صفحات مميزة

محادثات فيينا حول الشأن السورية 09.11-15.11.2015 –تحليلات ومقالات مختارة-

محادثات فيينا تثمر «جدولا زمنيا» يتضمن وقف اطلاق النار ويقود إلى انتخابات خلال 18 شهرا ويصف «الدولة» و«النصرة» بالإرهاب

إختتمت محادثات فيينا الهادفة لانهاء الحرب في سوريا، باعلان التوصل الى توافق الأطراف المشاركة فيها على تسريع الجهود لإنهاء الصراع، ببدء مفاوضات بين الحكومة والمعارضة في يناير /كانون الثاني المقبل واجراء انتخابات خلال 18 شهرا، باشراف دولي ومشاركة السوريين في الخارج.

وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في مؤتمر صحافي بعد المحادثات إن الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وافقوا على إصدار قرار لصالح وقف إطلاق النار في سوريا.

واتفق ممثلو 17 دولة اضافة الى الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة وجامعة الدول العربية  في اجتماع فيينا على جدول زمني محدد بشأن سوريا يؤدي الى تشكيل حكومة انتقالية في هذا البلد خلال ستة اشهر واجراء انتخابات خلال 18 شهرا.

وتم الاتفاق على السعي لعقد اول لقاء بين النظام السوري وممثلي المعارضة بحلول الاول من كانون الثاني/يناير، على أمل ان يتم التوصل الى وقف اطلاق النار بحلول ذلك التاريخ.

وحسب البيان الختامي اتفق المشاركون على عقد لقاء جديد «خلال نحو شهر» لاجراء تقييم للتقدم بشأن التوصل لوقف لاطلاق النار وبدء عملية سياسية في البلد المضطرب.

وقال البيان انه تم الاتفاق على جدول زمني محدد لتشكيل حكومة انتقالية في سوريا خلال ستة اشهر واجراء انتخابات خلال 18 شهرا رغم استمرار خلافهم على مصير الرئيس السوري بشار الاسد.

وأعلن كيري في المؤتمر الصحافي أن وقف اطلاق النار سيشمل كافة الأطراف باستثناء تنظيم «الدولة الاسلامية» وجبهة النصرة باعتبارهما «جهات ارهابية».

من جهته قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن هناك إجماعا متزايدا بين القوى الدولية على ضرورة العمل المشترك لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية.

وقال لافروف في مؤتمر صحافي «اليوم.. قمت بعقد اجتماعات ثنائية ولدي شعور بوجود اعتراف متزايد بالحاجة لإنشاء تحالف دولي فعال لقتال الدولة الإسلامية.»

وقالت مصادر لـ»القدس العربي» أن اجتماع فيينا شهد جدلا حول تحديد ممثلي المعارضة السورية، وأن ممثلي السعودية وتركيا وقطر أصروا على رفض تدخل ايران وروسيا والنظام السوري بتحديد وفد المعارضة. وأعلن لافروف أمس أن المبعوث الدولي ستافان ديمستورا سيشرف على تشكيل وفد المعارضة.

وقالت مصادر أمس أن إجتماع فيينا شهد مشادات بين وزيري خارجية أمريكا ونظيره الإيراني محمد جواد ظريف، كما شهد مشادة أخرى بين ظريف ونظيره السعودي عادل الجبير.

وأكد كيري انه لم يتم التوصل الى اتفاق بعد حول مستقبل الرئيس السوري بشار الاسد، كما شدد وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند من ناحيته ان على الرئيس السوري بشار الأسد ان «يتنحى في اطار المرحلة الانتقالية في سوريا، لكننا نقر بانه اذا كان ثمة مرحلة انتقالية فمن الممكن ان يشارك فيها إلى حد معين».

وأعلن وزير الخارجية الإيراني انه توجه إلى فيينا «للتحدث عن مكافحة تنظيم الدولة والتطرف».

وبين الوفود العشرين المشاركة في مفاوضات فيينا، تتعارض إيران وروسيا الدولتان الداعمتان للنظام السوري مع الولايات المتحدة وحلفائها العرب والاوروبيين حول مصير الرئيس بشار الأسد ودوره في عملية انتقال سياسي محتملة في سوريا.

وكان اجتماع اول متعدد الأطراف حول سوريا عقد في 30 تشرين الاول/اكتوبر في فيينا خرج ببيان مشترك توافقي اذ اتفقت الدول الكبرى ودول المنطقة على السعي إلى وضع اطر انتقال سياسي.

وسعيا إلى انهاء الحرب في سوريا التي اوقعت 250 ألف قتيل على الأقل إضافة إلى ملايين اللاجئين منذ 2011، اتفق المشاركون على تكليف الأمم المتحدة بالحصول على وقف لاطلاق النار ما يمهد الطريق لاجراء انتخابات.

وكانت الوفود سجلت أيضا خلافاتها حول مستقبل الأسد الذي ترغب موسكو في بقائه في الحكم خلال الفترة الانتقالية. وشدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ان «سوريا دولة ذات سيادة وبشار الأسد هو الرئيس المنتخب من الشعب. فهل يحق لنا ان نناقش معه مسائل كهذه؟ بالطبع لا».

ويبدو انه لن يكون من السهل التوصل إلى توافق كما هو الهدف، حول لائحة المعارضين السوريين الممكن ان يتحاورا مع نظام دمشق. وقد عقدت اجتماعات تحضيرية في فيينا يومي الخميس والجمعة.

وتعارضت مواقف روسيا وإيران مع مواقف الولايات المتحدة وحلفائها حول الفصائل المتوجب وصفها بـ»الإرهابية» وتلك التي يمكن اعتبارها من المعارضة.

وحذر نائب وزير الخارجية الإيراني امير عبداللهيان من فيينا ان الاجتماعات التمهيدية التي جرت في الأيام الأخيرة لوضع لوائح المعارضين هذه «لم تكلل بالنجاح» مشيرا إلى ان طهران وموسكو لم تشاركا حتى فيها. وأضاف ان «اجتماع فيينا لن يتخذ أي قرار حول مستقبل سوريا».

ولا يشارك ممثلون من النظام السوري أو المعارضة السورية في اجتماعات فيينا التي تتمثل فيها نحو عشرين حكومة ومنظمة منها الأمم المتحدة، الاتحاد الاوروبي، جامعة الدول العربية، المانيا، السعودية، الصين، مصر، الإمارات العربية المتحدة، فرنسا، ايران، العراق، ايطاليا، الأردن، لبنان، سلطنة عمان، قطر، روسيا، المملكة المتحدة وتركيا.

ويعتبر جون كيري ان «نجاح» المساعي الدبلوماسية سيكون مرتبطا بشكل وثيق بتطور ميزان القوى على الأرض حيث تقود الولايات المتحدة منذ أكثر من سنة تحالفا دوليا يشن ضربات على مواقع تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق المجاور.

وأكد الرئيس باراك اوباما في مقابلة مع قناة اي بي سي التلفزيونية ان الولايات المتحدة حققت هدفها بوقف تقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، داعيا إلى تشديد الحملة لـ»القضاء بشكل كامل» على عمليات مسلحيه.

المعارضة السورية

في الداخل والخارج

تنقسم المعارضة السياسية بين شخصيات ومجموعات وأحزاب داخل البلاد وخارجها. وفي حين تعد بعض مكونات هذه المعارضة في الداخل من المجموعات المقبولة اجمالا من دمشق، فإن تلك الموجودة في الخارج وعلى رأسها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية تتمسك بشرط رحيل الأسد كمقدمة لاي حل محتمل.

معارضة الخارج

○ الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية: يعتبر أبرز مكونات المعارضة السورية في الخارج. يضم مجموعة من الشخصيات والأحزاب والمكونات العرقية وممثلين عن عدد من الفصائل العسكرية لكنه يتهم برغم ذلك بانه لا يمثل كافة الفصائل المقاتلة الفاعلة على الأرض. ويرأسه حاليا خالد خوجة المستقر في تركيا.

○ مؤتمر القاهرة: انبثق عن لقاء استضافته القاهرة في شهر كانون الثاني/يناير الماضي بمشاركة معارضين من توجهات مختلفة. وجمع في حزيران/يونيو قرابة 150 معارضا يعيشون داخل سوريا وخارجها، بينهم قوى كردية. ومن أبرز مؤسسيه المعارض البارز هيثم مناع.

○ الإخوان المسلمون: تعد جماعة الإخوان المسلمين المحظورة في سوريا من الجماعات النافذة في المعارضة السورية وتتلقى دعما قطريا وتركيا. شكلت الكتلة الأبرز في المجلس الوطني السوري الذي تأسس العام 2012 قبل ان ينضم إلى صفوف الائتلاف. يعود تاريخ تأسيسها إلى الثلاثينات من القرن الماضي.

○ معارضون مستقلون: من أبرزهم المعارض البارز ميشال كيلو وشخصيات أخرى مشاركة في مجموعات المعارضة الرئيسية بالإضافة إلى حقوقيين بينهم رندا قسيس وناشطين ورجال اعمال مقيمين في الخارج.

معارضة الداخل

○ هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي: تأسست العام 2011 وتضم أحزابا قومية ويسارية وكردية وشخصيات وطنية، أبدت رفضها للتدخل الخارجي في سوريا منذ اندلاع النزاع. وبرغم انها تعد من أبرز مكونات المعارضة المقبولة من النظام، لكن تعرض عدد من قيادييها للاعتقال في السنوات الثلاث الماضية، ابرزهم عبد العزيز الخير ورجاء الناصر.

○ الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير: تأسست العام 2011 ويرأسها قدري جميل، وهو نائب سابق لرئيس الوزراء السوري اقيل من منصبه العام 2013 ولديه علاقات جيدة مع موسكو حيث يقيم. ومن ابرز اعضائها فاتح جاموس المقيم في سوريا وهو قيادي سابق في حزب العمل الشيوعي واعتقله النظام لنحو عشرين عاما.

○ تيار بناء الدولة السورية: تأسس العام 2011 ويرأسه المعارض العلوي البارز لؤي حسين الذي اعتقلته دمشق العام 2014 بـتهمة «اضعاف الشعور القومي» على خلفية مقال كتبه، قبل ان تفرج عنه في ايار/مايو ويتمكن من مغادرة دمشق إلى مدريد.

○ أحزاب وشخصيات تصنف نفسها في صفوف المعارضة من دون ان تطالب برحيل نظام الأسد، بينها علي حيدر وزير المصالحة الوطنية في الحكومة الحالية الذي يرأس أيضا الحزب السوري القومي الاجتماعي، وسبق له ان شارك في لقاءات استضافتها موسكو كممثل عن معارضة الداخل.

الأحزاب الكردية

○ حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في سوريا: تأسس العام 2003 واعلن بعد انسحاب قوات النظام تدريجيا من المناطق ذات الغالبية الكردية اقامة إدارة ذاتية العام 2013 في مناطق سيطرته في شمال وشمال شرق سوريا.

وتعد وحدات حماية الشعب الكردية جناحه المسلح في سوريا والتي تصاعد نفوذها بعد تصديها لتنظيم الدولة الإسلامية وتلقيها دعما من الائتلاف الدولي بقيادة واشنطن.

○ المجلس الوطني الكردي: تأسس في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2011، وانضم بعد خلافات ومباحثات طويلة إلى الائتلاف السوري المعارض نهاية العام 2013 وهو مظلة لطيف واسع من الاحزاب الكردية باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.

 

 

 

ما هو مشترك في فيينا: الفشل/ عمر قدور

يُساق كلام كثير عن مغزى تغييب السوريين عن اجتماعات فيينا، مع تأكيد القوى الدولية والإقليمية الحاضرة أن العملية التي ستقرر تفاصيلها ستكون بقيادة سورية!

العنوان الأبرز لوصف الغياب هو فشل الأطراف السورية في أن يكون لها حضور مرموق، وأنها بلا استثناء أصبحت في «جيب» القوى الخارجية التي تتفاوض نيابة عنها. هذا التفسير، وإن وصف حال السوريين، يوحي بأن القوى الخارجية ممسكة تماماً بخيوط اللعبة الداخلية، بل يوحي بانتصارات حققتها الأخيرة بتعزيز نفوذها على حساب السوريين، ولم يتبقَّ أمامها سوى التفاوض على تفاصيل اقتسام الكعكة.

على صعيد متصل، ينتظر المتفائلون من محطة فيينا أن تكون الأخيرة، بعدما تعبت الأطراف المجتمعة من الصراع بأدوات سورية، وتوصلَ كل طرف بمفرده إلى القناعة العامة بعدم قدرة أي طرف على الانتصار. هنا قد تسوّق الإدارة الأميركية النتيجة بوصفها انتصاراً لسياستها، فكما هو معلوم أعلنت إدارة أوباما منذ بداية الصراع السوري ألّا حلَّ سوى الحل السياسي، وفعلت ما بوسعها لمنع أي حسم عسكري. نهج إدارة أوباما هذا ليس جديداً، فحيثما لم تكن هناك مصلحة أميركية ملحة في حسم نزاع ما، تصرفت الإدارات الأميركية على قاعدة استنزاف المتحاربين حتى يصبحوا جاهزين للتفاوض. على سبيل المثال، هذا ما نُقل عن الرئيس الأسبق بيل كلينتون غداة فشل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بإشراف حثيث منه، إذ تحدث عن عودة الطرفين إلى مائدة التفاوض بعد استنزاف فرص الحرب.

لكن النجاح الشكلي للفرضية الأميركية لا يدحض فشل إدارة أوباما في الكثير من المحطات السورية، بدءاً من تراجعها عن خطها الكيماوي الأحمر، مروراً بفشل مشروع تدريب المعارضة المعتدلة، وصولاً إلى تقرير التعاون مع فصائل عسكرية كانت تنتقص من وزنها بالقول إنهم مجموعة من المزارعين وأطباء الأسنان. أداء الخارجية الأميركية في فيينا ينطوي على تلك السلسلة من الفشل، فالتنازلات التي أسرعت في تقديمها للروس والإيرانيين لم تأتِ من باب المرونة في التفاصيل كرمى للوصول إلى هدف أثمن. هي تنازلات تبتغي واحداً من احتمالين، إما استمرار عملية فيينا للقول إن قطار الحل السياسي على السكة، أو التخلص من الصداع السوري بتسوية لا يهم مدى جديتها طالما يمكن استثمارها كإنجاز.

للتغطية على فشلها، تستفيد الإدارة الأميركية من وجود فاشلين آخرين، فموسكو التي يحذّر الكثيرون من تورطها في المستنقع السوري أخفق دعمها خلال أربع سنوات في تثبيت حكم الأسد، وخلال شهر ونصف الشهر من مشاركة طيرانها تلقت قوات الأسد خسائر ضخمة جداً في العتاد والأرواح، من دون تحقيق تقدم بري يوازي قليلاً من حجمها. أن تستبق موسكو بالمفاوضات فشلاً أكبر، تلك سياسة وقائية جيدة، غير أنها منطقياً لا تجعلها في موقع من يستطيع فرض شروطه كفائز، والعديد من خصومها لا يضيره انتظار لحظة الفشل المتوقعة للتفاوض بناء عليها.

قبل موسكو، كانت طهران قد تبجحت بسيطرتها المطلقة على قرار الأسد، وانخرطت فعلياً في تفاصيل الصراع السوري، إلى حد إدارتها مباشرة العديد من المعارك ومن المفاوضات مع فصائل المعارضة. الإمبراطورية الإيرانية الجديدة، التي تسابق مسؤولون إيرانيون للتبشير بها، سرعان ما كشفت عن تدهور كبير في النفوذ الإقليمي، إمدادات حزب الله تُقصف متى شاءت تل أبيب، الحوثيون بدأوا يخسرون في الحرب ما كسبوه في التفاوض السابق وفي مغامرتهم العسكرية، نظام بشار بالكاد يستطيع المحافظة على سيطرته على ثلث البلاد، الثلث الذي لم يعد ينفع كممر أسلحة لـ «حزب الله» مع الغارات الإسرائيلية المتجددة بعد التدخل الروسي، وذلك بخلاف الخسائر الكبيرة في الأرواح التي طالت قادة من «الحرس الثوري» ومن مختلف الميليشيات الشيعية.

على جبهة داعمي المعارضة، يتجلى الفشل في عدة مستويات، أولها الخلافات بين الداعمين وعدم وجود استراتيجية دعم موحدة أو مشتركة، الأمر الذي انعكس بتشتت الفصائل التي تقاتل النظام تنظيمياً وسياسياً. وعلى رغم احتفاظ داعمي المعارضة بصداقة تقليدية مع الولايات المتحدة، فشلوا في إقناع إدارة أوباما بالحسم العسكري، أو حتى بإنشاء مناطق آمنة خارج سيطرة النظام، مع الفشل في سد الذرائع الأميركية المستندة إلى الواقع التنظيمي المهلهل للفصائل المقاتلة، وإلى تبني العديد منها فكراً إسلامياً متطرفاً أو إرهابياً. المسألة هنا ليست في نجاح نظام بشار في تسويق مقولة «إما بقاؤه أو الإرهاب»، في الواقع مثلما استثمر بشار في الإرهاب استثمر بعض القوى الإقليمية فيه لأهداف مغايرة، ونجاح بشار، إن كان ثمة نجاح، يرجع في قسم معتبر منه إلى استثمارات الآخرين لا إلى لعبته المكشوفة. مشكلة داعمي المعارضة وتشتتهم ستتفاقم في فيينا مع طرح فكرة قائمة موحدة للتنظيمات الإرهابية، فموسكو ستضغط وسيوافقها بعض الغربيين، وفق تصريح وزير الخارجية البريطاني مؤخراً، من أجل ضم تنظيمات إلى قائمة الإرهاب تحظى بدعم حكومي إقليمي. ذلك سيضع تلك الحكومات إما أمام خيار فقدان نفوذها، أو خيار إعادة تشكيل تلك الفصائل على بنية أيديولوجية مختلفة.

مشكلة عملية فيينا أن أكثر المنخرطين فيها جربوا الفشل في الملف السوري، من دون أن يتوصلوا إلى قناعة حقيقية بأنهم فشلوا، وبأن وقت التنازلات الكبرى حان فعلاً. ثمة أطراف لا تخفي جشعها في أن تحقق بالمفاوضات ما عجزت عن اغتنامه بالسياسة، وثمة أطراف تراهن على استهلاك الوقت ليس إلا، على أمل أن تحقق ميدانياً ما لا يمكن تحقيقه سياسياً.

بالتوازي مع ذلك، يصعب الزعم أن السوريين بمجملهم توصلوا إلى قناعة مشتركة بأن زمن التنازلات الكبرى قد حان. هناك تعب وتململ عامّان من الحرب، هذا ما تمكن ملاحظته لدى القوى غير الفاعلة، أما القوى الفاعلة في الحرب فلا تبدو مستعدة حتى الآن للتضحية بمتطرفيها، وهو شرط التوصل إلى حل وسط في أية تسوية من هذا القبيل. نهج إنكار الواقع لا يصنع سياسة، لا داخلياً ولا خارجياً، وبوجود هذا الكَمّ من الفشل وإنكاره على طاولة واحدة لا يستبعد الوصول إلى تسوية عيبها أنها غير قابلة للتطبيق.

الحياة

 

 

 

 

فيينا السوري بلا أفق/ بشير البكر

لا أفق واضحاً أمام مسار فيينا السوري الذي ينعقد غدا السبت في دورته الثالثة، بحضور نحو 20 دولة، تمثل الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة، من دون دعوة أصحاب القضية. وغياب الأطراف السورية المعنية ليس دليل حكمة، ولا تحكمه رجاحة عقل وحسابات مدروسة، بقدر ما يعبر عن عدم نضج اللحظة السورية الراهنة التي لا تزال متشظيةً في اتجاهات مختلفة، ومسارات متباعدة.

لا أحد، من الأطراف الدولية المقرّرة، على استعداد ليخبر السوريين أن لقاءات فيينا ليست مكرسة لإيجاد حل لقضيتهم، وإنما هي لا تعدو أن تكون محاولة ملتبسة لتلفيق فرصة حل. ومن هنا، ليس من الغرابة أن تطغى على الاجتماعات أجواء الشد والجذب، وتبدو المسافة بين الأطراف حول الطاولة شاسعة جداً، وهي أقرب إلى الحرب أكثر بكثير منها إلى السلم. وأعطت الجولة الثانية من المباحثات، التي انعقدت في نهاية الشهر الماضي، فكرة واضحة عن المسارات التي ستسلكها المسألة السورية في المدى المنظور. وهي مساراتٌ لا تبشر بنهاية قريبة للتصعيد والمواجهة والحروب، بل إن أجواء الجولة الثانية حملت قدراً كبيراً من الانقسام بين الأطراف، وتكرّس هناك معسكران على طرفي نقيض، معسكر الأطراف الداعمة للثورة السورية (السعودية، تركيا، قطر)، ومعسكر الطرفين الداعمين للنظام السوري (إيران، روسيا)، وسط تنصل الولايات من المسؤولية الأخلاقية والسياسية، وانسحابها من لعب دورها الطبيعي قوة عظمى، والاكتفاء بالوساطة بين المعسكرين، ويلاحظ أنها كانت ميّالة إلى قبول اقتراح جدول أعمال للقاء جنيف الثالث، أقرب للطرفين الروسي والايراني، يعطي أولوية لمحاربة الفصائل العسكرية السورية التي تقاتل النظام، وليس داعش، وفق ما تقتضيه الحرب على الإرهاب، الأمر الذي استفز وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، ودفعه إلى توجيه كلام نابٍ إلى نظيره الروسي، سيرغي لافروف، واتهامه بالكذب، كون روسيا توجه ضرباتها الجوية، منذ أول الشهر الماضي، ضد المعارضة المعتدلة، ولم تتعرض لداعش.

ويفيد ما تسرب عن خلافات بين المعسكرين، حول تحضيرات لقاء فيينا الثالث، أن واشنطن ليست في وارد الضغط على طهران وموسكو، من أجل قبول جدول أعمالٍ يشكل حلا وسطاً وأساساً يمكن البناء عليه مرحلة أولى، بهدف الوصول، في مرحلة لاحقة، إلى تفاهمات بين الأطراف. وكما في كل مرة، منذ بداية الأزمة السورية، يشكل وضع رئيس النظام، بشار الأسد، عقدة الموضوع، فبين طرف يعتبر الاتفاق على رحيله مدخلاً وأساساً للحل، وطرف آخر يعمل على تعويمه، ويضع نزع سلاح خصومه من الفصائل نقطة بداية. وعلى بعد يوم من انعقاد الجولة الثالثة، لا تبدو الصورة مختلفة عنها في ختام الاجتماع الثاني، حيث تفيد خطة المبعوث الأممي، ستيفان دي ميستورا، بأن الأولوية اليوم هي لمحاربة الإرهاب، حسب التعريف الروسي الإيراني. وبالإضافة إلى ذلك، هناك خلاف على تحديد ماهية المعارضة السورية، في حين أن النظام واضح للأطراف كافة. ومن هنا، يجري الضغط من جانب إيران وروسيا لجر الآخرين في هذا الاتجاه، من أجل حرف مسار القضية بالكامل، وكسب الوقت بهدف إعادة إنتاج الأسد، وهناك بعض العرب المشاركين في مسار فيينا من يتبنى هذا المنطق، إلى حد أنه يعتبر كل الفصائل المسلحة التي تقاتل الأسد إرهابية، ويطالب بتوجيه الضربات العسكرية لها.

يحمل هذا المنطق مخاطر كثيرة، ولا يقترب من الحل، عدا عن أنه لا يقدم جديداً، ولا يتسم بالجدية، ذلك أن الفصائل السورية التي تحارب النظام متفقة على أن إرهاب الأسد وداعش وجهان لعملة واحدة. وما لم تتفق الأطراف على هذه القضية، لن يكون هناك حل، لأن فصائل المعارضة السورية أبلغت جميع الأطراف أنها لن تقبل بأقل من جنيف 1.

العربي الجديد

 

 

 

 

 

توتر عشية اجتماع فيينا ودعوة لمؤتمر موسع للمعارضة/ إبراهيم حميدي

شهدت اجتماعات لجان العمل الثلاث الخاصة بالأزمة السورية في اليومين الماضيين، انسحاب الوفد الإيراني من أحدها ومقاطعة موسكو أعمال هذه اللجان بسبب اختلافات مفاجئة مع واشنطن وانقسامات بين المشاركين حول قائمتي «التنظيمات الإرهابية» والمعارضة، وسط عودة حديث دول إقليمية بارزة عن استضافة «مؤتمر للمعارضة لا يقصي أحداً» ولا يشكل بديلاً من «الائتلاف الوطني السوري» المعارض.

وكانت واشنطن وجهت الدعوة إلى دول مختارة للمشاركة في ثلاث مجموعات عمل، تتعلق اثنتان منها بالاتفاق على قائمة موحدة لـ» الإرهابيين» والمعارضة الشرعية يوم الخميس فيما تناولت الثالثة صباح أمس الممرات الإنسانية والحماية وسط توسيع مروحة الدول المدعوة.

وعلم أن كبار الموظفين والخبراء كانوا ينتظرون وصول الوفد الروسي صباح الخميس، غير أنهم فوجئوا بأن موسكو قررت ليل الأربعاء – الخميس بمقاطعة أعمال اللجان. وحصلت المفاجأة الثانية، لدى انسحاب ممثل إيران صباح الخميس على خلفية مطالبة بعض الدول بوضع برنامج لـ «انسحاب جميع المقاتلين الأجانب من سورية بما فيها فصائل شيعية موالية لإيران»، في حين ظهر توتر آخر لدى دعوة الوفد الأميركي إلى غداء عمل للدول ذات التفكير الموحد، استبعد عدداً من الدول كان بينها الوفد الروسي.

وبحسب المعلومات المتوافرة، فان نقاشاً حاداً جرى إزاء تمثيل المعارضة للوصول إلى قائمة موحدة، إذ إن ممثلي فرنسا وتركيا وقطر تمسكوا بـ «الدور القيادي والمحوري» لـ «الائتلاف» باعتباره «حصل على اعتراف أكثر من مئة دولة بأنه الممثل الوحيد للشعب السوري»، فيما سعت دول أخرى بينها مصر إلى توسيع تمثيل المعارضة وإعطاء دور أبرز لمجموعة «إعلان القاهرة» التي صادف وجود قادتها بينهم هيثم مناع وجمال سليمان في فيينا.

وانسحب الانقسام على اجتماع «القائمة الموحدة للتنظيمات الإرهابية» مساء الخميس خصوصاً إزاء «جبهة النصرة» التي تصر بعض الدول على التزام قائمة مجلس الأمن الدولي التي تعتبرها مع «داعش» تنظيمين «إرهابيين»، فيما سعت دول إقليمية إلى التمييز بينها كـ «تنظيم وأفراد»، إضافة إلى الخلاف على «حركة أحرار الشام الإسلامية». إذ أصرت دول إقليمية بدعم بعض الدول الغربية على أن «أحرار الشام، غيرت في نهجها وخطابها السياسي» وأنه «لا بد من التعامل مع فصائل إسلامية لإعطاء شرعية لأي حل سياسي»، ذلك في مقابل اعتبار دول أخرى أن «أحرار الشام هي بوتقة للتطرف» ومطالبة دولة عربية باعتبار «جميع الفصائل الإسلامية إرهابية». وسعت دول غربية إلى الجمع بين عناصر تتضمن قائمة مجلس الأمن للتنظيمات الإرهابية والقوانين المحلية لكل بلد وضرورة توسيع التمثيل السياسي لأي حل سياسي، لدى مناقشة «قائمة الإرهاب»، إضافة إلى اتهام موسكو بـ «محاربة جميع الفصائل بما فيها المعتدلة». وأفيد هنا بوجود «تفاهم» عبر الأردن بين موسكو و «الجبهة الجنوبية» في «الجيش الحر» قضى بـ «تجميد» القتال في ريف درعا بين دمشق والأردن، مع إشارة أحد المشاركين إلى وجود «حشد للقوات النظامية في مثلث الموت» بين أرياف درعا والقنيطرة ودمشق.

لكن اللافت، هو عودة حديث دول إقليمية بارزة والمبعوث الدولي للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا عن إمكانية عقد مؤتمر موسع للمعارضة السورية في الفترة القريبة. وحض دي ميستورا على «عقد المؤتمر في أسرع وقت»، الأمر الذي اعتبره أحد المسؤولين «أمراً ملحاً لـمواجهة حجة النظام وروسيا من أن المعارضة مشتتة». لكن برز خلاف عن العلاقة بين «الائتلاف» وباقي القوى في هذا المؤتمر بين من يريده أن يكون «الائتلاف قائداً للمعارضة» ومن يريده أن يكون «ِشريكاً مع باقي القوى المعارضة» مع تقديم «َضمانات من هذه القوى من أنها لا تسعى لأن تكون بديلاً من الائتلاف».

وبالنسبة إلى اجتماع مجموعة الممرات الإنسانية والحماية الذي عقد صباح أمس، قال أحد المشاركين إنهم أعدوا قائمة بمساعدات إنسانية وطبية وغذائية لإدخالها إلى المناطق المحاصرة في الغوطة الشرقية لدمشق وقرى في ريفي حلب وإدلب طبقاً لقرارات الأمم المتحدة «لكن بغياب الوفدين الروسي والإيراني عن الاجتماعات ليست هناك وسيلة للضغط على النظام».

 

 

 

اللائحة الانتقائية للإرهاب/ باسل العودات

اتّفق وزراء خارجية 17 دولة في مؤتمر فيينا الثاني الذي عُقد في 30 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي على مجموعة من القضايا لإيجاد حل سياسي يُنقذ ما تبقّى مما يمكن إنقاذه، ومن أبرز هذه القضايا ما جاء بالبند السادس الذي ينص على “موافقة جميع الدول المشاركة على ضرورة إلحاق الهزيمة بـ (داعش) وكافة الجماعات الإرهابية المصنفة من قبل مجلس الأمن الدولي”.

كشف الروس أن المطلوب هو “إلحاق الهزيمة” بكل التنظيمات الإرهابية، سواء المدرجة في قوائم مجلس الأمن أم غير المدرجة، وباشروا العمل سياسياً ودبلوماسياً وإعلامياً لوضع قائمة موحدة للتنظيمات “الإرهابية” وأخرى للتنظيمات “الشرعية” ليقنعوا المجتمع الدولي بها، وأكّدوا أن الاجتماع المقبل في فيينا سيكون محطة مفصلية لتحديد لائحة موحدة للمنظمات الإرهابية في سورية.

لم يجد الروس بين مئات كتائب المعارضة السورية المسلحة إلا 40 كتيبة (معتدلة) أعلنوا أنها يمكن أن تُشارك في التسوية السياسية، وجهّزوا لائحة أخرى للجماعات للإرهاب لن يُعلنوها إلا في فيينا الثالث، وبالمقابل لم تُعلن أي دولة أخرى عن قوائمها لمواجهة القائمة الروسية.

قبيل فيينا الثالث الذي سيُعقد السبت قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن محادثاته ستركّز على تصنيف جماعات المعارضة السورية بدلاً من بحث استبدال الأسد، كما أدلى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بدلوه واشترط أن يُحدد المشاركون أولاً وقبل أي شيء الجماعات الإرهابية في سورية.

كذلك تسرّبت بالأمس مسودة مشروع روسي هدفه جس النبض تتحدث عن “إصلاح دستوري” وانتخابات لكنها ربطت كل شيء بإقرار مجلس الأمن اعتبار تنظيم الدولة الإسلامية تنظيماً إرهابياً والاتفاق على قائمة إضافية للجماعات الإرهابية، أي ربطت “الإصلاح” الذي تريد بإقرار لائحة موحدة للمنظمات الإرهابية في سورية.

لاشك أن الإرهاب ضرب سورية، وقتل الشعب ودمّر ماضيه ومستقبله بعد أن دمّر حاضره، وبات مطلب القضاء عليه بالتأكيد هو مطلب لكل سوري دون استثناء، لكن المشكلة أن روسيا تسعى لإقناع المجتمع الدولي بلوائحها الخاصة بالمنظمات الإرهابية، التي تشمل في غالبيتها كل من حمل السلاح ضد ظُلم وجور وإجرام وطائفية النظام، وليس لديها معيار آخر سوى ذلك، وهي عملياً تقوم بتقديم نفس لوائح النظام، ونفس التصنفيات التي تلقى تهليلاً من إيران.

يتفق السوريون والمجتمع الدولي على تصنيف تنظيم الدولة الإسلامية كتنظيم إرهابي، ويتفق بعضهم على تصنيف جبهة النصرة، وما عدا ذلك لا يتفقون على شيء، وكلٌ يُقدّم حججه لإدانة هذا التنظيم أو ذاك أو للدفاع عنه، لكن لابد من التذكير قبل وضع اللوائح بأنه وفق منظمات مختصة قتل النظام السوري 96% من الضحايا المدنيين فيما قتلت بقية التشكيلات، بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية 4%، وهذه النسبة تنسحب أيضاً على الضحايا الأطفال والنساء والقتلى تحت التعذيب.

يمكن الجزم، بأن السوريين سيؤيدون كل المساعي الروسية والدولية وحتى الإيرانية لوضع “لائحة موحدة للمنظمات الإرهابية في سورية”، وسيكون لروسيا ما ترغب وتسعى له، فقط في حالة واحدة، أن تكون هذه اللائحة “كاملة ومكتملة”. في الغالب، ستقبل المعارضة السورية أن يكون عنوان المرحلة الحالية والمقبلة “محاربة الإرهاب”، وسيقبلون بلوائح موسكو لتصنيف الإرهاب، فقط إن شملت هذه “اللوائح الموحدة” رجال النظام الذين أعطوا أوامر مباشرة لارتكاب مجازر ضد السوريين موصوفة وموثقة، ومن أعطى أوامر استخدام البراميل والطيران الحربي والسلاح الكيماوي، وإن شملت كل ميليشات النظام التي يؤكدون على أنها لم توفّر فرصة للنهب أو الاختطاف أو القتل والتدمير وارتكاب المجازر بحق المدنيين إلا وانتهزتها، ويشيرون على سبيل المثال لا الحصر ميليشيات الدفاع الوطني ولواء درع الساحل وكتائب البعث واللجان الشعبية وصقور الصحراء ونسور زوبعة الحزب السوري القومي الاجتماعي وجمعية البستان وحركة تحرير اسكندرون وحزب الله السوري وسرايا الغالبون وغيرها الكثير. سيقبل السوريون المعارضون لوائح موسكو إن شملت كذلك الجماعات العراقية الإرهابية التي تُقاتل منذ ثلاثة سنوات إلى جانب النظام، ووثقوا ارتكابها بارتكاب مجازر موثقة ضد السوريين الذين استضافوا في بيوتهم مليوني عراقي لسنوات طويلة، وعلى رأسهم لواء أبو الفضل العباس ولواء فاطميون وزينبيون وألوية ذو القفار والحسين المجتبى وأسد الله وجيش المهدي وحزب الله العراقي والكثير من الألوية الأخرى ذات الطابع الطائفي. سيقبل السوريون دون ريب هذه اللوائح الروسية للإرهاب إن شملت أيضاً الميليشيات الفلسطينية التي رصدوها تقتل دون رحمة السوريين الذين استضافوا نصف مليون فلسطيني وعاملوهم كمواطنين وجعلوهم جزءاً أساسياً من تركيبتهم السكانية، ومن أبرزها ميليشيات الجبهة الشعبية لصاحبها أحمد جبريل ومعها ميليشيات لواء القدس وقوات الصاعقة وجيش التحرير الفلسطيني وقوات الجليل وحركة فلسطين حرة وغيرها الكثير. ومن البديهي أن يشترط السوريون أن توضع على رأس تلك اللوائح الميليشيات الإيرانية وأذرعها اللبنانية التي يصفوها بالغازية والتي تسابقت مع النظام أيهم يقتل أكثر دون تمييز بين مدني ومُسلّح، ولم يكن السوريون بحاجة لكثير عناء ليوثقوا مجازرها لأن هذه الميليشيات تباهت بها علناً، وعلى رأسها (ميليشيات) الحرس الثوري الإيراني الموجودة في سورية وحزب الله اللبناني المتفرع عنها. وفي الغالب سيطالب كثيرون بأن تضم هذه اللوائح وحدات حماية الشعب الكردية التي اتُهمت بارتكاب “جرائم حرب” وأفرغت شحناتها القومية المتعصبة رصاصاً في قلب أشقائهم السوريين، ومعهم مقاتلو جبال قنديل، وكذلك مكتب الحماية السرياني الذي واجه اتهامات من السوريين العرب والآشورييين بأنه ساند تلك الوحدات في مهماتها، ولم ينظر للعملية إلا من منظور طائفي. يملك السوريون كل الحق أن يطلبوا أن تشمل “اللوائح الموحدة للإرهاب” كل تلك الجهات والتنظيمات والميليشيات المذكورة، لأنهم يملكون ما لا يُحصى من الوثائق والوقائع والشهادات التي تُثبت إرهابهم، مع ملاحظة أن العديد من رجال تلك المنظمات والميليشيات مُدرج أصلاً ضمن لوائح الإرهاب الأمريكية والأوربية، ودون لوائح (كاملة ومكتملة) للإرهاب فإن السوريين سيستمرون في ثورتهم (أو كفاحهم أو حربهم) ضد النظام وضد روسيا وضد كل لوائحها الخلّبية.

المدن

 

 

 

 

فيينا وإدارة الحرب بدل الحل/ وليد شقير

يعقد الاجتماع الثاني للدول الـ17 التي تبحث الحل السياسي في سورية غداً، في ظل غلبة التوجه نحو استمرار هذه الدول في إدارة الحرب الدائرة في الملعب السوري، بدلاً من اتفاقها على قيام مظلة دولية لإدارة المرحلة الانتقالية التي ما زال الوصول إليها بعيداً، وفق المقدمات التي يشهدها الميدان، والمواقف السياسية والديبلوماسية حيال دور بشار الأسد في التسوية.

ويُعقد الاجتماع في ظل تراجع روسي عن إمكان البحث في مصير الأسد الذي كانت موسكو قدمت إغراءات عن إمكان عدم ترشحه للرئاسة في انتخابات مفترضة تجرى أثناء المرحلة الانتقالية، وفي ظل مراجعة إيران حساباتها بعد مشاركتها في الاجتماع الأول الذي حضرته من دون أن تتمكن من الحؤول دون تبني سائر الدول المشاركة في فيينا – 1 لبيان جنيف عام 2012 الذي ينص على المرحلة الانتقالية والقرار الدولي 2118 (في شأن تجريد سورية من الأسلحة الكيماوية) والذي نص على اعتماد بيان جنيف أساساً للحل.

فطهران قد تتجه إلى الانسحاب من عملية فيينا، بعد اجتماع غد، طالما يتعذر عليها سحب صيغة جنيف للحل التي تكرّست في بيان المجموعة الدولية من التداول، وطالما تمعن في تعزيز وجودها العسكري على الأراضي السورية. فهي زادت في الأسابيع الماضية من حضور «الحرس الثوري» في دمشق ومحيطها، وصولاً إلى مطار العاصمة السورية بأعداد كبيرة، إضافة إلى وجود «الحرس» في محيط حلب حيث يتكبد خسائر متنامية في صفوفه. والهدف من تكثيف الانتشار في محيط العاصمة هو الإبقاء على المطار والطريق منه إلى دمشق، وصولاً إلى لبنان في عهدتها للحفاظ على خط الإمداد بين طهران ولبنان ومناطق «حزب الله»، في حال تغيّرت الظروف الدولية ودفعت موسكو إلى قبول تسوية ما، ترسم ملامح المرحلة الانتقالية في سورية، لن تنجح إلا بانتشار قوات دولية لحفظ السلام في بلاد الشام، بحيث يتعذر إمكان الحفاظ على خط التواصل الإيراني مع «حزب الله» في لبنان.

فتحت سقف التحالف والتعاون بين موسكو وطهران الذي أوجب قرار الأولى الإعلان عن قرب تسليم صواريخ «إس – 300» للثانية، تبقى القيادة الإيرانية على حذرها إزاء الموقف الروسي في سورية، بدليل تصريحات قادة «الحرس الثوري» الإيراني عن أن «روسيا تقدم المساعدات على أساس المصالح المشتركة، لكن ليس واضحاً أن مواقفها تتطابق مع إيران في شأن الرئيس بشار الأسد…».

ليس الميدان السوري وحده ضحية التشدد الإيراني، عبر استمرار المواجهات العسكرية وتصاعدها، بل إن فرملة التطبيع بين طهران وواشنطن التي كانت منتظرة بعد الاتفاق النووي، وعودة اللغة العدائية، تدفعان الجانب الإيراني إلى العودة إلى التصعيد في كل الميادين. وهذا يشمل إفشال محاولات التسوية في اليمن واستمرار عمليات التدخل الأمني والاستخباراتي في دول الخليج، مثل الكويت والبحرين اللتين أعلنت سلطاتهما اكتشاف خلايا إيرانية تحضّر لأعمال أمنية. ولا تقل الاعتقالات في إيران للصحافيين ورجال الأعمال الذين يهيئون للتطبيع الاقتصادي والناشطين في مجال حقوق الإنسان، دلالة على أن القيادة الإيرانية المتشددة غير حاضرة لقبول أي صيغة تحت عنوان عودة ايران إلى المجتمع الدولي، التي كان أمل بها الذين تحمسوا للاتفاق النووي.

دليل آخر على غلبة الاتجاه نحو إدارة الحرب في سورية بدل المرحلة الانتقالية، هو أن لقاء الرئيس الأميركي باراك أوباما بـ «غريمه» الإسرائيلي بنيامين نتانياهو انتهى إلى وضع الخلافات جانباً حول النووي بعد هزيمة الثاني في معركته للحؤول دون إقراره في الكونغرس، من أجل التعاون وتنسيق الموقف في مواجهة «حزب الله» كذراع إيرانية في سورية وغيرها، إضافة إلى مواجهة «داعش». وهذا يعني إطلاق يد إسرائيل في التدخل المحسوب الذي دأبت عليه في بلاد الشام لقصف شحنات أسلحة أو مواقع للحزب قريبة من حدود الجولان. وهو ما فعلته قبل يومين في مطار دمشق وفي محيطه. وهو تعاون لا يقل تواطؤاً عن ذلك الذي سلّمت به موسكو للإسرائيليين عبر تنسيقها معهم حول الطلعات الجوية منعاً لاصطدام طائرات الدولتين أثناء استباحة الأجواء السورية. ومثلما يؤشر التعاون الروسي – الإيراني والروسي – الإسرائيلي، إلى أن مأساة الشعب السوري مستمرة، فإن التعاون الأميركي – الإسرائيلي في سورية يكرّس الشعب الفلسطيني ضحية رياء واشنطن مقابل الخدمات التي تؤديها لها الدولة العبرية، فيُترك وحده في مواجهة سياسة التهويد والاقتلاع والقتل…

الحياة

 

 

 

عملية فيينا: مكافحة الإرهاب بموازاة الحل السياسي/ راغدة درغام

الزخم هو العنوان الذي وقع اختياره على اجتماعات فيينا الثانية لمعالجة المسألة السورية بمشاركة الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وأكبر الدول الإقليمية وبقيادة روسية – أميركية يأمل وزيرا الخارجية سيرغي لافروف وجون كيري بأن تقودهما إلى أوسلو ليتسلما جائزة نوبل للسلام في غضون 18 شهراً. هذا البرنامج الزمني اقترحته موسكو ليكون روزنامة إنجازات عسكرية تتمثل في سحق «داعش» و «جبهة النصرة» وتنظيمات أخرى تريد لها أن تُصنّف إرهابية، وروزنامة سياسية تتمثل في إصلاحات وتعديلات دستورية وإعادة صوغ نظام حكم في سورية تنتهي بانتخاب رئيس. إحدى الأفكار الخلاقة لرحيل الرئيس بشار الأسد هو إقناعه أو إجباره على عدم خوض المعركة الرئاسية، وهكذا يتم تفكيك عقدة الأسد. إنما العقَد لا تقتصر على الرجل، بل تشمل عقدتين ستتناولهما عملية فيينا هما: تصنيف مَن هو الإرهابي ومَن هو المعارض في الساحة السورية، أولاً. وثانياً، ما هو مصير القوات الأجنبية التي تحارب في سورية حالياً، وما هو التدريج الزمني لمغادرتها الأراضي السورية وتحت أية ظروف، والكلام ليس عن القوات الروسية وإنما هو عن القوى الإيرانية المتمثلة بوجود عسكري مباشر وبميليشيات منظمة مرجعيتها طهران. العقدة الأهم تكمن في المتطلبات الميدانية للأولوية القاطعة لكل من روسيا والولايات المتحدة وهي سحق «داعش» و «جبهة النصرة» و «القاعدة» ومشتقاتها، إذ إن موسكو لا تأبه بهوية من يتحالف معها في الحرب على هذه التنظيمات الإرهابية بينما واشنطن لا تريد أن تكون حليفاً مع «حزب الله» والميليشيات الأخرى التابعة لطهران، والتي تحارب في سورية دعماً لبشار الأسد ونظامه، والتي تصنّفها في خانة الإرهاب. العقدة، إذاً، إيرانية نوعاً ما، إنما نظراً إلى العلاقة التهادنية بين واشنطن وطهران، إنها قابلة للمعالجة وفق تفكير الثنائي لافروف – كيري ورغبته، لكنها موضع خلاف عميق مع القيادات العربية التي تحتاج إليها موسكو وواشنطن لإنجاح عملية فيينا وللانتصار في الحرب على الإرهاب في سورية.

إسقاط الطائرة الروسية فوق سيناء على أيدي إرهابيي «داعش» أو مشتقاته سيكون حاضراً في فيينا الثانية، وجولات أخرى تليها. فهذه حرب نصبت روسيا نفسها في الصفوف الأمامية ضدها، وإسقاط الطائرة الروسية نبّه الكرملين إلى خطورة تلك القيادة على روسيا. القاعدة الشعبية الروسية قد تقرر أن لا شأن للرئيس فلاديمير بوتين بتنصيب نفسه زعيم الحرب على الإرهاب الذي يأتي بالانتقام من سياساته على المصالح الروسية وربما لاحقاً في عقر الدار الروسية، فتعارض سياساته. وقد تقرر، بدلاً، أن منطق بوتين الذي يتبنى منطق الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش في حربه على العراق صحيح وهو: نحاربهم هناك كي لا نحاربهم في المدن الروسية. إنما الآن، لا مناص من الإقرار بأن الانتقام من السياسة الروسية في سورية أتى سريعاً، وأن موسكو قد تختار التقدم بالتنازلات السياسية الضرورية لتوطيد مقومات إنجازاتها الميدانية في الحرب على الإرهاب.

منطقياً، هذا يعني أن «الجيش السوري الحر» وأمثاله من المعارضة السورية التي تمثّل القوى على الأرض أو ما يسمىboots on the ground تشكل حاجة روسية لا يمكن موسكو الاستغناء عنها. فالجيش النظامي غير قادر على أن يلعب الدور المطلوب بكامله. وبما أن لا خلاف، وفق ما بات واضحاً، على ترتيبات الحفاظ على ركائز نظام الدولة الذي يُصنَع شرط الاتفاق على حل عقدة رئيس النظام، فقد ترى موسكو أن عليها التعجيل بتفكيك عقدة الأسد في أسرع مما تصوّرت. فإذا اختارت العكس، قوّضت إمكاناتها.

موسكو لن تعترف بأية ترتيبات أو تفاهمات أو أفكار خلاقة تتعلق بمصير الأسد، لا في فيينا، ولا في سوتشي. وإذا كانت هناك تفاهمات خلاقة، من الضروري أن تستمر التصريحات التي تبيّن الخلاف للتغطية على سرية الاتفاق. الزيارات الخليجية الرفيعة المستوى إلى سوتشي وموسكو تفيد بأن خيط الثقة لم ينقطع، وأن العمل جارٍ على إصلاح العلاقة الروسية – الخليجية، بل على توطيدها على مختلف المستويات، وأن التدخل العسكري الروسي في سورية لم تجد فيه الدول الخليجية داعياً لتأجيل أو إلغاء زيارات آخرها زيارة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح وزيارة مرتقبة للعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز قبل نهاية السنة.

استراتيجية الدول الخليجية للتواصل مع روسيا لم تأتِ من فراغ، وإنما نتيجة تآكل نسبي في العلاقة الأميركية – الخليجية التقليدية. العلاقة التحالفية بين موسكو وطهران، وبالذات في سورية، لم تشكل عائقاً أمام إقبال القيادات الخليجية على روسيا، على رغم تاريخ الاستياء الخليجي من السياسات الروسية والإيرانية الداعمة نظامَ الأسد على مدى خمس سنوات. لعل وراء هذا الإقبال نحو موسكو اقتناع بأنه سيسفر عن تباعد نسبي مع طهران. ولعل هناك اقتناعاً بأن لا مجال للاستقطاب، إنما لا داعي للعداء. ولعل واشنطن نفسها شجعت التقارب الخليجي – الروسي لأنه ضروري لتقاربها مع كل من روسيا وإيران معاً. ولعل الدول الخليجية أدركت أن أمامها إما خيار المقاطعة احتجاجاً على العلاقة الجديدة بين واشنطن وموسكو وطهران، أو خيار الموافقة على متطلبات الأمر الواقع الجديد فقررت الموافقة.

ما يحدث عملياً في فيينا هو تشكيل مجموعة دولية – إقليمية للبحث في المسألة السورية وصوغ الحلول لها. عندما تولى الأمين العام السابق كوفي أنان مهمة المبعوث الدولي لسورية، سعى وراء أرضية مشتركة بين الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن. تلاه الأخضر الإبراهيمي الذي سعى وراء أرضية مشتركة أميركية – روسية كأساس ضروري لأي حل في سورية. كلاهما شجّع تكراراً على القبول بإيران على طاولة المفاوضات حول مستقبل سورية، وكان الرد السعودي أن ذلك مرفوض لأنه يمثل شرعنة للدور الإيراني في سورية. المبعوث الحالي، ستيفان دي ميستورا، ينظر إلى مهمته اليوم بأنها تسهيلية وليست قيادية ويقول: «وظيفتي هي التأكد من أن تجلس روسيا والولايات المتحدة والسعودية وإيران إلى الطاولة لتأتي بالعملية السياسية، ثم نجمع النقاط ونمشي بها، أن نفرض نحن معادلة معينة للحل». وهذا هو الزخم الذي أنتجه اجتماع فيينا الأول، في نظره، والذي يجب البناء عليه بدعم من مجلس الأمن الدولي.

الصين التي تتبنى تقليدياً الجلوس في المقعد الخلفي لكل ما يتعلق بسورية في مجلس الأمن تاركة القيادة لروسيا، قرر فجأة سفيرها لدى الأمم المتحدة أن يظهر أمام الصحافة في إطلالة غير مسبوقة ليشدد على «ضرورة تآزر الجهد الدولي في محاربة الإرهاب» في سورية، وليرحب بانعقاد اجتماع فيينا مشدّداً على أن الصين «ستواصل دعم الاجتماع الوزاري الثنائي» بهدف الدفع قدماً إلى «حل من طريق المفاوضات». وفي الجلسة المغلقة، كان سفير الصين متحمساً لإبراز موقف بلاده ذي الأربع نقاط: الدفع نحو إطلاق النار، ما يساعد على تحسين الأوضاع الإنسانية. الالتزام بالحل السياسي من خلال عملية سورية. دعم دور الأمم المتحدة كقناة حوار ودورها في إجراء الانتخابات. توطيد التعاون الدولي وتعزيزه لمكافحة «داعش».

دي ميستورا أبلغ أعضاء مجلس الأمن في الجلسة المغلقة بأن عملية فيينا تنطلق من نقطة مشتركة أساسية يوجد تفاهم حولها هي مكافحة الإرهاب كأولوية، مع تأكيد أن تلك المكافحة تكون فعّالة فقط إذا كانت هناك عملية سياسية موازية. قال أن المهام الرئيسية للأمم المتحدة وفق تصوّر فيينا هي المساعدة على وضع الدستور، المساعدة في الانتخابات، ووضع شروط وقف النار. وأوضح أن مجموعة الدعم الدولية ستسعى لتعالج الخلافات حول تصنيف الإرهاب وتحديد المعارضة السورية.

وأثناء لقائه الصحافة، رفض دي ميستورا إعلان موقفه حيال معايير تحديد المقاتلين الإرهابيين الأجانب، خصوصاً أن لإيران و «حزب الله» مقاتلين في سورية، معتبراً أن مهمته هي «تسهيل المفاوضات الجارية، لا قيادتها». وقال: «لن أحدد موقف الأمم المتحدة من هذه القضايا لأننا نحاول لأربع سنوات ولم ننجح، وحان الآن دور الدول لتتولى هذه التحديات».

هناك رأيان حول جلوس إيران إلى طاولة رسم المستقبل السوري: رأي يقول أن إيران ستكون مسؤولة أكثر، وأنها ستكون رهن المحاسبة أكثر لأنها لاعب واضح على الطاولة، والمطلوب منها الآن هو التقدم بأدلة على أنها تستخدم اتصالاتها وميليشياتها بصورة بنّاءة وفي إطار التفاهم العالمي على ضرورة سحق «داعش»، وضرورة الانتقال السياسي في سورية. الرأي الآخر يقول إن إجلاس إيران إلى الطاولة هو عبارة عن دعم الأمر الواقع للطروحات الروسية القائمة على أولوية سحق الإرهاب وهو تأهيل للميليشيات التابعة لطهران كطرف شرعي في هذه الحرب، وبالتالي إلغاء صفة الإرهاب عنها. وأصحاب هذا الرأي يريدون إيضاحات حول ما تريد إيران لنفسها في سورية الغد ومدى قبول الثنائي الأميركي – الروسي بالطموحات الإيرانية في سورية.

ليست هناك رائحة اتفاق في فيينا على تقسيم سورية، بل هناك إصرار علني على وحدة أراضيها. لا دخان من فيينا بأن العلاقة السعودية – الإيرانية على وشك الانفجار، وإلا لما عاد الوزيران إلى طاولة المفاوضات. نكهة المقايضات تفيد بأن الولايات المتحدة وروسيا تصران على لجم شهية إيران في اليمن. إنما لا مؤشر إلى استعداد أي كان لاستخدام أدوات الضغط على طهران، حالياً، على نسق تحدي شرعية وجودها عسكرياً في سورية بانتهاك لقرار صادر عن مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من الميثاق.

الحياة

 

 

 

 

كويرس تقع في فيينا/ سميح صعب

وقائع الميدان السوري لها هذه المرة وقع أكبر على اجتماع فيينا الدولي الذي يفترض انعقاده اليوم بنسخته الثانية. وليس ميزان القوى داخل سوريا وحده الذي سيرسم ذهاب النقاش في هذا الاتجاه أو ذاك، بل ان تحطم طائرة الركاب الروسية فوق سيناء ومعنى ان يكون سبب الكارثة الجوية عبوة ناسفة، لم يعد في الامكان فصلها عن مفاعيل المشهد السوري. وكذلك يصح القول عن احتشاد القوى الاقليمية والدولية الرافضة للدور الروسي في سوريا وفي مقدمها الولايات المتحدة التي لم يعد ارسال قوات برية الى الاراضي السورية أمراً من المحرمات في سياسة ادارة الرئيس باراك أوباما.

ولن يصادف أي اقتراح سياسي القبول من كل الاطراف إلا اذا كان هذا الاقتراح انعكاساً لحال الميدان. فالغرب لن يقبل بأي أفكار روسية للحل إلا اذا وجد نفسه مضطراً الى ذلك تحت وطأة تطورات عسكرية تفقده الامل في امكان فرض واقع ميداني يعزز الفكرة الاصلية التي ينادي بها منذ أكثر من أربعة اعوام وهي المطالبة برحيل الرئيس السوري بشار الاسد.

وعلى أهمية المكاسب التي حققها الجيش السوري النظامي تحت الغطاء الجوي الروسي مثل فك حصار عمره سنتان ونصف سنة عن مطار كويرس في ريف حلب الشرقي وتقدم الجيش في ريف حلب الجنوبي وريف اللاذقية الشمالي، فإن الدول المطالبة برحيل الاسد ليست مقتنعة بان ما تحقق منذ بدء الغارات الروسية في 30 أيلول كاف ليجعلها تُدخل تعديلات على استراتيجيتها.

ومن هنا الربط المحكم بين الميدان والمحادثات الجارية في فيينا. ولن يشرع في عملية سياسية جدية إلا بناء على زخم العمليات العسكرية والمدى الذي يمكن ان تصل إليه. وعليه فإن صورة الحلول السياسية ترتسم على الأرض أكثر منها في المحادثات والمشاورات الجارية بحد ذاتها. ولا يعود مستغرباً عندها تصعيد أميركا ودول الخليج العربية وتركيا دعمها للمعارضة السورية وانشاء ائتلافات جديدة من فصائل مختلفة على غرار “قوات سوريا الديموقرطية” أو “قوات سوريا الجديدة” وارسال مستشارين عسكريين أميركيين الى الارض.

وبين “جنيف 1″ و”فيينا 1” مسافة طويلة تخللتها معارك وتبدلات ميدانية وصولاً الى التدخل الروسي الجوي الذي أقنع الولايات المتحدة بتقديم تنازلات لا ترقى الى حد إحداث انقلاب في موقفها بما يتفق بنسبة كبيرة والموقف الروسي. حتى الان لا يزال الاختلاف جوهرياً حول مصير الاسد. ووحدها الخريطة العسكرية يمكنها ان تقنع واشنطن بتليين موقفها من هذه المسألة.

يبدو ان الأمر يحتاج الى أكثر من كويرس!

النهار

 

 

 

 

الطبل في فيينا والعرس في أنطاليا/ عبد القادر عبد اللي

على الرغم من عدم طرح القضية السورية على جدول أعمال قمة “مجموعة العشرين” في مدينة أنطاليا التركية، فإنها دخلت إلى جدول القمة بقوة، من خلال الإعلان عن عشاء خاص لمناقشة القضية، ثم إعلان مستشارة الأمن القومي الأميركي سوزن رايس، عن اجتماع آخر بين الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل الافتتاح الرسمي للقمة. موضوع هذا الاجتماع هو القضية السورية ومحاربة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

لا أحد يعوّل على مؤتمر فيينا، سوى النظام السوري، لأنه بات واضحاً أنه يريد أن يسترجع بالمفاوضات ما خسره في الحرب، وأن يلغي إعلان “جنيف-1”. والتصريحات الإيرانية الروسية لا تبدي أية مرونة في التفاوض على مصير الأسد، واستخدام عبارة: “حققنا تقدماً” تشبه كثيراً التقدم الذي يحرزه النظام على الأرض باسترجاعه قرية أو مزرعة أو موقعاً ما من أحد أطراف الصراع، فهو تقدم فارغ على الأغلب.

في الحقيقة أن أكثر المؤتمرات التي يُطبل لها، وخاصة إذا كان قرع الطبل قوياً جداً تكون خاوية من المضمون، وأكبر مثال على ذلك هو مؤتمر مدريد الشهير لحل القضية الفلسطينية، الذي نتج عنه اتفاقية أوسلو. حينها كان الطبل في مدريد، والعرس في أوسلو، فقرع الطبول في فيينا كأنه يقول لن ينتج سوى الخواء.

منذ الانتخابات التركية في 7 حزيران/ يونيو، حتى انتخابات الأول من تشرين الثاني/نوفمبر، لم يكن في تركيا حكومة إجرائية تستطيع اتخاذ القرارات. والأكثر من ذلك أن أحداً لم يكن يتوقع عودة حزب “العدالة والتنمية” بهذه القوة إلى الساحة السياسية، والجميع بنى سياساته على هذا الأساس، ولكن فوز هذا الحزب في الانتخابات فرض على الأطراف الأخرى التعامل مع الواقع الجديد.

أعاد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تصريحاً سابقاً له بأن حلفاء تركيا بدأوا “يقتربون” من الرؤية التركية بإقامة منطقة آمنة. وإذا كان أردوغان قد عرف بتصريحاته المتسرعة، فإن أحمد داوود أوغلو، المحافظ على هدوئه، قال في اليوم ذاته: “إننا بحاجة إلى استراتيجية للدخول براً إلى سوريا لمحاربة داعش، لأن الضربات الجوية لا تحسم معركة”. من جهة أخرى، كررت الولايات المتحدة بأن موضوع المنطقة الآمنة مازال على طاولة البحث، ولم نتوصل إلى قرار بعد. ولكنها أضافت بأن الأمر يحتاج إلى تمويل.

في هذه الأثناء أعلن في تركيا عن وفد سعودي يزور أنطاليا يتألف من ألف شخص. وقد اصطحب الملك سلمان معه كبار معاونيه، الفاعلين في القضايا الأمنية والعسكرية. والأخبار تقول إن القضية السورية ستكون مادة رئيسة على جدول اجتماع يضم الملك سلمان ورجب طيب أردوغان، فهل ستُبحث قضية تمويل المنطقة الآمنة؟

ثمة مؤشرات لابد من قراءتها، فالجهة التي صرحت عن الاجتماع بين أوباما وأردوغان لم تكن صادرة عن “البيت الأبيض”، بل من مستشارة الأمن القومي ومساعدها أيضاً، وهذا يشير إلى أن الأمر أمني وعسكري. قبله بأيام قليلة قال الناطق باسم الخارجية الأميركي مارك تونر، في الموجز الصحافي من واشنطن حول حزب “الاتحاد الديموقراطي”: “لا نريده أن يؤسس منطقة حكم شبه ذاتي، وسنظل ملتزمين بوحدة وسلامة الأراضي السورية”. وادعى تونر أن بلاده لم تمنح هذا الحزب أي أسلحة، وأن دعمه يتمثل فقط بالغارات الجوية الموجهة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وأن أياً من الأراضي المحررة من “داعش” يجب أن يعاد ضمها إلى سوريا. ودعا إلى “عدم الاستيلاء على الأراضي والسماح بعودة المهجرين والسكن هناك”. أما كان الموقف الأميركي من هذا الحزب هو العائق الأكبر لتأسيس المنطقة الآمنة؟ ألا يقرأ من هذا التصريح تحول بالموقف من الحزب “الديموقراطي”؟

من جهة أخرى، أعلنت الولايات المتحدة بأنها ستزيد من عدد “مستشاريها العسكريين” في سوريا. اما تركيا فانها نقلت 10700 عسكري من القوات المدرعة نحو الحدود السورية “لمنع تدفق محتمل لأعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى الأراضي التركية”. هل هو من أجل منع تدفق اللاجئين فقط؟ أم أنه سباق مع الزمن؟ الموقف التركي المعلن منذ البداية هو رفض استعادة الأرض من “داعش” لتذهب إلى النظام السوري، فهل هناك خطة ما لقطع الطريق على روسيا؟

تدعي روسيا أنها تحارب “داعش”، ولكن الواضح أنها تحارب كل أنواع المعارضة المسلحة، وقد اعترف بوتين أخيراً بأن طيرانه قصف الجيش الحر، وهذا يعني أنه قوّى “داعش”. بل أن روسيا تضرب المدنيين في المناطق الخالية تماماً من “داعش” بعنف أشد من عنف النظام، وتستخدم أسلحة أكثر فتكاً.

يبدو أن ثمة جدية في محاربة “داعش” هذه المرة، وثمة قراراً بانتهاء دورها، واستعادة الأرض منها. وهذا الأمر يدفع الطرفين الروسي والتركي، إلى السباق مع الزمن، ولتحقيق تركيا هذا لا بد لها من غطاء “التحالف الدولي”، أي من الولايات المتحدة الأميركية، وتمويل من السعودية. وإذا كانت القضية السورية هي الموضوع الرئيس لكثير من اجتماعات أنطاليا، فهل هناك أمر آخر يناقش غير قضية زيادة دعم المعارضة المسلحة، وتحقيق انتصار ملموس على الأرض ضد “داعش” لإضعاف هذه الورقة بيد الروس؟

إذا حدث ذلك، يجوز القول: “الطبل في فيينا، والعرس في أنطاليا”.

المدن

 

 

 

 

 

فيينا.. إدارة الانتخابات السورية في ظل الأجهزة الأمنية/ / روبرت فورد

مع الصعوبة المؤكدة للمفاوضات، فالتسرع في إجراء انتخابات دون التقدم الملموس لسيادة القانون أولاً، سيضمن جعل الحرب الأهلية السورية أكثر سوءا

دعت 17 دولة قبل عشرة أيام إلى إيجاد “حكم موثوق وشامل وغير طائفي” في سورية يليه دستور جديد وإجراء انتخابات، للوهلة الأولى هذا يبدو جيداً على الورق ومع ذلك فإن العنصر الأساسي ليس الانتخابات، ولا هو الدستور الجديد، بل سيادة القانون. القانون في سورية لا يتمتع بالسيادة تحت حكم البعث وعائلة الأسد، وفي ظل غياب هذه السيادة فالدستور الجديد لا يساوي الكثير والانتخابات النزيهة مستحيلة وبالتالي فإن الإشارة إلى مرجعية الحكم في بيان فيينا هو العنصر الحيوي. لا يمكن أن يدخل الدستور الجديد حيز التنفيذ الحقيقي ولا يمكن إجراء الانتخابات إلا بعد إحداث تغييرات جدية في نظام الحكم.

لقد أُعيد انتخاب بشار الأسد نفسه في تموز 2013 لفترة حكم جديدة تستمر سبع سنوات وحصل من خلالها على 89 % من الأصوات وذلك وفقاً للحكومة السورية. وقد أقرت موسكو وطهران بشرعية تلك الانتخابات ولكن هذا لم يوقف القتال في سورية. فقد رفضت المعارضة السورية الكبيرة، سواء السياسية أو المسلحة، الانتخابات وأصبحت أقوى وليس أضعف منذ صيف عام 2013. في الواقع، مكاسبها على الأرض أجبرت الأسد على الاعتراف في تموز 2015 بأن قواته تتراجع في بعض المناطق وفي نهاية المطاف أدت تلك التراجعات إلى تدخل روسيا عسكرياً في أيلول 2015 لتعزيز جيش الأسد المتعثر.

انتخابات أخرى في ظل حكومة الأسد أو حكومة مع بعض التغييرات التجميلية في الوزارات غير المهمة فقط، لن تحل النزاع فعلى عكس الدبلوماسيين المجتمعين في فيينا وجنيف، شهد السوريون بشكل مباشر طريقة عمل الحكومة السورية وكيفية إدارتها للانتخابات الرئاسية. هناك أربع وكالات استخباراتية سرية مختلفة، ولا تقبل أياً منها وجود تحديات جدية للنظام. الصور القاتمة المؤلمة التي أحضرها منشق من سجن الاستخبارات العسكرية السورية لجثث الآلاف من المشتبه بكونهم من المعارضين تظهر ممارسات هذه الوكالات.

فاز بشار بـ 98% من الصوات في عام 2007 وحكم بدون معارضة في استفتاء في عام 2000 وكان والده يتمتع بمثل هذه النتائج خلال فترة 29 عاماً التي حكم فيها بقبضة حديدية. تم تصميم الدولة السورية (التي يهدف المجتمع الدولي إلى الحفاظ عليها) لاعتقال أو قتل المعارضين المهمين، ووقف الحملات السياسية المعارضة، ومنع وصولهم المنصف إلى وسائل الإعلام، وردع أو منع أنصار المعارضة من التنظيم أو التصويت، وتحريف نتائج التصويت.

قد يظن دبلوماسيون أجانب أن توكيل جهة خارجية للإشراف على العملية الانتخابية، مثل فريق الأمم المتحدة للمساعدة في الانتخابات، سوف يحل المشكلة. ويدعو بيان فيينا إلى هذا. لقد قام فريق الأمم المتحدة بعمل جيد في العراق في عامي 2005 و2006 في مساعدة العراقيين بإقامة ثلاث جولات من الانتخابات، ولكن الفريق عمل هناك مع لجنة انتخابات عراقية مستقلة ذات ميزانية مستقلة والتي استغرقت قرابة العام لإتمام إنشائها. وأشرف الجيش الأميركي على أجهزة الأمن العراقية، حيث أراد الأمريكيون تمكين الأمم المتحدة من القيام بعملها لمصداقية.

لكن سورية ستكون قصة مختلفة تماماً، بدءاً من الأمن. في شباط عام 2014 تعرض فريق من الأمم المتحدة خلال تقديمه المساعدات الغذائية إلى مدينة حمص المحاصرة، لإطلاق النار من أنصار النظام. وعلاوة على ذلك، فإن أجهزة الأمن السورية، الجامحة وغير المتغيرة، ستقوم بتخريب أي عملية لإجراء انتخابات حرة – ويمكننا أن نعول على ذلك. وهي مضطرة لفعل ذلك تجنباً للمساءلة عن أفعالها الماضية. تخيل، على سبيل المثال، أن يُعتقل مرشح أو اثنين من مرشحي المعارضة السورية أو يقتل على يدي الأجهزة الأمنية السورية أو أن يقوم أنصار الحكومة السورية بمنع الحملات الانتخابية المعارضة قسراً. لن يكون لفريق الأمم المتحدة نفوذ كبير على تلك الأجهزة. وروسيا وإيران لديهما تاريخ في دعم الحكومة السورية رغم فظائعها الأكثر وحشية، ولن يثق أحد من المعارضة بضمانهما لحسن سلوك الحكومة السورية. وفي الوقت نفسه، خسرت الولايات المتحدة والغرب مصداقيتهما مع كفالتهما لعدم استمرار استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية.

ولن يتعاون المتطرفون في صفوف المعارضة السورية مع فرق الأمم المتحدة، يرفض الجهاديون شرعية أي انتخابات للمناصب الحكومية، من حيث المبدأ اللاهوتي. لا يوجد أي احتمال واقعي بأن يتم إيقاف المتطرفين في أي وقت قريب في سورية حتى يستطيع فريق الأمم المتحدة التحرك بأمان أو حتى يتمكّن السوريون الذين يعيشون في النصف الشرقي من سورية من التصويت.

أولئك الموجودين في شرق سورية لن يكونوا الوحيدين الذين سيجدون صعوبة في التصويت. لقد تم تهجير ما يقرب من نصف سكان سورية – حوالي أحد عشر مليون شخص. كيفية تحديدهم وتسجيلهم وتمكينهم من التصويت سيشكل تحدياً لوجستياً وأمنياً هائلاً لفريق الأمم المتحدة. بعد تجربة الأمم المتحدة في العراق، حيث كانت أعداد النازحين أصغر بكثير، فمن الصعب أن نرى كيف سيكون هذا النصف من السكان قادراً على التصويت في اقل من عام.

إن تجاهل هذه المشاكل والغوص قدماً سوف يكون خطأً فظيعاً. ولن تمنع نتائج انتخابات فقدت مصداقيتها استمرار القتال، كما رأينا في الانتخابات السورية عام 2013. وقد يكون الأمر أسوأ. وتكون تلك العناصر السياسية الأكثر اعتدالاً التي تحث على المشاركة في عملية انتخابية صادقة أضعف أمام المتطرفين الذين سيرفضون العملية من البداية.

وبالتالي، فمن المهم للغاية أن يبدأ عنصر الحكم المذكور في بيان فيينا بإصلاحات طال انتظارها لسيادة القانون وقطاع الأمن. وهذا يعني أكثر من بضعة تغييرات تجميلية للحكومة السورية الحالية قبل إجراء أي انتخابات تحت إشراف الأمم المتحدة. على وجه الخصوص، هناك حاجة لتغييرات كبيرة في الأجهزة الأمنية، سواء في القيادة أو في الإجراءات، وهذا سوف يكون صعباً ولكنه ملّح. وقف إطلاق النار وإطلاق السجناء السياسيين لا يكفي لإصلاح الحكم. وإلغاء الأجهزة الأمنية تماماً، كما فعل الأمريكان في العراق، ليس هو الحل الصحيح أيضاً. ولكن بالإضافة إلى تغيير القيادة، سيكون هناك حاجة لوجود نظام تدقيق قوي وعادل على مسؤولي الأمن هناك.

ويجب أن تلغى المحاكم العسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا التي عنّفت بشكل فاضح المعارضين السياسيين على مدى العقود الماضية. ويجب تعليق أحكام الدستور التي تمنح الرئيس حق السيطرة على السلطة القضائية وتسمح له بكتابة وتمرير القوانين.

هذه التغييرات هي الأكثر إلحاحاً، ولكن سيتعين تنفيذ العديد من التغييرات الأخرى للوصول إلى “حكم شامل وذو مصداقية وغير طائفي” والذي سيكون، قبل كل شيء، قابل للمساءلة من قبل الشعب السوري. تسلسل هذه الخطوات مع حركات نزع السلاح سيكون موضوعاً صعباً للتفاوض.

مع الصعوبة المؤكدة للمفاوضات، فالتسرع في إجراء انتخابات دون التقدم الملموس لسيادة القانون أولاً، سيضمن جعل الحرب الأهلية السورية أكثر سوءاً.

ميديل ايست: ترجمة السورية نت

 

 

 

 

سوريا هل سيكون الحل في وضعها تحت الوصاية الدولية؟!/ ماجد كيالي

يبدو من الحراكات الدولية والاقليمية الجارية على خلفية اجتماع فيينا أن القضية السورية باتت موضوعة على رأس جدول الأعمال، او على السكة، من دون أن يعني ذلك أن هذا الحل بات ناجزاً، أو أن موعد وصول القطار الى محطة السلامة بات معروفاً او مقرراً.

بيد أن ما يحصل يبيّن، أيضا، أن المسألة السورية لم تعد تقتصر على كونها قضية شعب في مواجهة نظام، او قضية تغيير سياسي، وأنها لم تعد تتعلق بالتصارع على النفوذ بين الدول الإقليمية المعنية، إذ انها أضحت، فوق هذا وذاك، بمثابة قضية دولية بكل معنى الكلمة، لاسيما بعد حصول العديد من التطورات، أهمها: أولاً، تفاقم قضية اللاجئين السوريين، التي أضحت مشكلة داخلية في أوروبا، وداخل كل دولة اوروبية. ثانياً، التدخل العسكري الروسي في سوريا لصالح النظام، في خطوة غير مسبوقة، مع ما تحمله هذه الخطوة من دلالات كبيرة تتعلق بطموحات روسيا بوتين، وتخص سعيها تغيير توازن القوى العالمي. ثالثاً، تفاقم المخاطر الناجمة عن صعود الجماعات الإرهابية المتطرفة، لاسيما تنظيم «داعش»، وهي مخاطر تلامس الأمن الإقليمي والدولي.

على هذه الخلفية فإن مشهد الصراع في سوريا، وعليها، بات محكوما بالمسارات الآتية:

أولاً، أن التقرير بمستقبل سوريا لم يعد شأنا للسوريين وحدهم على اختلافاتهم أو توافقاتهم، وإنما بات رهنا بما يقرره الأطراف الدوليون والاقليميون، وبالتحديد بما تقرره الولايات المتحدة، التي تبدو بمثابة الطرف الاكثر فاعلية في التقرير بالشأن السوري، حتى وهي تتخفّف من حضورها في الشرق الاوسط، وحتى وهي تستنكف عن الحسم في هذا الشأن.

ثانيا، ان النظام العربي لا يحضر على نحو كاف في الحراكات الجارية، ما يعكس ضعفه واستنكافه عن دوره، وتخليه عن السوريين. ولا شك ان هذا يعكس، أيضاً، اختلاف الدول العربية من حول سوريا، لاسيما بعد الارتداد المصري، كما يعكس تزايد دور الدول الاقليمية، غير العربية، في المجال الاقليمي العربي، لاسيما إيران وتركيا، دون أن ننسى إسرائيل طبعا.

ثالثا، بينت مداولات «فيينا» ان ثمة انزياح في التعامل مع قضية السوريين، إذ ان الجهود لا تتركز على تشكيل هيئة انتقالية، ذات صلاحيات كاملة، بحسب منطوق مؤتمر جنيف1 (2012)، بحيث يتم نزع الصلاحيات من الرئيس، ولا على فرض وقف نهائي للأعمال القتالية، أو اقله وقف القصف الجوي، لاسيما بالبراميل المتفجرة، وإنما على مواجهة الإرهاب، والتخفيف من مشكلة اللاجئين، وحل المسائل الانسانية والحفاظ على وحدة سوريا ارضا ومؤسسات. ولعل هذا ناجم عن عدة اسباب، أولها، عدم حسم اي طرف للصراع لصالحه على الأرض طوال السنوات الماضية. وثانيها، اختلاف الأطراف المشاركين بخصوص تشخيص المشكلة، وبالتالي تشخيص الحل، فثمة من يرى ان الأمر يتطلب بداية تغيير النظام، وثمة من يرى ان المشكلة تتعلق بمحاربة الارهاب قبل اي شيء اخر. وثالثها، وجود الإدارة الأمريكية في لحظة تخلي، او لحظة لا مبالاة ازاء الوضع السوري، اما رغبة منها بالانسحاب من الرمال المتحركة للشرق الاوسط، او سعيا منها لإغراق الاطراف الاخرين فيه، او لشعورها ان كل الامور ستؤول اليها في المحصلة الأخيرة، من دون دفع اية تكلفة، او و بأثمان أقل.

فوق كل ذلك فإن كل ما حصل يؤشر، ربما، إلى مسار يفتح على تخليق نوع من نظام «وصاية دولية» على سوريا، بخاصة أن ثمة عوامل عديدة وقوية ترجّح هكذا احتمال، أولها، تصدع مجتمع السوريين، نتيجة صعود الهويات الطائفية والاثنية والمناطقية والعشائرية. وثانيها، تفاقم مشكلة اللاجئين في البلدان المجاورة، والبلدان الاوروبية، الأمر الذي يفترض تضافر الجهود لإعادة هؤلاء الى وطنهم، بعد استتباب الامن والاستقرار، او حل مشكلاتهم في اماكن تواجدهم. وثالثها، انهيار اجزاء كبيرة من كيان الدولة السورية، وهذا يشمل نظم التعليم والإدارة، والجيش، واجهزة الأمن. ورابعها، الانهيار الاقتصادي الحاصل، وتاليا، الكلفة المادية الكبيرة التي تتطلبها عملية إعادة بناء ما دمرته الصواريخ والبراميل المتفجرة التي القاها النظام، ونجم عنها خراب كبير في عمران مدن سوريا وممتلكات سكانها، وهي كلفة لابد ان يشارك المجتمع الدولي فيها. وخامسها، اخفاق جماعات المعارضة، السياسية والعسكرية، في توليد كيانية سياسية فاعلة ووازنة وقادرة على اثبات ذاتها، سواء ازاء شعبها، او ازاء المجتمع الدولي، إذ ان هذه المعارضة لم تثبت ذلك في «المناطق المحررة»، لا في نمط ادارتها ولا في نمط علاقتها مع مجتمعها، كما ان المعارضة السياسية لم تستطع ان تبني وجود لها في المناطق المحررة التي ظلت تخضع لإدارات عسكرية مختلفة.

لهذا كله يبدو ان المجتمع الدولي يميل إلى وضع سوريا في إطار مرحلة انتقالية، تمتد لعدة سنوات، تحت رعاية دولية، كي تتمكن من ترميم ذاتها بشكل تدريجي، ما يمكنها من استعادة اللحمة للمجتمع، وبناء اجماعات وطنية جديدة، وإعادة بنا كيانية الدولة، ولعل هذا ما يفسر الفقرة المتضمنة في البيان الصادر عن اجتماع فيينا، والتي اكدت على «وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وطابعها العلماني، وحماية حقوق جميع السوريين بصرف النظر عن العرق أو الانتماء الديني»؛ ما يفهم منه أن المجتمع الدولي لن يسمح بأي صيغة قد تطرح خلافا لذلك، وهذه ليست مسألة عادية او ثانوية.

المعضلة أن المؤشرات لا تفيد بوجود إرادة دولية حاسمة بإطفاء الانفجار السوري، او بوضع حد للاقتتال الدامي والمدمر، إذ كل طرف يراهن على استنزاف الأخر، وكل طرف يراهن على تعب الأخر، والمشكلة اننا ازاء أطراف متعددة، وحتى داخل كل معسكر، اي المعسكر الذي يقف مع النظام، او المعسكر الذي يقف مع المعارضة، ثمة ارادات مختلفة ومتباينة. لذا وبصراحة أكثر فإن الدول المعنية والمقررة تشتغل على مايبدو وفق استراتيجية تتأسس على إدارة الصراع، والتحكم به، أو استراتيجية تقطيع الوقت، وليس على اساس استراتيجية حل الصراع، إذ أن هذا الامر لم ينضج للحل، حتى الآن، بحسب رؤيتها لدورها ولمصالحها.

على أية حال فهذا الكلام ليس للاحباط، وانما هو بمثابة صيحة تحذير كي يدرك المعنيون في المعارضة واقعهم الصعب والمقعد، وكي يدركوا ما يستوجب عليهم ان يقوموا به، لتغيير هذه الحالة، أو لتحسين شروطها على الأقل. وبديهي أن هذا يتطلب وعي شروط الواقع الدولي، والانفتاح على صيغة حاسمة لسورية تعددية وديمقراطية، وكدولة لمواطنين احرار ومتساوين، وتأسيس كيانية المعارضة على هذا الاساس، بدون مواربات او تلاعبات.

المستقبل

 

 

 

 

 

الحضور الإيراني في فيينا للتعطيل لا للتسهيل/ عبدالوهاب بدرخان

أشاعت لقاءات فيينا انطباعاً بأن قطار تسويةٍ سياسيةٍ ما في سورية وُضع على السكّة. لا شيء مؤكد. ربما يحمل اللقاء التالي، غداً، بعض الوضوح للنيات كما للسياسات. في المحاولة السابقة في جنيف (2014) كان الظنّ السائد أن «التفاهمات» الاميركية – الروسية كفيلة بصنع اختراقات، إلى أن انكشفت وتدهورت، ثم أعيد تأهيلها، لكن حسابات كلٍّ من الطرفين تغيّرت. وما أوحى بـ «الجدية» هذه المرّة أن اميركا وروسيا تريدان استمالة السعودية وتركيا إلى «التفاهمات» استناداً إلى «فرصة» تتمثّل بأن موسكو أصبحت متورّطة على الأرض السورية وأنها فتحت ملف «الحل السياسي» وباتت مستعدّة لاستدراج تنازلات من بشار الأسد، لكن مقابل استمراره لفترة محدودة، بذريعة أن بقاءه يساعد في تنفيذ أي اتفاق يمكن التوصّل إليه. كانت واشنطن موافقة دائماً على هذه الصيغة مشترطةً الاتفاق على «هيئة حكم انتقالي»، وفقاً لبيان «جنيف 1»، غير أن الرياض واظبت على الدعوة إلى «رحيل الأسد» ثم تعاملت ببراغماتية مع فكرة «الفترة المحدودة» إذا توافرت ضمانات لها ولصلاحيات الحكومة الانتقالية.

عشية اللقاء الموسّع السابق في فيينا، عُقد اجتماع رباعي تمهيدي (29/10/2015) وكان صعباً، بل ساخناً إلى حدٍّ ما، إذ بدا جون كيري وسيرغي لافروف متفاهمَين على ضرورة الإقلاع بالحل السياسي في أي شكل. لكن الوزير الروسي لم يكن مقنعاً لنظيريه السعودي والتركي اللذين وجدا أنه لم يحمل أي جديد بخصوص «مصير الأسد» وأن الاقتراحات الأخرى تنطوي على تراجع مبطّن عن صيغة جنيف والحكم الانتقالي. وذُكر أن لافروف غادر الاجتماع من دون انتظار توافقات محددة، لذلك طرح كيري منهجية تضمن استمرار «عملية فيينا»، إذ تشير إلى وجود خلافات مع تحديد للمبادئ العامة المتوافق عليها، وقد ظهرت تلك المبادئ في البيان المشترك (وحدة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها وطابعها «العلماني»، المحافظة على مؤسسات الدولة، حماية حقوق السوريين أياً تكن أديانهم وإتنياتهم، تسريع الجهود الديبلوماسية لإنهاء الحرب، زيادة الدعم الإنساني للمهجّرين في الداخل وللدول التي تؤوي النازحين، ضرورة هزم «داعش» والتنظيمات الأخرى التي يعتبرها مجلس الأمن الدولي إرهابية)…

لم يكن متوقعاً أن يعترض أحد على هذه المبادئ. وهي رغم أهميتها لم تعد تعني شيئاً منذ زمن، فالنظام احتقرها طوال عقود تسلّطه ثم جهر باحتقاره للشعب بفئاته كافة عندما قاده إلى صراع أهلي لضمان بقائه في السلطة. لكن هذه المبادئ شكّلت مخرجاً لتفادي فشل معلن للقاء فيينا الموسّع، كما تضمن البيان نوعاً من خريطة طريق إلى حل يبدأ بوقف لإطلاق النار ويستند إلى «جنيف 1» (يرفضه النظامان السوري والإيراني) وتتولّى فيه الأمم المتحدة جلب ممثلين عن «الحكومة السورية» والمعارضة إلى عملية سياسية تفضي إلى «حكم ذي مصداقية، غير فئوي، ويشمل الجميع» وتلحظ إعداد دستور جديد وانتخابات تشرف عليها الأمم المتحدة وتُجرى «بأعلى معايير النزاهة والشفافية» وبمشاركة الجميع بمن فيهم سوريّو الشتات…

هذه «الخريطة» لا تختلف في جوهرها عما كان مطروحاً في مفاوضات جنيف (شباط/ فبراير 2014) التي أفشلها النظام مصرّاً على اتفاق على محاربة الإرهاب (بقيادته) قبل التطرّق إلى الترتيبات السياسية. واقعياً كان يريد مجالسة معارضين آخرين لا ليفاوضهم بل ليملي عليهم شروطه وإرادته. أما محاربة الإرهاب، فالسيناريو الاميركي لا يلحظ لها دوراً فيها، فيما يبدو السيناريو الروسي معنياً بإعادة تأهيل الجيش وليس النظام لكنه يتعثّر لأنه لم يعثر على الجيش الذي يعرفه. وأما بالنسبة إلى الجانب السياسي، فاعتقدت روسيا أن الخطة التي اقترحها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، ولم تلقَ اعتراضاً، مهّدت الطريق لتشكيل وفود المعارضة بالطريقة التي اتّبعت للقاءات موسكو والقاهرة واستانة (عاصمة كازاخستان) وكانت غالبية المشاركين فيها من المعارضين الموفدين من جانب النظام، فضلاً عن أفراد من «معارضة الداخل».

ليس معروفاً من أين جاءت موسكو وطهران ودمشق بفكرة التحكّم المسبق بأي مفاوضات من خلال التلاعب بتمثيل المعارضة، بل كيف اقتنعت نفسها بأن هذه الطريقة يمكن أن تنهي الصراع وتقيم السلام وتأتي بـ «الحل السياسي» المنشود، أي الحل الذي يبقي النظام من دون أي تغيير جوهري، وبموافقة «من حضر». وقد استدرجت الأطراف الثلاثة دي ميستورا راضياً إلى هذا المنطق، وافترضت غباءً مستحكماً بالأطراف الأخرى يستحيل معه أن تكتشف حتى الخداع المكشوف. ولعل الجدل الذي افتعلته يرمي عملياً إلى إقصاء المعارضة الحقيقية، ذاك أن موسكو تطالب بتحديد ما هي المعارضة «المعتدلة» لتعرف كيف يمكن تمثيلها، وفي عُرفها أن كل من حمل السلاح ضد النظام ليس «معتدلاً» أي ليس مؤهلاً لأن يكون جزءاً من الحل. لكن عليها، قبل ذلك، أن تحدّد طبيعة النظام الذي تسانده وتعتبره ركيزةً للحل، أهو معتدل أو متطرّف، أهو وسطي أم إجرامي متوحّش؟ لا شك في أن العالم، عدا استثناءات محدودة، أوضح موقفه من هذا النظام. ولا يمكن نظاماً منبوذاً مثله ولا حلفاءه أن يحدّدوا من هو مقبول أو غير مقبول في التفاوض على مستقبل سورية.

الأكيد أن المعارضة لم تستطع أن تبلور كياناً واحداً لتمثيلها، لكن لوحظ في الأسابيع الأخيرة أن الولايات المتحدة وروسيا أعادتا، كلٌّ لأسبابها، اكتشاف «الجيش الحرّ»، فهو الأكثر تعبيراً عن المعارضة والأقرب إلى مواصفات «الاعتدال». في الأعوام الأربعة الماضية، تعامت واشنطن عن ضرورة تسليحه ليبقى الفصيل الأكبر والأقوى، وأدّى إهماله وعدم دعمه إلى استضعافه وبالتالي إلى تشظّيه وتوزّع ضباطه وجنوده على سائر الفصائل. لكنّ الاميركيين يريدون الآن الاعتماد عليه لمحاربة «داعش»، ويسعى الروس إلى استعادته إلى صفوف الجيش لكن الطريقة التي يتّبعونها تنفّره بدل أن تقرّبه، فحتى الضباط الذين انشقّوا ولم يشاركوا في قتال النظام ولا يمانعون في العودة إلى الجيش لم يعودوا راغبين في العودة إلى جيش بإمرة الأسد وزمرته. في المقابل، يبدو أن الولايات المتحدة تذكّرت أيضاً أن «الائتلاف» المعارض لا يزال موجوداً، ورغم أن «أصدقاءه» قطعوا عنه كل تمويل أو مساعدة منذ ما يقارب العامين. ومع اقتراب استحقاق التفاوض، يتبيّن أن «الائتلاف» عاد يمثّل رقماً صعباً لا يمكن تجاهله، فأي مفاوضات من دونه لن تحقق أهدافها، إذ إنه ارتبط بالفصائل المقاتلة وهي ارتبطت به، حتى لو لم يكن بينه وبينها تحالف معلن ومحسوم.

في أي حال، وقبل البحث في المعارضة، فليحسم الحلفاء الثلاثة (روسيا وإيران ونظام الأسد) خلافاتهم، لأن لكلٍّ منهم مقاربته للحلّ السياسي ولما يجب أن يسبقه ميدانياً. إذ إن التنسيق العسكري بين روسيا وإيران لا ينطبق على الجانب السياسي. وقد انتقد قائد «الحرس الثوري» محمد علي الجعفري روسيا في شكل مباشر، وقال أن «بقاء الأسد» لا يهمّها كما يهمّ إيران. وبعد شهور من الترويج الاميركي – الروسي لإيران كطرف فاعل ومساعد في حل أزمات المنطقة، يتّضح للمعنيين الآن أنها بوجهين ولسانين وأن هناك توزيع أدوار بين أجنحتها. فإيران روحاني تحضر لقاءات فيينا بصفتها «معتدلة» وإيران الجعفري تحرّض الأسد على التشدّد في شروط، وإذ أبدت الأولى قبولاً ولو بالمناورة لبيان فيينا الذي يتبنّى صيغة حكم انتقالي مستوحاة من بيان «جنيف 1» فإن موقف الثاني، أي «الحرس»، يظهر من خلال تصريحات فيصل المقداد، نائب وزير خارجية النظام، الذي يرفض فكرة المرحلة الانتقالية ويجدّد طرح «توسيع حكومة» النظام وتعديل الدستور. إذاً، فوجود إيران إلى طاولة المساومات لم يخرج عن إطار المتوقع منه، فهو يهدف إلى توجيه أي تسوية أو إلى تعطيلها حتى لو اقتضى ذلك تصعيداً ميدانياً. وإذ باتت الخلافات تدبّ بين الحلفاء الثلاثة فلأنهم تيقّنوا بأن ثمن أي تسوية دولية سيكون باهظاً سواء ساوموا على بقاء الأسد أو على رحيله.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

مسودة بيان فيينا تكشف حجم التنازلات الأميركيّة: شطب «المرحلة الانتقاليّة» وأي إشارة الى الأسد/ إبراهيم حميدي

أظهرت مقارنة بين مسودة البيان الختامي للاجتماع الوزاري الأخير في فيينا، والنسخة النهائية التي وافق عليها ممثلو ١٩ دولة ومنظّمة دولية وإقليمية، حجم التغيير و «التنازلات» التي وافق عليها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، للوصول الى الصيغة النهائية، كان بينها إزالة «خريطة طريق» للمرحلة الانتقالية والتمييز بين مرحلة التفاوض والتحوّل السياسي، إضافة إلى إزالة إشارات إلى الرئيس بشار الأسد كانت موجودة في المسودة.

ووفق مسؤول غربي، فإن الدول الداعمة للمعارضة تسعى إلى إعادة عدد من النقاط التي تخلّى عنها كيري، الى الاجتماع الوزاري المقبل يوم السبت، والذي يمكن أن تنضمّ إليه الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بعد عملية «تسخين» سيقوم بها كبار الموظفين في الساعات السابقة للاجتماع، في حين تسعى موسكو وطهران الى التركيز على الوصول إلى «قائمة موحدة للتنظيمات الإرهابية» وقائمة أخرى للمعارضين «الشرعيين»، بعد تبادل قوائم بين موسكو وواشنطن ودول إقليمية.

بدأت مسودة البيان، التي اطلعت «الحياة» على نصها، بأن المشاركين متفقون على أن استمرار الأزمة السورية في مسارها الراهن سيؤدي الى «تدمير البلاد وزيادة المجموعات المتطرفة، وتهديد استقرار المنطقة، وزيادة تدفّق اللاجئين والمعاناة الإنسانية بطريقة غير مسبوقة»، غير أن الوزراء اتفقوا على إزالة هذه الفقرة تماماً، مع الإبقاء على عبارة أخرى تتحدث عن «استمرار الاختلافات بين المشاركين حول قضايا جوهرية»، واستبدال عبارة «تضييق الفجوة» بينهم بوصولهم الى «تفاهمات مشتركة» حول عدد من النقاط.

وجرى الحفاظ على روح الفقرة الأولى التي نصّت على أن «سورية موحدة ومستقلة وذات شخصية علمانية»، مع تغيير عبارة أنه «يجب الحفاظ» على هذه المبادئ إلى اعتبارها «جوهرية»، وذلك نتيجة اعتراض بعض المشاركين، لأن المسودة عنت أن «علمانية» سورية تعني تهميشاً مطلقاً للفصائل الإسلامية التي باتت فاعلة على الأرض خلال السنوات الخمس الماضية.

نصّت الفقرة الثانية في المسودة على أن «مؤسسات الدولة يجب الحفاظ عليها متماسكة وحقوق جميع الأقليات يجب أن تكون محمية»، غير أنها قسمت إلى قسمين في البيان النهائي، عبر فصل «مؤسسات الدولة وبقاء تماسكها» وحقوق المكوّنات السورية باستخدام عبارة أن «حقوق جميع السوريين بصرف النظر عن العرق والدين، يجب أن تكون مصانة»، ذلك لأن دولة إقليمية اعترضت على «تكرار الحديث عن الأقلية العلوية ونسيان الغالبية السنية».

وأكد الوزراء في البيان الختامي، ضرورة «تفعيل الجهود الديبلوماسية لإنهاء الحرب» بدلاً من عبارة مطولة سابقة نصّت على أن «الحل السياسي هو في مصلحة الشعب السوري والمنطقة والعالم». وفيما بقيت العبارة المتعلقة بـ «الممرات الإنسانية الآمنة عبر الأراضي السورية وزيادة الدعم للنازحين واللاجئين والدول المضيفة»، فإنه لم تكن مفهومة إزالة عبارة في المسودة نصّت على ضرورة عمل الدول المشاركة على «عودة طوعية وآمنة غير مشروطة للاجئين والنازحين الى بيوتهم». وعُلم أن نقاشاً طويلاً تناول الفقرة الخامسة في المسودة، وتتعلّق بالتنظيمات الإرهابية. ونصت على أن «الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام والتنظيمات الإرهابية، سواء المدرجة في قوائم مجلس الأمن أو المتفق عليها بين الأطراف المشاركة، يجب أن تُهزم. وستعمل الأطراف لاستكشاف كيف ستؤدي العملية الانتقالية، كما هي موصوفة لاحقاً، الى توسيع المشاركين تعاونهم لتفعيل العملية التي ستؤدي الى تخلّص سورية من هذه التنظيمات».

وحاول بعض الدول إدراج «جبهة النصرة» أو «أحرار الشام الإسلامية» وسط مساعي آخرين للتمييز بين «النصرة» كـ «تنظيم وأفراد»، قبل التوصّل الى صيغة حذفت ربط محاربة الإرهاب والعملية الانتقالية، عبر اختصارها بأن «داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى وفق تصنيف مجلس الأمن الدولي (إضافة) إلى ما يتفق عليه المشاركون، يحب أن تهزم». عليه، جرى الاتفاق على عقد لقاء بين نواب الوزراء للاتفاق على «قائمة موحدة».

غير أن التغيير الأكبر حصل في الفقرة السادسة في المسودة المتعلقة بالعملية السياسية. ونصت المسودة على أنه «متابعة لبيان جنيف (للعام ٢٠١٢)، فإن المشاركين سيستأنفون العملية السياسية لجمع ممثلين عن حكومة الأسد والمعارضة السورية تحت رعاية الأمم المتحدة، للتفاوض وتنفيذ خريطة سياسية تضم العناصر المفتاحية الآتية: أ) تأسيس هيئة حكم انتقالية خلال ٤ – ٦ أشهر من بدء هذه العملية السياسية المستأنفة. ب) تأسيس آليات لصوغ وإقرار مسودة لدستور (سوري) جديد. ج) القيام بانتخابات بإدارة ورقابة دوليتين لتشكيل حكومة جديدة خلال ١٨ شهراً».

ووفق المعلومات، جرى نقاش طويل أيضاً حول هذه الفقرة. إذ نجح الوزير سيرغي لافروف وحلفاؤه – وبقبول من الوزير جون كيري – في إزالة أي ذكر لـ «خريطة الطريق» والمواعيد، إضافة إلى حذف «حكومة (نظام) الأسد» واستبدالها بـ «الحكومة السورية»، وتحويل عبارة «إدارة ورقابة دوليتين» إلى «إدارة تحت رعاية الأمم المتحدة»، على اعتبار أن «الحكومة السورية لا تزال ممثلة في الأمم المتحدة وليست دولة فاشلة كما حصل في تجارب دولية أخرى»، وفق قول أحد المشاركين. لكن في المقابل، حصل داعمو المعارضة على إشارة الى القرار ٢١١٨ الذي يتعلق بالتخلص من السلاح الكيماوي، لكنه نص في الفقرتين ١٦ و١٧ على «هيئة الحكم الانتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة وقبول متبادل» من الطرفين، إضافة الى عبارة مشاركة اللاجئين والنازحين في الانتخابات.

وأصبحت هذه الفقرة: «تنفيذاً لبيان جنيف في ٢٠١٢ وقرار مجلس الأمن ٢١١٨، فإن المشاركين يدعون الأمم المتحدة لجمع ممثلين من الحكومة السورية والمعارضة السورية في عملية سياسية تؤدي الى حكم (بدل هيئة انتقالية) غير طائفي وذي صدقية وشامل يعقبه دستور جديد وانتخابات. هذه الانتخابات، يجب أن تدار تحت رعاية الأمم المتحدة وتحظى برضا الحكومة وتكون في أعلى مستويات الشفافية والمساءلة، وحرة وعادلة بمشاركة السوريين، بمن فيهم الموجودون في الشتات المؤهلون للمشاركة».

وأضاف لافروف أيضاً فقرة جديدة نصت على أن «العملية السياسية ستكون بقيادة سورية ومملوكة من السوريين، وأن السوريين سيقررون مستقبل سورية»، علماً أن مؤتمر فيينا لم يضم أياً من السوريين.

وكان لافتاً أن الفقرة السابعة المتعلقة بوقف النار بقيت على حالها، ونصت على أن المشاركين سيستكشفون بالتعاون مع الأمم المتحدة، إمكانات وآليات تنفيذ وقف شامل للنار، بحيث يحدد موعده بالتوازي مع استئناف العملية السياسية.

لكن جرى حذف كامل للفقرة اللاحقة في المسودة، ونصت على أنه «بينما لا تزال الأطراف الداعمة للمعارضة السورية مقتنعة بأنه يجب إزاحة بشار الأسد كجزء من التحوّل (الانتقال السياسي)، فإن أولئك الذين يدعمون حكومة (نظام) الأسد مقتنعون بأنه يمكن إزاحة الأسد عبر إرادة الشعب السوري. واتفق جميع المشاركين على أن موضوع مستقبل الأسد «يجب أن يقرر خلال 4 – 6 أشهر من استئناف العملية السياسية». كما جرى حذف فقرة أخرى نصت على أن «مجلس الأمن يجب أن يقر قراراً يتضمن أساليب (آليات) للعملية الانتقالية المتفق عليها ووقف النار الشمولي».

وتضمنت المسودة أن يكون الاجتماع المقبل في 4 تشرين الثاني (نوفمبر)، بناء على رغبة كيري في التعجيل بعمل الأطراف لـ «تضييق الفجوة» بين المشاركين إزاء نقاط الاختلاف والبناء على نقاط الاتفاق، غير أنه جرى التفاهم على عقد الاجتماع خلال أسبوعين. وزار المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، نيويورك لإيجاز مجلس الأمن حول ما تحقّق إزاء تكليف المجلس في بيانه الرئاسي عقد مجموعات العمل الأربع بين ممثلي الحكومة والمعارضة بالتزامن مع تشكيل «مجموعة اتصال» دولية – عربية. وعلم أن دي ميستورا قرر تغيير مهمة اللجان الأربع من كونها اجتماعات لـ «العصف الفكري» غير ملزمة الى لقاءات لـ «التفاوض» بين الطرفين بموجب بيان فيينا الأخير وخريطة الطريق التي صاغها فريق دي ميستورا لتنفيذ «جنيف – 1»، إضافة الى احتمال المرونة في تسمية اللجان ذاتها ومهمتها وعددها.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى