محاولة توثيق لحياة غير مؤكَّدة: منذر مصري
منذر مصري
1ـ أسير ما أخذت
ـ قلت لصديق: سأسافر. ضحك وقال لي: إذن ستهرب.
ـ نعم كنت أحيا.. كنت أحيا في الموت، ولدت ونشأت وكسوريين كثيرين، أحببت وتزوجت وأنجبت أطفالاً، في الموت. لكني يوماً لم أرغب أن أحيا خارجاً. كنت دائماً على قناعة أن الحياة هنا مأثرة. فما بالك اليوم.
ـ كنا نحيا في الموت، الآن ونحن نخرج من رحمه يلف على رقابنا حبله السري.
ـ كل ما عشت لأجله، كل ما بنيته، كل حياتي، هنا. لا أظنُّني أصلح للموت في مكان آخر.
ـ اكتشفت علاقة بين خوفي من الموت وكرهي للسفر.. كلاهما بسبب البخل! هذه هي حقيقة. شيء كريه بالنسبة لي أن أغادر إلى أي مكان وأترك كتبي ورسومي ومجموعة أسطواناتي.
ـ صحيح.. عادتي الأخذ، ولكني أسير كل ما آخذه.
ـ قالت لي صديقة حطت مع أهلها في القاهرة: منذر، أفتقد كل شيء، أفتقد ثيابي الداخلية.
ـ أفكر بالسفر، (لم يبق إلا أنت وخالد خليفة) قالت لي رنا. لكن أكثر ما أخافه هو أن أموت وأُدفَن في مكان غريب.
ـ قلت له: كنت آمل أنك ما زلت في حمص. أجابني: منذر.. في حمص لم يبق شيء.
ـ لا معنى أن تحيا في مكان، لا معنى أن تموت فيه.
ـ عندما سافر مصطفى، قلت له: غيابك تدريب على الموت.
ـ كرنين هاتف يصلك من البيت المجاور.. ولا يجيب عليه أحد.
ـ أونغاريتي: (كن متأهباً لأي رحيل).
ـ لا أفعل شيئاً، أحيا كشاهد.. واجبي إذن ألاّ أكون شاهد زور.
ـ سألتني لماذا لا تسافر؟ أجبت: بسببك، كيف أسافر وأنتِ باقية. قالت: ولكنك بالكاد تعرفني. قلت: أرجوكِ، لا تأخذي جوابي على محمل شخصي. ليس بالضرورة أنتِ بالتحديد.
ـ قال لي ياسين الحاج صالح: منذر، إبقَ، لا تفعل شيئاً، ولكن لا تسافر.
2ـ سوريا جنة الله على الأرض
ـ سوريا جنة الله على الأرض: بلغ عدد الأنفاق المكتشفة في مدينة حمص واللاذقية وبانياس والقصير وإدلب ودير الزور ما يقارب 150 نفقاً تتراوح أطوالها من 150 متراً إلى ما يزيد عن 150 كم! أكتشف في داخل أحدها دبابة معطلة.
ـ سوريا جنة الله على الأرض: قامت اليوم 3 طائرات ميغ 21 تابعة لسلاح الطيران السوري بقصف كل من مدينة دير الزور وحمص والمعرة والميادين وداريا والمعضمية. أفسر هذا غيابياً بأنه خصصت طائرة للدير، وربما طائرة لحمص والمعرة، وطائرة للميادين وداريا والمعضمية معاً!
ـ سوريا جنة الله على الأرض: نفذت القوات المسلحة سلسلة عمليات نوعية في حلب قضت خلالها على مايقارب ال/300/ مسلح في مناطق الشعار والصاخور والعويجة واليرمون.
ـ سوريا جنة الله على الأرض: وصلت القذائف الأحياء السكنية في قلب العاصمة دمشق ومحيطها. فبعد استهداف أحياء كالطلياني والعباسيين، بدأت قذائف الهاون تتساقط على منطقة المزة.
ـ سوريا جنة الله على الأرض: تم العثور على مقرات للتعذيب في حي جوبر والقصير بحمص، والرمل الجنوبي في اللاذقية، وبصرة القديمة، وأوتوستراد مطار دمشق الدولي.
ـ سوريا جنة الله على الأرض: تشتعل في سوريا ما يسمى حرب المطارات، حيث تتعرض جميعها ومنها مطار دمشق للقصف والمحاصرة ومحاولات الاحتلال. وقد صرح مصدر عسكري نظامي بسقوط /3/ آلاف معارض مسلح في معركة مطار تفتناز.
ـ سوريا جنة الله على الأرض: يقدر البعض مجموع عدد القتلى من جميع الأطراف في سوريا ب/150/ ألفاً، إضافة ل/75/ ألف مفقود. يعتقد أن /16/ ألفاً منهم ماتوا تحت التعذيب. والله أعلم.
ـ يقدر عدد النازحين في سوريا جنة الله على الأرض بخمسة ملايين سوري، ثلاثة مليون منهم نزوح داخلي ومليون ونصف خارجي. ونصف مليون غير الله لا يعلم أين هم.
ـ سوريا جنة الله على الأرض: أعلن مسلحون، بلسان العقيد أسامة، الرمز 102، تشكيل جهاز مخابرات الثورة السورية لمواجهة منظومة مخابرات النظام!
سوريا جنة الله على الأرض: يشاع أن العالم ينتظر أن يصل عدد القتلى في سوريا إلى /5/ مليون حتى يسمح بالتدخل الخارجي. ليس سهلاً على قلب العالم قصف الجنة بطائرات الناتو.
3ـ عن الطيور والبشر
ـ كم الإنسان ناقص، ردد هذا بصوت مسموع وهو يتأمل طيوراً بعيدة تعبر الأفق.. كم الإنسان ناقص، ليس لديه أجنحة.
ـ خلاف ذكور الطيور والضفادع، الرجل يصدح بوجود أنثاه.
ـ أنا لم ارسل لكم طيراً، بل جئتكم بنفسي على شكل طير.
ـ أنت طائر بأربعة أجنحة.. قالت لي.
ـ احضري لي ما تلتقطينه من عصافير، أنا من لديه الأقفاص.
ـ جئنا جميعنا من مخاط.
ـ كل ذي عاهة جبار. وأنا لدي ألف عاهة.
ـ جميعنا أنبياء، جميعنا عملاء مأجورون لرب ما.
ـ أهدتني وردة أهديتها بلبلاً.
ـ تناديني وكأنها تنادي طيراً.
ـ يرافق إصغاؤهم تغريد حشرات.
ـ كنت أحيا في فمي، كان فمي عصفوراً.
ـ أنا وعصفور تشاركنا أكل كرزة.
ـ لا يهمني أي نوعٍ من الطيور أحب أن أكون. سئمت الالتصاق بالأرض.
ـ كلما رأيتِ غراباً طائراً تذكريني.
4ـ خبراء توثيق الحياة
صلاح سواس: فوق 18 سنة… الحرية عادة يومية وليست عادة سرية.
محمد هير: وحش السماء ينتظر عذراءه، وهو غاضب جداً. ماذا تظنونه سيفعل إن عرف أنها في سريري؟
رزان زيتونة: خبراء توثيق الموت لا يبكون.
هالا محمد: المطر في باريس.. والرّعد في سوريا.. والصاعقة في بيروت.
كريم العفنان: سيكون الله أول المستفيدين من سقوط هذا النظام.
نجوى هدبة: لمن تسطع الشمس إن لم يستيقظ أحد؟
زين الباشا: إلى الملاجئ والأقبية يا أهل دمشق، الليلة ليلة موت في جنوب العاصمة.
ثائر نعيمة: أرشُّ الأرض بالكحول، ترنَّحي مثلنا أيتها المتعبة.
منتهى محمد: لم تصبح الجنة جنة إلا بعد أن طردنا منها!
رنا سفكوني: وكنت أربط خطاي إلى خطاهم، فإن ذهبوا.. ذهبت معهم، وإن عدت.. عادوا.
رائد وحش: أخذوا أسماءنا عند الحاجز.. لذا لم نعد نعرف من نحن.
أحمد بغدادي: ميغ ـ اسم بلا ريش ـ ريشه يدفئ الأعداء.
إيمان جنسيز: مصطفى كرمان مات أميراً في حديقة قصره.
تمام الهنيدي: كلانا طلب من الآخر.. حاول ألاّ تنفجر في غيابي، عدني أن ننفجر معاً.
أحلام طاهر: في كل مقاهي حياتي كنت مع صديقة حزينة بسبب رجل.
عتاب لباد: بدون مبالغة وبدون استدراج عواطف، أكلت خبزاً عليه عفن أخضر.
عمار حاج أحمد: لمن أحب، خمس رموش في كل عين.. فقط للأرجحة.
مها فاضل: إذا سقطت حمص.. يجب أن تسقط السماء.
أكرم قطريب: هل من نبوءة بشأن دمشق؟
5ـ فشيفشيات
ـ أبو عمر: الشغلة يا أخي صارت وصارت.
ـ ما أن سبحنا بعيداً عن الشاطئ حتى قال علي تيزني الملقب بالبطة: خطؤه.. خطؤه الكبير.. رفع سعر المازوت.
ـ سؤالي: إلى متى كان يظننا سنبقى سعيدين بأن نرتع في ذلك الوحل؟
ـ البراميل يا أخي، ألا تستطيع اعتبارها اختراعاً عبقرياً جحيشياً؟
ـ التشبيح صفة سورية بامتياز، ربانا عليها حزب البعث لمدة نصف قرن، لهذا السبب قبِل الشبيحة باسمهم بكل ممنونية وتباهوا به. ولكن هناك معارضين شبيحين، وأعترف أني، مرات، ضبطت نفسي أشبَّح مثل كل سوري أصيل.
ـ قلت له، تقضي ساعات على الشاطئ، لماذا لا تسبح؟ أجابني: الدنيا رمضان يا أخي. قلت: حتى لو، ها هو الشيخ صلاح يسبح. أجابني: ولكن ألا يدخل الماء في الأذن؟
ـ عندما صاحت مصعوقة: أنت كبير جداً. وجدتني مضطراً أن أردد أمامها قولي الشهير: ولكنك يا عزيزتي، مثلي تماماً، من مواليد القرن الماضي.
ـ سؤال: هل يستطيع الطباخ أن ينجو بفعلته بالإختباء بالفرن؟
ـ من ناحية المؤتمرات والهيئات والمجالس والتيارات والمنابر واللقاءات والحركات والروابط والتآلفات والتحالفات، وهلق يمكن جايينا الحكومات المؤقتة والانتقالية وو و.. بصراحة لازم نعترف أن المعارضة ما قصرت.
ـ لا يرى في المتظاهرين من يمثّله.. ليس أهل العوينة والصليبة وبستان السمكة وبستان الصيداوي والسجن والرمل الجنوبي من يمثله. يقول. بالنسبة لي لا أجد سواهم من يتقدَّم ليفعل ذلك.
ـ يردد البعض أن التظاهرات في اللاذقية اقتصرت على الفقراء من الأحياء الشعبية. وهذا ليس صحيحاً على الإطلاق، ولكن متى لم يكن الفقر وساماً؟
ـ منذ فترة ليست قليلة، أبطلت قراءة البيانات، ومتابعة التصريحات، حتى مشاهدة برامج الحوارات. مع احترامي للجميع، أرى أن ما يجري على الأرض يقول بالفم الملآن واللسان الفصيح كل شيء.
ـ قال لي: دعك من كل هذا.. انظر إلى حيث تشرق الشمس.
نظرت فإذ بالشمس على حافة الأفق تهم بالمغيب
ـ اللاذقيَّة
المستقبل