محاولة إسقاط بشار الأسد فشلت!
Patrick Cockburn
يبدو أن تجربة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي والدول العربية الخليجية في إسقاط معمر القذافي كانت مضلِّلة فلم تنجح محاولات تطبيق الاستراتيجية نفسها في سورية.
لقد فشلت الجهود القائمة منذ سنة لإسقاط الرئيس بشار الأسد ونظامه، ومنذ شهرين أو ثلاثة أشهر، بدا وكأن تلك الجهود كادت تنجح فعلاً عندما استولى الثوار على معاقل في مدن مثل حمص ودير الزور. تحدث البعض عن احتمال فرض منطقة حظر جوي أو تنفيذ تدخل عسكري خارجي.
واجهت سورية عقوبات اقتصادية قاسية علماً أن اقتصادها هش في الأساس، وكانت الأنباء اليومية عن فرض ضغوط جديدة على الأسد وزيادة زخم الثوار تنذر باقتراب تغيير الحكم في دمشق.
لكن لم يتحقق ذلك، ولن تصبح سورية شبيهة بليبيا يوماً، وآخر ما أقدم عليه المجتمع الدولي هو قرار الاتحاد الأوروبي منع والدة الأسد وزوجته أسماء من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي (مع أن أسماء الأسد تستطيع السفر إلى بريطانيا باعتبارها مواطنة بريطانية). تشير هذه التدابير إلى يأس حقيقي. زعم وزير الخارجية البريطاني ويليام هايغ أن هذا التدبير الأخير يساهم في تعزيز الضغوط على النظام السوري، ولكنه في الحقيقة يمنحه منفساً معيناً. يشير منع أسماء الأسد من القيام برحلات تسوق إلى باريس أو روما (إذا افترضنا أنها كانت تنوي أصلاً السفر إلى هناك) إلى أن الأميركيين والاتحاد الأوروبي والحلفاء في الشرق الأوسط استنزفوا جميع الخيارات في الملف السوري.
في الأسبوع الماضي، قال أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون: “لا أحد يناقش خيار التدخل العسكري”. في الآونة الأخيرة، بدأ عناصر الجيش السوري الحر يتراجعون من معاقلهم في مدينة حمص ومحافظة إدلب في الشمال ثم من دير الزور شرقاً. يوم الثلاثاء الماضي، تقدم جنود سوريون بالدبابات من أربع جهات ودخلوا إلى دير الزور التي تقع على بُعد 60 ميلاً تقريباً من الحدود العراقية، ما أجبر الثوار على الهرب والاختباء في منازل وشقق مجاورة بعد خوض معركة قصيرة. قد يؤدي تراجعهم إلى تصعيب عملية تهريب الأسلحة عبر الحدود العراقية من محافظة الأنبار السنية. كان تقدم الجيش السوري السريع يتعارض مع الحصار الذي دام شهراً كاملاً على حي بابا عمرو في حمص وأسفر عن مقتل المئات وحول المنطقة إلى أنقاض. دعمت المملكة العربية السعودية وقطر تسليح الثوار لكن تقل المؤشرات على إقدامهما على ذلك.
أين أخطأ المدافعون عن تغيير النظام؟ لقد بالغوا في التشديد على شعارات حملتهم والتمسك بأهداف معينة. حتى شهر يناير الماضي، كانت جميع تحركاتهم ترتكز على التدخل العسكري الدولي أو التهديد بتنفيذ تحرك مماثل، لكن لم يعد هذا الخيار مطروحاً في 4 فبراير عندما أقدمت روسيا والصين على استعمال حق النقض في مجلس الأمن للاعتراض على قرار مدعوم من جامعة الدول العربية يدعو إلى تنحي الأسد. يبدو أن تجربة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي والدول العربية الخليجية في إسقاط معمر القذافي كانت مضلِّلة فلم تنجح محاولات تطبيق الاستراتيجية نفسها في سورية.
لطالما حدث الأمر نفسه على مر العصور في جميع التجارب التي تشمل الثوار وقامعي الثورات، وما ينجح في بلد معين يمهّد لنشوء كارثة في بلد آخر. كذلك، أساء البعض قراءة ما حدث في ليبيا. عند مشاهدة قناة “الجزيرة”، قد يظن المشاهدون أن الثوار الأبطال المنتمين إلى الميليشيات (كانوا أبطالاً في بعض المناسبات) هم من أسقطوا الطاغية، لكن كان النصر العسكري ناجماً في معظمه عن الحملة الهجومية الجوية التي شنها حلف الأطلسي. كان أعضاء الميليشيات القوة التي احتلت الأراضي بعد أن تفتح لها الضربات الجوية طرقاً آمنة (هذا ما حدث أيضاً في أفغانستان في عام 2001 وفي إقليم كردستان العراقي في عام 2003).
لكن تختلف الظروف في سورية كثيراً، فيتكل النظام على قاعدة دعم ضمن الطائفة العلوية وعلى جيش قوي وقوى أمن نافذة. حصلت بعض الانشقاقات العالية المستوى أو بدّلت الوحدات العسكرية ولاءها، لكن يشعر الموالون للنظام بأنهم لا يملكون خياراً آخر عدا إكمال المعركة حتى النهاية، وهم مستعدون لقتل أي شخص يقف في طريقهم. لا يشعر الموالون للأسد بالقلق من العقوبات الاقتصادية، لأن النظام الدكتاتوري يستطيع دوماً تأمين الموارد حتى لو تراجعت كمياتها. سبق أن فقد الأسد دعم معظم رجال الأعمال السوريين، لكن اتخاذ الصراع منحىً عسكرياً لا يطرح تهديداً حقيقياً على النظام في هذه المرحلة، بل إنه مجرد وضع مزعج، لكن قد يتغير الوضع إذا نشأت حرب عصابات.
في النصف الثاني من السنة الماضية، بدا وكأن الأسد يواجه تحالفاً دولياً نافذاً جداً، فقد شمل المملكة العربية السعودية وقطر والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا، لكن سرعان ما تبين أن جميع تلك الجهات كانت تفضل إسقاطه شرط أن تتولى جهة أخرى تلك المهمة. تحدث البعض عن إنشاء “ملاجئ آمنة” على الحدود الأردنية أو التركية، لكن لم يظهر الأردن ولا تركيا حماسهما لتنفيذ تحرك قد يجرّهما إلى صراع مسلح مباشر مع سورية. قال ملك الأردن عبدالله إنه لا يعارض إنشاء “ملاجئ آمنة” طالما تبقى بعيدة عن الأردن. في المقابل، تناست تركيا تلك الفكرة لأنها خشيت الانجرار إلى صراع إقليمي سني شيعي قد يدفع إيران إلى الانتقام من تركيا دفاعاً عن حليفتها السورية.
بذل المحتجون السوريون كل ما بوسعهم لإقناع الجميع باحتمال تكرار الاستراتيجية الليبية في سورية، وها هم يتعرضون لانتقادات كثيرة الآن بسبب انقسامهم وافتقارهم إلى القيادة، ولكنهم يشعرون على الأرجح بأنهم لا يملكون خياراً آخر. بدأت الانتفاضة مع طبقة الفقراء في سورية، ولكنها توسعت لتشمل الطبقة الوسطى في الصيف الماضي. غير أن لجوء النظام إلى القناصة وفِرَق الموت زاد خطورة الاحتجاجات الشعبية فتراجع نطاقها في الأشهر الأخيرة (ساهم وصول فريق المراقبة من جامعة الدول العربية في تجدد الاحتجاجات الشعبية). نادراً ما يلوح المحتجون الآن بأغصان الزيتون ويهتفون بأن تحركهم سلمي. هكذا استفاد النظام من تحول الحركة الاحتجاجية إلى حركة مسلحة ومن تزايد الانقسام الطائفي. لا تُضعف الطائفية المعارضة داخل سورية فحسب، بل إنها تقسم التحالف الذي يدعمها في الخارج. في هذه السنة الانتخابية، لا يهتم الناخبون الأميركيون بهوية من يحكم سورية بل إنهم يهتمون كثيراً بتنظيم “القاعدة”.
من المتوقع أن يركز باراك أوباما في حملته الرئاسية على أن إدارته هي التي قتلت أسامة بن لادن وأصرّت (على عكس الرئيس بوش) على التخلص من منفذي اعتداءات 11 سبتمبر. لا يريد البيت الأبيض تجدد مظاهر الحياة في “القاعدة”، لذا شعر بالقلق من تعزيز دورها في سورية. في الأسبوع الماضي مثلاً، أعلنت جماعة مستوحاة من “القاعدة”، اسمها “جبهة النصرة لأهل الشام”، مسؤوليتها عن تفجيرين انتحاريين في دمشق أسفرا عن مقتل أكثر من 24 شخصاً. ذكر بيان “جبهة النصرة”: “نطالب النظام السوري بوقف مجازره ضد أهل السنّة وإلا فإنما عليك إثم العلويين. والآتي أعظم بإذن الله”.
لن يسقط النظام السوري من دون حصول تغيير جذري في ميزان القوى، ويُعتبر تعيين أمين عام الأمم المتحدة السابق كوفي عنان مبعوث سلام من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية مجرد محاولة ظاهرية لإخفاء فشل خصوم النظام حتى الآن. إنها أخبار سيئة بالنسبة إلى الشعب السوري الذي يواجه حرباً أهلية وحشية ومطولة كتلك التي شهدها لبنان خلال السبعينيات والثمانينيات.
The Independent
ترجمة الجريدة الكويتية