صفحات العالم

محاكمة الأسد

 

مـهـنـد الـحـاج عـلـي

فيما يدق “الجيش الحر” أبواب الشام، وبات سقوط النظام السوري وشيكاً، حتى باعتراف موسكو التي صارت تُطلق التصريحات ثم تسحبها، بدأ الحديث عن العملية الانتقالية المطلوبة بعد سنتين من ثورة وحرب داميتين. لكن النقاش الدائر حالياً حول هذه العملية تعتريه شوائب عديدة. أولها الضغوط الأميركية لتعيين رجالات النظام ممن انشقوا بعد سقوط عشرات آلاف القتلى، وليس في بداية الثورة، كما حصل مع بعض وزراء القذافي الذين قادوا العمليات العسكرية والسياسية. من بقي في صف النظام طوال هذه الفترة الدموية، مثل رئيس الوزراء المنشق رياض حجاب والعميد مناف طلاس، لا يستحق لعب دور لا مبرر له. فليس لطلاس ولحجاب أي حيثية على الأرض، بل يُشكلان عبئاً على الثورة والعملية الانتقالية، تماماً كعبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق أو قائد “سرايا الدفاع” رفعت الأسد.

المشكلة الثانية في النقاش الدائر حالياً، تكمن في اعتماد اقتراحات واجتماعات المبعوث الدولي والعربي الأخضر الابراهيمي، أساساً لعملية انتقالية. ولهذا المبعوث إرث هو أقرب الى الكارثة في كل من لبنان وأفغانستان. الوصفة السحرية الإبراهيمية التي تثير إعجاب بعض ساسة الغرب به، تتضمن توزيع كعكة الدولة، بما فيها من اقتصاد واحتكارات ومؤسسات مدنية وعسكرية وعملية إعادة إعمار، على أباطرة الحرب وميليشياتهم. هكذا، يصير السلم الأهلي غير توافقي فحسب، بل مزاجي وضحيته الأولى المواطَنة بما تمثل من علاقة بين أفراد الشعب والمؤسسات الضامنة لحقوقه الثابتة. عندها، يصير زعيم ميليشيا رئيساً أبدياً للبرلمان، ويُصبح من قاد أكبر عملية تطهير عرقي في التاريخ الحديث للمنطقة، شملت قتل وتهجير عشرات الآلاف، وزيراً للمهجرين، ويتسلم من “اشتُهر” بقتل آلاف المدنيين الفلسطينيين حقيبتين خدماتيتين في حكومات متعاقبة.

ولـ”معجزتَي” الابراهيمي في لبنان وأفغانستان سمات مشتركة، رغم الفوارق، وقد تنسحب أيضاً على سوريا في حال نجاح مساعيه المدعومة دولياً، لا سمح الله. أولاً، كلمة “عدالة انتقالية” غير موجودة في قاموس الإبراهيمي. هذا المبعوث سيعمل جاهداً كي لا يُحاكَم أحد، بل سيُكافئ مرتكبي الجرائم، كما فعل في أفغانستان ولبنان، ومثلما حصل مع الوساطة الدولية-الاقليمية في تسوية اليمن. ثانياً، تبعات غياب العدالة الانتقالية ومكافأة قادة الحرب، ستشمل مأسسة التجاوزات والانقسامات السياسية والمجتمعية وتعميمها، إن كانت طائفية أو عرقية أو أي عصبية أخرى، بما يسمح بإنشاء ديموقراطية توافقية شكلية يحتفل بها العالم كنهاية سعيدة للأزمة. لكن الواقع سيكون مختلفاً، ويحاكي الوضع السياسي اللبناني، أي تشكيل ديكتاتوريات صغرى تُسيطر على مجموعات سكانية عبر التحريض والامساك بإعلام فئوي واحتكار الوظائف العامة للأتباع والموالين وإنفاق الريع النفطي الاقليمي. وهكذا تنتقل الوراثة الجينية من شخص واحد، من حافظ إلى بشار في هذه الحالة، الى أشخاص عدة تحت مسمى التوافق بين مكونات الشعب. هنا تكمن “موهبة” الإبراهيمي: حل المشكلة عبر تفكيكها إلى مشكلات مزمنة.

الأفضل للشعب السوري الحسم على الأرض، وتشكيل محاكم لرموز النظام والمسؤولين عن انتهاكات دامت عقوداً في سجونه، لتأسيس مرحلة جديدة ودائمة عمادها المحاسبة، لا إدامة الصراع عبر المحاصصة.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى