مجزرة عبثية أخرى
رند صباغ
يصطدم الواقع السوري الدامي الذي اعتاد مشهد موته اليومي وعدادات الشهداء المتراكمة، بالرقم الذي بثته وسائل الإعلام ليلة الأحد: أكثر من 500 سوريٍ قضوا في يومٍ واحد. لا مجال للاستقصاء حول دقة الرقم، لكن ما لا شك فيه هو أن حدثاً مهولاً يحصل الآن، فيما تتصارع الواجهة السياسية في اسطنبول بين أصدقاء سوريا ومؤتمراتٍ للسلم الأهلي، أو حل حكوماتٍ وإقامة بدائل في تكتلاتٍ واجتماعاتٍ لم تتجاوز الحاجز الافتراضي والخطابي، كما هو الدم السوري.
6 أيامٍ صامتة، كانت تدك خلالها جديدة الفضل في الريف الغربي للعاصمة السورية، وهي تشهد أشكال القصف والقنص والتدمير، وصولاً إلى عمليات القتل المباشرة بحسب الأهالي من ذبحٍ وحرق، وإجهازٍ على بقية الجرحى. 6 أيامٍ لم يفتح خلالها أي طريقٍ في وجه المدنيين علهم يجدون ملاذاً آمناً، حتى ليلة الأحد حيث فتحت قوات النظام الطريق مدة ساعتين.
يقول أسعد وهو أحد من استطاعوا الخروج، “تم إغلاق منافذ البلدة الثلاثاء الساعة الثانية ظهراً بشكلٍ مفاجئ، حينها بدأت قوات الجيش الدخول شمالاً من جهة الفوج 100 نحو أقرب نقطة وهي ما يسمى بحارات الموالي”، ويكمل “في اليوم الأول لم نسمع بشيءٍ من حارات الموالي، لأن الجيش قد تمركز بدباباته وعرباته، وبدأ بالقصف، وهو يتقدم تحت غطاء المدفعية”.
يتحدث السكان عن أن أكبر المجازر حصلت في الموالي، باستخدام الأسلحة البيضاء والحرق، فيما يشير ناشطون إلى أنهم استطاعوا توثيق 103 أسماء للحظة، منهم 11 عنصراً من المعارضة المسلحة، أما البقية وبحسب الناشطين فهم من المدنيين، ومن بينهم أطفال ونساء، تم ذبحهم بالسكاكين وحرق جثثهم، مؤكدين على أن من استطاعوا توثيقهم هم من تم إيجاد جثثهم في الحارات أو البيوت، فيما يتم تداول بعض الأنباء عن نقل جثث أخرى إلى مقر إحدى الفرق العسكرية وحرقها هناك، في حين تم توثيق 60 شهيداً يوم الأربعاء فقط.
ما أثار استغراب الجميع، هو استهداف جديدة الفضل بالتحديد، والتي لا يتجاوز عدد سكانها 65 ألف نسمة، إضافةً لاستضافتها عدداً من النازحين القادمين من داريا ومعضمية الشام والحجر الأسود وغيرها والذين قصدوها ملاذاً آمناً لكونها محيدة عن الصراع العسكري، فجديدة الفضل لا تحتمل أي شكل من أشكال التدخل العسكري، حيث أنها محصنة من قبل النظام بشكلٍ قوي، ومن شمالها يقع الفوج 100، وهو من أكثر القطع العسكرية تماسكاً، الذي لم يشهد أية حالة انشقاق حتى اللحظة، أما جنوباً، فهناك أوتستراد دمشق القنيطرة، المكتظ بالحواجز، شرقاً توجد مساكن يوسف العظمة للضباط، وغرباً تنفتح جديدة الفضل على البساتين المتصلة مع مناطق عرطوز وقطنا، وهما منطقتان يسيطر عليهما جيش النظام.
وإن حاولنا النظر إلى واقع المنطقة أثناء العامين المنصرمين، فلم تشهد جديدة الفضل أية أحداث استثنائية، إذا ما احتسبنا تفجير سيارتين مفخختين أولهما في كانون الأول العام الفائت، والثاني خلال شهر آذار، فيما كان الحدث الأكبر في 15 آذار 2012 حينما تم قتل 5 أشخاص على باب جامع الفضل، إضافةً إلى خروج عدد من المظاهرات أسوةً بغيرها من المناطق، كما يؤكد سكان المنطقة على عدم وجود تواجدٍ حقيقيٍ أو فاعل لأي شكلٍ مسلح (الجيش الحر)، وهي الذريعة التي يستخدمها النظام عادةً للإجهاز على أية منطقةٍ أو دخولها بهذا الشكل.
المدن