محاولة اغتيال فاشلة للجبهة الجنوبية/ فداء عيتاني
حين فتح أبو أسامة الجولاني عينيه بعد تعرضه للإصابة سأل من حوله «هل سقط تل الحارة؟»، ووصله الجواب «لا، لا يزال صامداً» فاغمض عينيه ولكن هذه المرة ليرتاح فقط وليس ليعود إلى فقدان الوعي.
يوم الثلثاء العاشر من آذار (مارس) ٢٠١٥ وفي الرابعة بعد الظهر كان أبو أسامة قد وصل منذ حوالي ربع ساعة إلى مقر سري للجيش الأول المنضوي في إطار الجبهة الجنوبية للجيش الحر، حيث يفترض أن يلتقي ببعض المساعدين، حين وقع الانفجار، مدمراً المبنى من منتصفه.
جرح أغلب الموجودين، وواقع أن المنطقة بعيدة عن مواقع الجيش الأول وتشكيلات الجبهة الجنوبية الأخرى منع أي تدقيق في المنطقة أو في المباني المطلة بحثاً عن المرشد الأرضي للطيران الذي نفذ الضربة. إلا أن ضربة من الطيران بهذه التقنية، مع صاروخ موجه، وبعد ربع ساعة فقط على دخول أبو أسامة الجولاني إلى مقره تشير بلا لبس إلى أن ثمة إعداداً جيداً للضربة، مع وجود مرشد أرضي لعملية الإغارة، تكفل بإعطاء المعلومات الأولية التي انطلقت الطائرة على أساسها، وأكد الإصابة بعد حصولها.
«لقد تم اختيار هذا الموقع تحديداً لقربه من مناطق الجولان المحتل»، كما يقول أبو أسامة، «حاولنا الاستفادة من الغطاء المضاد للطائرات الذي توفره قوات الاحتلال الإسرائيلية»، ولكن هناك شيء ما حصل وأدى إلى وقوع الغارة وإصابة أبو أسامة الذي تمكن من محادثتنا من مكان ما داخل سورية بعد تحسن وضعه الصحي.
في شهر أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤ كانت طائرة سورية من طراز «سوخوي» تحلق قريباً من المناطق المحتلة في الجولان السوري، وأسقطتها الدفاعات الإسرائيلية المتمركزة هناك، ويومها أعلن عن خرق للمجال الجوي «الإسرائيلي» ثم أعلن أن الإسقاط تم عن طريق الخطأ، في رسالة تحذير واضحة من اقتراب الطائرات السورية من المناطق التي تسيطر عليها القوات الإسرائيلية.
وهو الأمر الذي حدا بقيادات في الجبهة الجنوبية للمعارضة للاستفادة من المظلة الجوية والاقتراب من المناطق المحتلة للاحتماء من القصف العشوائي بالبراميل المتفجرة الذي ينفذه الطيران السوري.
ولاحقاً في كانون الأول (ديسمبر) عام ٢٠١٥ نفذت إسرائيل ضربة أخرى عابرة للحدود فقتلت الجنرال الإيراني محمد علي دادي وقادة من حزب الله اللبناني منهم جهاد مغنية ومحمد عيسى، ولم تتحرك أي دفاعات سورية، أو تطلق أية صواريخ مضادة للطائرات في مواجهة الخرق الجوي.
الاستنتاج البديهي أن هناك سيطرة إسرائيلية كاملة على الأجواء في المنطقة، وأن تحليق الطيران السوري بحال حصل قريباً من الحدود سيتعرض للرد الإسرائيلي المباشر. وبكل الأحوال فهو أمر مكرس منذ نهاية حرب عام 1973.
إلا أنه وفي يوم العاشر من شهر آذار أغارت الطائرات السورية على موقع الجيش الأول، ولم تتعرض لأي رد إسرائيلي.
هناك من يشير إلى موافقة إسرائيلية ضمنية على التخلص من القائد العسكري للجيش الأول، والشخصية الأبرز، أبو أسامة الجولاني، أو النعيمي كما تفضل أن تسميه وسائل إعلام النظام السوري والمؤيدة لها.
وما أن مضت ساعات على الضربة الجوية، حتى انتشر الخبر بين وسائل الإعلام الموالية للنظام في سورية ولبنان، وحكي عن غرفة عمليات وتنسيق ووجود ضابط ارتباط إسرائيلي في اجتماع كان يعقد هناك، ووجود ضباط أجانب من مركز إدارة العمليات العسكرية (MOC) الذي ينسق جهود الدول الداعمة للثورة السورية.
وتحدثت معلومات هذه الصحف عن نقل عشرات من الجرحى إلى إسرائيل وإلى الأردن، واحتفلت وسائل إعلام النظام ومؤيديه بمقتل أبو أسامة، وأكدت مقتل مساعد أبو أسامة، وغيره من الضباط والقادة.
«لم يكن هناك تعاون مع إسرائيل ولا بأي شكل من الأشكال، بل رفضنا أي اتصال بالإسرائيليين، وربما هذا سبب غض نظر الإسرائيليين عن غارة الطيران، أو ربما هو أكثر من غض نظر». يقول أبو أسامة.
إلا أن التشكيك بمصدر الغارة أمر غير واقعي بحسب أبو أسامة، ومن تابع إعلام النظام ومؤيديه بعد ساعات من الضربة الجوية يعلم أن هناك من أعد ملفاً كاملاً عن أبو أسامة، وعن الغارة، وعن الانتصار الجديد الذي يفترض أنه تحقق مع مقتل أبو أسامة وقيادته العسكرية.
وللمزيد من تكبير الانتصار المفترض، تم ربط الجيش الأول وأبو أسامة بإسرائيل، وبالاستخبارات الأردنية، وباجتماع هام جداً إعداداً للهجوم على مواقع النظام.
في الواقع فان الأمور أبسط من ذلك، فالحرس الثوري الإيراني يحضر لهجمة جديدة في جنوب سورية، ويعد عدته لعملية واسعة يفترض أنها ستضع قواته على الحدود مع الأردن، وبمواجهة الجيش الإسرائيلي لمنعه من ضرب بلاده مع انتهاء المفاوضات النووية مع الولايات المتحدة. وإحدى أهم العثرات بمواجهة تقدمه هي الجيش الأول وألوية سيف الشام وباقي تشكيلات الجبهة الجنوبية.
ففي شهر شباط الماضي تعرض الحرس الثوري لضربة موجعة مع مقتل قادته الميدانيين في الهجوم على ما بات يعرف بمثلث الموت (المثلث الرابط بين ريف دمشق والقنيطرة ودرعا) وتكبد خسارة كبيرة، وبقيت جثث الإيرانيين واللبنانيين والأفغان في الأراضي الزراعية أسابيع قبل رفعها. ثم تعرض لانتكاسة أخرى لدى مشاركته النظام السوري في الهجوم الشمالي باتجاه الحدود مع تركيا.
هذه المرة يحاول الحرس الثوري تمهيد الطريق عبر التخلص من قياديين رئيسيين في المواجهة، وإزاحتهم من طريقه قبل إرسال قواته العسكرية في مهمتها لاجتياح مناطق سورية جديدة.
«لقد قلنا لهم سابقاً إن المعركة معنا ستكون مكلفة، فلم يصدقوننا، وقلنا لهم بعدها إنهم سيواجهون حرب عصابات في كل متر يتقدمون فيه، وأيضاً لم يصدقوننا، واليوم نقول لهم إن قتل قائد أو اثنين لن يغير في الأمر شيئاً، سنبقى نرفع لواء الجيش الحر، وسنبقى نقاتل، مات من مات وعاش من عاش» يقول أبو أسامة الذي يتماثل اليوم للشفاء وبدأ بمعاودة نشاطه.
الحياة