صفحات الثقافة

محمّد بكري إلى العرب: ثورتكم موز

هـ. ح.

الممثل والمخرج الفلسطيني محمّد بكري صدم الكثير من مواطنيه أخيراً بفيلم قصير من نحو ثماني دقائق سمّاه “يرموك”، أخرجه بنفسه استناداً الى سيناريو لإبنه صالح بكري. هذا الفيلم اعتبره عدد من الفلسطينيين، وفي مقدمهم المخرج نصري حجاج، مهيناً لهم ومحقّراً لشعبهم ومستخفاً بمعاناتهم، وجرت المطالبة برفع عريضة تطالب الممثل الشهير بالاعتذار عن الرسالة التي يحاول الفيلم إيصالها وتعميمها، وهي رسالة تشّوه، على قولهم، حقيقة ما يجري في المخيّم المحاصر، وتختصر “الكارثة التي يعيشها الشعب الفلسطيني من حصار وتقتيل وإعتقالات وتجويع”.

ولكن، ماذا يوجد في هذا الفيلم تحديداً؟ يصوّر بكري بالأبيض والأسود مشروعاً بدا عائلياً (نحو 14 من آل بكري يطلّون في جنريك العمل)، عائلة فلسطينية من ستة أولاد ووالدين يعيشون في مخيم اليرموك. بعد أن تمر الكاميرا على وجوه كلّ واحد منهم فرداً فرداً وهم جالسون في غرفة تسيطر عليها العتمة، نرى الأب (بكري) يصطحب ابنته غير البالغة الى حيث يلتقي رجلين في سيارة مرسيديس فخمة. يترجل السائق من السيارة، في حين يبقى الآخر، الخليجي الملبس، في السيارة. يقترب السائق من الأب وابنته، طالباً من الأخيرة ان تفتح فمها وتبرز أسنانها، ثم يذهب الى السيارة ويعود مجدداً ليعطي الأب ما يُفترض انه مبلغ من المال. يعترض الأب على المبلغ الذي يتلقاه (نصف ما جرى الاتفاق عليه)، فيقول له السائق انه لم يجر التوافق على “أسنان خربانة”. تترجل الصبية من السيارة بعد أن ترمي على والدها نظرة عتب خاطفة. تبتعد السيارة عن المنطقة المعزولة، وتبقى الكاميرا على وجه بكري الغارق في الظلام، ونراه يذرف بضع دمعات. ثم، يعود الى المنزل ومعه أكياس معبأة بالفواكه. أحد الأبناء يلتقط موزتين ويلعب بهما، استعداداً لأكلهما.

بهذا الفيلم الاستفزازي، فتح بكري على نفسه أبواب الجهنم، كما يقول أحد المعلقين. فمن جانب انهالت عليه الشتائم واتهامات التخوين والتسفيه، ومن جانب آخر نُشرت بعض المقالات الرصينة التي تأخذ على الفيلم ميوعته ووقوعه في الكليشيه (صورة الخليجي المتعطش للجنس) وفي لامنطقية ان يختار الأب إطعام أولاده الفواكه وهم يعانون من الجوع، وعناصر اخرى لا تركن الى العقل. وذهب بعضهم حتى الى اعتبار الفيلم يلمّع صورة النظام. أياً يكن، فإن بكري تجاهل الحصار والجوع والقصف المفروض على مخيم تحول رمزاً للصمود، وصرف النظر عن منع ادخال المواد الغذائية والمساعدات الانسانية اليه، ما ادى الى كارثة انسانية ولدت منها الصورة المأسوية الشهيرة التي نرى فيها الألوف ينتظرون دورهم لتلقي المعونات والمواد الغذائية. بدلاً من ذلك، ذهب مباشرة الى النتيجة، ما أحدث لغطاً وغضباً عارماً، هذا اذا اعتبرنا ان لا سوء نية خلف هذا العمل الذي يهديه بكري الى “الأمة العربية”!

لا شكّ ان بكري استعجل في انجاز فيلم عن اليرموك، هذا اذا صحّ القول ان الفيلم عن المخيم أصلاً. مهما يكن، فهو اخطأ في تسمية الفيلم “يرموك”، مختصراً مأساة الفلسطينيين بأب يبيع ابنته من دون النظر الى ابعد من ذلك، وقافزاً فوق الأسئلة الجوهرية، ومن دون ان يدرج الحكاية في سياقها الاجتماعي والسياسي الصحيح، ليفهم المشاهد عمّا يتكلم. الفيلم بدا اثارة رخيصة غير موفقة، خطابه ركيك والمحتوى ارعن، وهذا ما اوصله الى مكان اعتبره بعضهم إهانة. علماً اننا، في المقابل، علينا في هذه المنطقة من العالم، أن نتقبل صورتنا المطروحة على الشاشة، مهما تكن سيئة وغير مشرّفة. سقط بكري في فخّ الاستعجال وإعلان المواقف، من دون ان يعرف بالضرورة التفاصيل التي يجب ان تحوط بكل عمل فني يستحق ان يسمّى كذلك.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى