صفحات العالم

محنة الفلسطينيين في سورية


رأي القدس

يبدو ان قدر الفلسطينيين في البلدان العربية ان يتعرضوا بين الحين والآخر الى محن حقيقية، تتراوح بين المضايقات في سبل العيش والاقامة وهضم الحقوق الانسانية الاساسية، وتمتد حتى تصل الى مجازر دموية مثلما حصل في العراق ولبنان واخيرا في مخيم اليرموك في سورية.

سقوط حوالى 20 فلسطينيا قتلى في مخيم اليرموك ليس بالرقم الكبير بالمقارنة بسقوط عشرين الف سوري حتى الآن ومنذ اندلاع الانتفاضة معظمهم على يد قوات النظام، ولكنه رقم ينطوي على معان ودلالات سياسية وانسانية كبيرة.

معظم الفلسطينيين فضلوا الوقوف على الحياد في سورية منذ اندلاع انتفاضتها السلمية ومن ثم المسلحة المطالبة باسقاط النظام، وهذا الحياد لم يرض الحكومة التي عاملتهم مثل كل الحكومات السابقة، معاملة السوريين في جميع الحقوق والواجبات باستثناء التجنيس. كما انه اغضب المعارضة التي ترى ان الشعب الفلسطيني الذي فجر واحدة من اعظم الثورات في المنطقة يجب ان ينحاز الى جانب معظم الشعب السوري الذي يعاني من الظلم والاضطهاد بل والقتل لانه يطالب بابسط حقوقه في الكرامة والعدالة والحريات باشكالها كافة.

القتلى الفلسطينيون سقطوا في قصف على مخيم اليرموك بمدافع الهاون، وما زال مصدر هذا القصف مجهولا حسب رواية وكالات الانباء الاجنبية، ولكن ما هو معلوم ان كل طرف من طرفي الصراع يريد ان يكون الشعب الفلسطيني الى جانبه، ومن المحتمل ان يكون هدف هذا القصف هو انهاء حياد هذا المخيم الفلسطيني الذي جنبه حتى الآن اعدادا اكبر من الخسائر، وان كان لم يجنبه كراهية الجانبين.

مخيم اليرموك الفلسطيني يقع الى جانب حي التضامن الذي شهد اشتباكات دموية بالمدفعية يوم امس بين الجيش السوري الحر والقوات النظامية التي تريد السيطرة عليه وابعاد المسلحين المعارضين منه، وهو يشكل مخزونا بشريا هو الاضخم من حيث الكثافة السكانية في كل سورية، ويتواجد فيه حوالى 150 الف لاجئ، هذا غير عشرات الالاف من السوريين انتقلوا اليه من الضواحي والارياف، وعاشوا بين ابنائه في انسجام، ولا يوجد فرق اساسا في الشكل او المعاملة بين الجانبين فكلهم ‘شوام’ في نهاية المطاف وينتمون الى سورية الكبرى.

الروايات تتعدد، فالسلطة الفلسطينية في رام الله اتهمت على لسان السيد ياسر عبد ربه احد المتحدثين باسمها الجبهة الشعبية القيادة العامة برئاسة السيد احمد جبريل بالوقوف خلف هذه المجزرة بعد خروج مظاهرة تندد بها وزعيمها بسبب دعمه للنظام السوري. بينما قالت وكالة الانباء السورية الرسمية ‘سانا’ ان مجموعة ارهابية مسلحة استهدفت المخيم بقذائف هاون من حي التضامن المجاور.

الفلسطينيون ليسوا افضل حالا من مضيفيهم السوريين، ولا تمييز بين القتلى عندما تغرق البلاد اي بلاد في الفوضى والصدامات المسلحة، ولكن المشكلة تكمن في محاولة الزج بهؤلاء اي الفلسطينيين، وهم ضيوف، في صراع داخلي لا يريدون او معظمهم التورط فيه، او الانحياز الى هذا الطرف او ذاك، حتى لا يدفعوا ثمنا باهظا في مرحلة لاحقة بعد حسم الامور.

الكويتيون اتهموا الفلسطينيين بدعم نظام الرئيس العراقي صدام حسين وغزوه لبلادهم عام 1990 واستخدموا هذا الاتهام كذريعة لابعاد حوالى 400 الف فلسطيني، الغالبية الساحقة منهم وقفت على الحياد وهم من مؤيدي الحكم الكويتي والمتعاطفين مع الكويتيين في الباطن، وحيادهم كان لتجنب اي موقف نزق وانتقامي من القوات العراقية التي لم تقبل الحلول الوسط.

ومن المؤسف ان الكثير من الفلسطينيين تعرضوا للقتل والتعذيب من الميليشيات الكويتية العائدة بعد اخراج القوات العراقية من بلدها، وتكرر الشيء نفسه من ميليشيات عراقية طائفية بعد اسقاط النظام العراقي على يد قوات الاحتلال الامريكي.

السوريون والعراقيون والكويتيون واللبنانيون يستطيعون في معظم الاحيان ان يفروا بارواحهم الى دول الجوار في اثناء الحروب والازمات، ولكن الانسان الفلسطيني يجد ابواب دول الجوار وخاصة الاردن مغلقة في وجهه باعتباره لاجئا غير مرغوب فيه، والامثلة كثيرة في هذا المضمار ولا مجال هنا لمناقشة الاسباب.

المنطق يقول بانه يجب على النظام والمعارضة في سورية احترام وضع اللاجئين الفلسطينيين وعدم ممارسة اي ضغوط للزج بهم الى جانب هذا الطرف او ذاك في الصراع الحالي، ولكن متى كان المنطق يسود في البلدان العربية خاصة عندما تكون انظمة مهددة بالسقوط او شعوب مهددة بالفناء؟

رحم الله القتلى الفلسطينيين والسوريين معا، فهم ضحايا ابرياء في نهاية المطاف في حرب لم يختاروها او يريدوها، وتحولت الى حرب بالوكالة بين دول عظمى، بعد ان بدأت انتفاضة سلمية للمطالبة بحقوق مشروعة في التغيير الديمقراطي.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى