارق. أكياس نفايات. حشرات يجب إبادتها. الناس يموتون بالألوف. بعشرات الألوف. بمئات الألوف. والعالم ينتظر. والكونغرس ينتظر. ومجلس العموم ينتظر. والكرملين ينتظر. والعرب ينتظرون.

أميركا ستضرب. لا. لن تضرب. بل ستضرب.

لقد وصلت نذالة العالم إلى هذا الحدّ من تتفيه حياة الشعوب العربية وثوراتها وأحلامها ومصائرها.

ألم تعرف حتى الآن أيها العالم، ماذا يجري في العراق؟ في سوريا؟ في مصر؟ في فلسطين؟ وفي لبنان؟ هنا بلدان تتفكّك في الحرائق. شعوب تُخذَل. أحلام وثورات تُضرَّج وتُجهَض. أما أنتَ أيها العالم، أيها العالم كلّكَ، شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، فتتفرّج بصلافة وانتهاز وبرودة وقلة ذوق وانعدام أخلاق، جالساً تقتنص الفرص في مسرح الفرجة الدولية المهينة.

هنا دولةٌ تندّد. ثانية تتلمّظ. وثالثة تندّد وتتلمّظ!

هراءٌ هو القانون الدولي. كذبةٌ هي العدالة. أما الحرية والديموقراطية فمحض علاقات لواط، بأبخس الأثمان، بين الدول.

هذه هي حقيقتكَ أيها العالم. وهذا أنتَ أيها العالم العربي. انحطاطٌ مخزٍ في الكرامة البشرية، وانهيارٌ كاملٌ للشرط الأخلاقي في ممارسة السلطة والسياسة.

مانديلا آخر النبلاء الكرام. غيره (عدّوا معي)، أقوامٌ صغار وأقزام.

لم يعد ثمة مطرحٌ في فضاء السياسة لشيءٍ جميل وأبيّ يُرتجى. مَن قال إن أميركا مختلفة مع روسيا في الشأن السوري؟ وإذا كان ثمة اختلاف، فبالتأكيد ليس على حقّ الشعب السوري في الحرية. بل على إعادة الإعمار، أو على إقامة منصات وقواعد، أو على تقاسم الغاز، أو سواها من المصالح الاقتصادية والأمنية.

لقد أمضى العالم خمسة عشر عاماً يتفرّج على المأساة اللبنانية. وهو، منذ 1948، لا يزال يتفرّج على الهولوكوست الفلسطيني. هل من عجب إذا كان يتفرّج اليوم على ما يجري في العراق وسوريا ومصر؟ ودائماً في فلسطين؟ ومجدداً في لبنان؟

القيمة الإنسانية هي حشرة في المجهرين الأميركي والروسي. أقول أميركا وروسيا اختصاراً، وأنا أعني العالم كله. ليس هناك استثناء واحدٌ بين الدول، ترفع به الكرامة رأسها. لا استثناء.

كان ثمة ديغول وسنغور في العالم. قبلهما كان ثمة غاندي. لم يعد في هذا العالم نماذج من هذا النوع.

اسمعوا ما يقوله العالم عما يجري في بلداننا: فلنتركهم يتفكّكون ويحترقون ويُخذَلون ويُضرَّجون ويُجهَضون. إنه يقول ذلك، في الواقع وفي الحقيقة، وهو يتفرّج بانتهازية مقيتة، على أهل العراق وسوريا ومصر وفلسطين ولبنان. اسمعوه وهو يهرّج ساخراً، لكن “بصدق”: محض رمادٍ نذرّه في عيون هؤلاء، وفي عقولهم الرمداء.

شيءٌ ما جديرٌ بأن يُسمّى لعنة، يجعل الأمل في الحياة العربية رهين فلسفة المصالح الكلبية وآلة القتل، ويجعل دم الهواء مسفوكاً على إسفلت الشوارع، في خفايا الضمائر الكبريتية، داخل البيوت المغلقة، وخلف الأحلام الممعوسة.

كم يجب أن نجتاز من أعمار ومتاهات لكي نصل إلى حياتنا؟ كم يجب أن نعيش لكي نستردّ هذه الحياة المسروقة، ولكي “ننتقم” مما فاتنا منها؟

كان العالم العربي من زمان أضحوكة العالم. صار الآن أضحوكةً أكثر. ليس لأن الشعوب العربية تستحقّ أن تكون أضحوكة، بل لأن العالم صار أكثر ولوغاً في الحقارة وانغماساً في مستنقع القيم.

لقد صار العالم كلباً (بالإذن من الكلاب) تُرمى له عظمة تُسمّى البيزنس، فيلهث وراءها ذليلاً حقيراً.

هذا العالم يجد مبتغاه الحقيقي في الأنظمة الاستبدادية القائمة، أو في تلك الرافعة رايات التخلف الديني. أو – لِمَ لا – في الفوضى الكابوسية “الخلاّقة”. هاتيك وتلك وهذه، تلتقي على قهر إرادات الشعوب. فهل من سببٍ “مقنع” ليقف العالم إلى جانب المطالبين بالحرية والديموقراطية، مضحّياً بمصالحه وحساباته من أجل حفنة من الأحلام؟

بلداننا تعيش خارج الحياة، ليس لأن أهلها لا يحبّون الحياة، بل لأن إله الانتهاز أقوى من إله الرغبات والأحلام والثورات.

ليست هذه هي الحياة، بل مريضتها.

العار يحكم العالم. الحرية أرملة هذا العالم. والعالم، في أحسن الأحوال، مكبّ نفايات، ماخور، مقبرة، أو مبولة. أما نحن… فمبولة العالم.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى