مثقفون سوريون في لبنان بين وطن يقتلهم بالرصاص وغربة تقتلهم بالحنين/ إبرهيم الزيدي
لبيروت في ذاكرة كتّاب وفنانين ومثقفين سوريين، مضمار تعدو به خيل الخيال. بيروت الحرية، بيروت الثقافة، بيروت الصحافة، التعددية، التعايش، الأصدقاء. كل تلك الوجوه لبيروت، كانت تُختصر بزيارة عابرة. فدمشق على مرمى وردة منها. المشكلة ليست في بيروت، إنها في قدرة اللاجئ على استئناف الماضي. فالوطن ليس معطفاً يخلعه في أول استراحة.
وجود كتّاب وفنانين ومثقفين سوريين في لبنان، لم يكن هرباً من الواقع إلى الحلم، كما يفترض، أو من المحتوم إلى المنتقى. إنه ببساطة، من المستحيل إلى الممكن. فقد أرادوا أن يستثمروا فرق التوقيت، بين وطن يقتلهم بالرصاص، وغربة تقتلهم بالحنين. ولأن الخوف لا يجامل، فقد حملوا في ذاكرتهم عطر غيابه، وتركوا في البال نافذة يتسلل منها إلى أحلامهم، وغادروا، تاركين للدروب أن تمشي في أقدامهم. بعضهم ذهب إلى ما بعد الوزن في القصيدة، فكتب من هناك: “آخر صورة لدمشق، أنني غادرتها وهي تمطر، حتى الآن، بعد سنتين ونصف سنة، لم تنشفْ ثيابي”. ثمة من أصيب بشلل الأطلال، فاختار أن يطلّ عليه من نافذة فنجان قهوة مرة بغيابه.
كنت قد قرأت أن الحرية تكبر في السجون، فهل الوطن هو الآخر يكبر في المنافي؟! لست رسّاماً كي أدسّ صوره في جيوب لوحاتي، وما أنا بشاعر لأحفظ ماء وجهه بقصيدة. حملت هاجس الصحافي، ونثرت أسئلتي على طاولات انتظار مثقفين وأدباء وفنانين سوريين في بيروت، بعضهم تأبّى، وبعضهم تأخر في الوصول، وثمة من جاء ليؤكد احتمال الغياب.
لم أغادر الشام قطّ
“الشام تسكنني، وأنا لم أغادرها قط”، هكذا تعتقد الكاتبة والباحثة الاجتماعية رواد إبرهيم، الموجودة في بيروت، علما أن الوطن في رأيها “لم يعد ملتقى الأحبة في الصيف ولا في الشتاء، ولا في عيد الميلاد، فالمسيح صار خلف تجليات أحلامنا. بلاد بكامل حزنها، تتقاذفها أيد لا نعرف إن كان الوطن من أولوياتها، أم أنه وُضع على رف المصادفة والأقدار. لست ممن يتاجرون بالطائفية البغيضة، لكنني أتساءل: لماذا يبدو وطني الآن على هذه الحالة، وكيف لي أن أصدّق أن لا حقد بين الناس، والموت يحصدنا كل يوم؟!”.
أعرف أن هذه الباحثة على علاقة وثيقة ببيروت، فأردت أن أعرف الفرق بين زياراتها السابقة، ووجودها الآن فيها: “أذكر تماما أول يوم حضرت فيه إلى بيروت. كان يوما مختلفا تماما عن أيام في مرات سابقة، كنت آتي فيها إلى بيروت، الأهداف كانت مختلفة تماما، مما يجعل المدينة هدفا للتسوق وتمضية وقت مغاير لأيام دمشق. كان يوما يكتنفه غموض لم أعرفه من قبل، غموض في الاتجاهات والرؤى! ماذا أفعل في بيروت، وكيف تكون أيامي فيها؟ يمتد زمن السؤال الذي لا أزال حتى الآن لا أعرف الإجابة عنه. أنا في بيروت الآن لا أستطيع أن أجاري أجواءها، أيامي متشابهة، تتساوى مع أيام أي إنسان عادي، لا يأبه إلا لأن يعيش في منفاه بسلام. هل أتحمل ذاك الفراق حتى لو أنه إلى بلاد تسطع فيها شمس الحرية التي أتمناها؟”.
كوريدور طويل في سجن صيدنايا
في الضفة الأخرى من نهر الألم السوري، كان الكاتب والمترجم ثائر ديب ينتظر الصباح بطريقته، علماً أنه أكّد لي شخصياً، أن الفجر سيتأخر، وأنه على هامش الوقت يحاول تعرية الفروق بين غد ملتبس الملامح، ومستقبل موغل في الغموض: “بعيداً عنكِ، لستُ سوى المعتقَل القديم، وليست “الحمرا” سوى كوريدور طويل في سجن صيدنايا، حتى أحلامي عادت أحلام فرار، أحلام السجناء. حين لم يعد في وسعي أن أعود إلى دمشق كما في كلّ أسبوع، تعطّل حبّي لبيروت التي فُتِنتُ بها. وجدتُ اسمي بين قائمة بمئة ألف (فقط) من أسماء المطلوبين للاعتقال، ولم يعد في وسعي تنسّم ليل دمشق. الآن أحسّ، أنا السوري، بما قاله محمود درويش: “وأبي قال مرّة: الذي ماله وطن، ماله في الثرى ضريح، ونهاني عن السفر”. الآن أفهم ما قاله بريخت في “حوارات المنفيين” على لسانَي النحيف والبدين: “البدين: ليس الإنسان سوى حامل لجواز السفر، يدسّه في جيبه كما تُودع الوثائق والمستندات الثمينة في الخزانة الحديدية التي لا قيمة لها سوى أنها تحوي أشياء ثمينة. النحيف: الإنسان ضروري للجواز. الجواز هو الشيء الأساسي… ومن دون أن يكون هنالك إنسان تابع لا يمكن أن يتحقق وجود الجواز، أو قــــل لا يمكن أن يتحقق وجوده كاملاً”. بيد أنَّ طيفك ترتجفين بين ذراعيّ كطائر ذبيح يبدد كلَّ شكوى نوستالجية يطلقها الاشتياق إلى دمشق، أو تزيّنها رومانسيات الثقافة. في ارتعاشةٍ أولى، تأتي صورة شوارع مظلمة، مقفرة، خلت حتى من القطط والكلاب الشاردة. في ارتعاشةٍ أخرى، ترد طوابير الخبز والذلّ والدمّ. في ارتعاشةٍ ثالثة، تنهمر حواجز وسياط وبساطير وسواطير ويتبدّى سَلْخُ الجلد عن عظامٍ وعروقٍ وقلوب. لا أكاد أسمع وقع حوافر خيل العربة في باب شرقي، حتى تقصفها الطائرات. لا أكاد أشمّ فحيح عاشقين فتيين في ظلٍّ حتى ينبق المخبرون والقوى الدولية وعصور الظلام. الدم، الدم، الدم… دمشق غارقة في سيل من الدم. يا لهذه الجيفة المتأنّقة! سبعُ عرّافاتٍ كشفن لي أنّها متربّعة على غفلتنا، وأنّ رمّة الطاغية التي بعثتها الوراثة والغفلة لن تكفّ عن النار، قبل عودة القرون الغابرة، وعظايات التاريخ. يا لجوف الوحش! يا لدمشق في جوف الوحش! يا للوحوش التي يستولدها الوحش!”.
لقائي بثائر ديب لم ينته، انتهت الأسئلة التي فشلنا في معرفة أجوبتها، فوقفت في عراء الكلام، أجوب هواجس الآخرين، من دون أسئلة، أبحث عن وهج يعيد للحرائق ألقها، قبل أن تتحول إلى رماد الذكرى، بعيداً عن الأشجار التي تحنّ إلى الغابة الأم، كنت أبحث عن أغصان مكسورة بالشوق للشجرة. كانوا ثلاثة رفاق، يدهمني الصحافي منهم فراس الهكار بأمنيته: “لو يرتقي الوطن إلى مرتبة الفندق، لعلنا حينها ننام ونحن نشعر بالطمأنينة. تغادر بيتك مجبراً، تهرب من مدينتك آملاً في عالم رحب قد يتسع لأحلامك، التي تتمنى لو أنها بقيت محدودة، والتي تتجلى بالحصول على وظيفة حكومية، والزواج بابنة الجيران، والحصول على قرض من المصرف العقاري، لشراء منزل صغير في أطراف المدينة. ضاعت أحلامك في طرفة عين، قضت ابنة الجيران بقذيفة مجهولة المصدر، واستولى ملثمون مجهولون على خزينة المصرف، وألغت الحكومة نظام التوظيف، بعدما شقّت المدينة عصا الطاعة. ذهبت المدينة بكل ما فيها إلى الجحيم، يرفض الجميع احتجاجك على الوضع وما آل إليه، يتابعون صورك وقائمة نشاطاتك، على شريكتك في الغربة، صفحة الـ”فايسبوك”، يشاهد معارضون صورك في ساحة الشهداء، مع أصبعين تنفردان في إشارة نصر لا يعلمه أحد لمن سيؤول، فتصبح غيفارا العصر، وقدوة الشرفاء. صورك في خليج “السان جورج” وخلفك يخوت الخواجات وأرداف الحسناوات، تثير حفيظة المؤيدين، أيها العربيد، يا معارضة الفنادق، تُكال لك الشتائم والسباب من كل حدب وصوب. الصورة غير صحيحة في كلا الحالتين. ولا أحد يراك، وأنت تبحث عن بقايا خضر متعفنة في سوق صبرا، ولا يُفكر فيك أحد، وأنت تدس رأسك في أكداس ألبسة البالة في سوق الأحد، بحثاً عما يُدفئ عظامك، التي نخرها برد الغربة، وشوق أم ثكلى، تنتظر لحظة عودة شبكة الاتصالات، لتسمع صوتك المتقطع، الآتي من بعيد”.
أبادوا بعضنا لتخفيف الزحام
في الطرف الآخر من القلب، كان الموسيقي أحمد الشمطي، الذي تفرغ للعزف، وتدريس الموسيقى في معهد النسر السرياني، في بيروت. أحمد ككل الموسيقيين، أداته في التعبير تمثلها الريشة حين تلامس الوتر، ويكتب الشعر على هوامش فجائعه بالحب. فهو إضافة إلى الموسيقى، درس اللغة العربية وآدابها في جامعة حلب، ثم انتقل إلى جامعة البعث بحمص، ولا يزال التخرج ينتظره هناك. كان باذخاً بصمته، فأربكني، ولم أجد بدّاً من سؤاله، وبشكل مباشر عن مفاعيل الغربة في نفسه، فقال: “لقد جئت إلى هنا، لأنهم أبادوا بعضنا من أجل تخفيف الزحام. كنت أود ان أتحدث عن هــواجس عودتي، ولكنك أردت ان أتحدث عن هــواجس غربتي، رحم الله من قال: لا ألفينَّك ثاويًا في غربةٍ/ إنَّ الغريب بكلِّ سهمٍ يرشق”.
لم يكن أحمد يختلف عن أقرانه من الشباب الثلاثة، فكلهم من الرقة، “والرقة من تراب”، إلا أنه كما فهمت، وجد لنفسه المكانة التي تليق به كإنسان، من خلال الموسيقى. فالموسيقى كما يقول، هي الوجه الآخر للحب، ومن كانت بضاعته الحب، فالربح نصيبه، سواء باع أو اشترى.
بيروت خفيفة الوطأة
ثالثهم كان الشاعر أنس العباس، الذي انسكب دفعة واحدة، ملخّصاً حياته، وأوقاته، وأحلامه: “حفنة أصدقاء سوريين، نجتمع في بيت أحدنا، أو في أحد بارات المدينة، نتبادل الحديث والضحك والكؤوس. بينما كلنا يعلم، أن كلَّ واحد منا يخفي تفاصيل معاناته الخاصة. يعود كلٌّ إلى بيته، وبشكل أوتوماتيكيّ يفتح حاسبه الآليّ، ونلتقي من جديد في موقع “فايسبوك” الشهير، الذي بات معظم السوريين من مدمنيه، لأنه الوسيلة الأسرع لمعرفة أخبار البلد، والتواصل مع الأصدقاء، الذين بعثرتهم الحرب كالنمش على وجه المعمورة. الاتصالات مقطوعة في الرقة وها أنا أقرأ أنباء غارة جوية يشنّها طيران النظام بشكل عشوائيّ، لا يستثني المناطق السكنية ولا المدارس. أنا في انتظار أسماء الضحايا. “عرفت مين مات؟”: رسالة تصلني عبر الـ”فايسبوك” من صديق. “لا”: إجابة تعني السؤال، حيث يتكور القلب على نفسه في انتظار أسماء الراحلين الذين لا يرحلون. باتت في ذاكرة كل سوري مقبرة يقفل عليها صندوق رأسه ليستمر في الحياة. أتابع بتركيز كل فيديوات المجازر والإعدامات الميدانية في سوريا. هذا أقل ما يمكنني فعله. أن أشارك كل سوريّ أنفاسه الأخيرة، أن أتألم لأجله وأتألم معه. أنا لا أريد ان أنسى. في كل هذا الضجيج صرت أخاف من النوم، فهو موعدي مع الكوابيس. أشعر بإرهاق دائم، حتى بتّ أتعاطى الحبوب المنومة، حين أشعر بحاجة إلى نوم عميق. لا بدّ من الحب في المنفى لنستمر. العلاقات العابرة تضاعف الشعور بالوحشة. كل امرأة لا تشبه أمي، هي امرأة أجنبية. بتّ غيوراً ومتطرفاً أريد امرأة لي أريد وطناً أو أماً. آخر مرة رأيت فيها أمي، كانت قبل سنة من الآن. أمي التي ترجوني مراراً كلما اتصلت بها هاتفياً أن لا أعود إلى الرقة! لكني أعتقد أن بيروت هي الأخف وطأة، فهي ليست مدينةً غريبةً عليّ، لقد أمضيت فيها سنيّ دراستي الجامعية، ولشوارعها وبحرها حصة من عمري وأحلامي”.
الروائية ريم بدر، أمينة تحرير مجلة “تكنولوجيا الصناعة”، ومديرة تحرير شبكة “منابر ثقافية”، تتوزع حياتها بين دمشق حيث أهلها، والسعودية حيث يعمل زوجها، وبيروت حيث تدرس دراسات عليا. تتشظى غربة، وتتوزع حنينا، مما يجعل وجهة نظرها تأخذ في الاعتبار الآخر والمكان على السواء: “قبل أن أصل إلى بيروت، وقفت كثيرا عند الحدود السورية، لأختزن في ذاكرتي ما أستطيعه، زوادة لزمن لا ذاكرة له. لم يكن لديَّ أدنى تصور في أي وقت سأعود، والكيفية التي سيكون عليها الأمر، لكن أعراض الحنين بدأت عندي مباشرة! وبدأت يوميا أمسك قضبان النافذة، أتساءل عن لحظة العتق، في خطوة قد تفضي إلى الجنون، إذا تفاقمت في داخلي. أدركت لماذا يضعون قضبانا على النوافذ، فهي ليست لحماية المنازل من السرقات، إنما لحمايتنا من الانتحار. التقيت بالكثير من الأصدقاء هنا واعتقدت أن هذا سيخفف من شعور الغربة لكن الأمور كانت تسير بمنحى آخر. ففي زمن الأزمة السورية لم يعد في إمكانك أن تلتقي الى مائدة مستديرة مع ابن البلد، فقط لأنه ابن البلد، عليك أن تحدد انتماءك السياسي، قبل أن تمد يديك مصافحا. يمكنه في هذه الحالة، أن يرفضك أو يقبلك. ينقبض قلبي، وأشعر أن الهوة بيننا وبين الآخرين تأخذ في الاتساع. أما الاتصالات فتقضي على عناصر الدهشة والتخيل والانتظار في قلوبنا. كنت أظنها ستقربني ممن يعيشون في الوطن، من أهل وأصحاب، لكنها حولتني إلى كائن صوتي، لا يعنيهم مني إلا هذا الصوت. قضت على شوقي، وكشفت أقنعة الجميع أمام الجميع، فبدا الحاسد، من المهتم، من الحاقد، من المشتاق، ممن لا تعني له شيئا بحضورك أو غيابك… بدوا جميعا، على وجه التحقق، الذي لم يكن على قدر التوقع”.
ماسة المفتي، الاختصاصية في مجال التعليم والتربية، والناشطة في العمل الإغاثي، والمدني، تختصر الحالة السورية في لبنان بكلمات قليلة، لكنها تشي بالكثير: “أحب لبنان وقد تأكد لي ما كنت أشعر به، بعد الثورة السورية، إذ أن أهل “سوريا الشقيقة” كما يسمونها، يحبون أهل لبنان أكثر مما يحب أهل لبنان جيرانهم السوريين. الأسباب معروفة. لذلك أؤكد أنني ما زلت أحب لبنان ولا أريد أن أنظر إلى نصف الكأس الفارغ، ما يأخذني إلى الأمل هو النصف المليء من الكأس، وهو موجود في سوريا وفي لبنان أيضا”.
الشاعرة سيلفا حنانيا، السورية المتزوجة من لبناني، تفاقم شعورها بسوريتها، فكانت الغربة هاجسها. تتحدث عن غربة المكان فتقول: “إني ياسمينة تفقد ألقها وعبقها، لأنها لم تستلذ غيرَ نمير جداول وطنها. أتحدث عن غربة الأهل وأقول: بأني بتُّ منقسمة شطرين وأعيش الغربتين. لقد حرمت عيناي من مناديل أمي التي كانت تمسح رقيق مدمعي بقرنفل أناملها. أما غربة الوطن فقد جعلتني أقضم أصابعي. أنا من أنا في غربتي؟ لست إلا ساقية صغيرة لا قدرة لها على الجريان، ولم تجد من ينسج ثوب شعرها على المنابر الثقافية في بلد الاغتراب، لبنان”.
ثمة من لم تصل شهرتهم إلى الإعلام، من هواة الأدب والفن، أولئك الذين وجدوا أنفسهم وقد تحولوا إلى عمال، ولكل منهم قصة، لا بل غصة. بعضهم قال لي إن الهوة بينه وبين اسمه أصبحت شاسعة، ولا معنى أن يذكر اسمه الذي لم يعد يعرفه. هناك من اكتشف أنه مجرد رقم في السجل المدني، ممكن أن يشطبه الموت المجاني في كل لحظة، ولذلك فإن حياة كهذه لا تستحق الضوء.
في الهزيع الأخير من اليأس، كان لي لقاء مع التشكيلي م. ح. الذي قال إن كل الألوان خداعة، إلا لون الدم: “لقد جربت كلاّ منها على حدة، واشتغلت أكثر من لوحة، على تدرجات اللون الواحد، فلم يكن ثمة واحد، إلا الإنسان”. هل وجدته؟ بعض الابتسامات التي تسبق الأجوبة، هي الأجوبة الحقيقية، وليس ما يليها من كلام. “لا أعتقد أن فقدان الوطن مرتبط بمغادرتي له، الوطن نفقده حين يغادرنا، وليس حين نغادره، هو كمفهوم، يحمل أكثر من مدلول، واحد منها المكان، أما باقي الأمكنة فأزمنة، وقت متناثر، غير منضبط، وغير مستثمر أيضا. لست أدري من منّا غادر الآخر، أذكر أنني رأيت يده تلوح لي، وبقي ظل ابتسامته عالقاً بين عيني”.
النهار