مخاوف مشروعة/ ميشيل كيلو
خاطبني قائلاً: أنا من أمن الثورة، وأريد إخبارك بما يجهله السوريون، عسى أن تعلمهم بما عليهم معرفته. قلت: هات ما عندك. قال: هناك معلومات تثبت أن النظام يبلغ “داعش” بمواعيد وأماكن الضربات التي تسدد إلى المناطق المحررة وإليه في العراق، كي لا يفقد مقاتليه، بينما يقع استهداف المدنيين وتدمير مقومات وجودهم بطرق منهجية.
ليست هذه المعلومات صحيحة، لكن تصديق السوريين لها يعكس حالهم الروحية والنفسية التي تجعلهم يقبلونها دون اعتراض، بعد أن نشأت فجوة يصعب ردمها بينهم وبين عالم محضوه ثقتهم طوال سنوات، وآمنوا بأنه سيحميهم، لأن قادته لن يسمحوا بتكرار مجازر، كالتي وقعت عام 1982 في حماه. لذلك، فإن حل النظام العسكري سيكون محدوداً، لن يتجاوز خطوطاً حمراء رسمت له، ستمكنهم من المضي في ثورتهم، في ظل حماية دولية تغطيها مؤسسات الأمم المتحدة التي يدعهما “العالم المتحضر”، ويستحيل أن تتجاوزها روسيا أو إيران، أو أن يخترقها النظام الأسدي، فيعرّض نفسه لمخاطر وجودية. بمرور الأيام، أقنع عنف النظام واليأس من العالم السوريين بأنهم ضحايا مؤامرة دولية، تشارك فيها أطراف مختلفة، من النظام السوري إلى الدول العربية والإسلامية إلى إسرائيل وإيران، والغرب والشرق، إلى مؤسسات الشرعية الدولية، كمجلس الأمن الدولي.
أنتجت فجوة الثقة ظاهرتين: إحداهما شعور بالإحباط واليأس، سببه الاعتقاد المتعاظم بوجود المؤامرة التي سبقت الإشارة اليها، وينفرد بإدارتها باراك أوباما الذي يستمتع بالفرجة على الشعب السوري، وهو يذبح من الوريد إلى الوريد، على الرغم من قدرته على وقف المذبحة بإشارة من إصبعه. والأخرى الإصرار على مواصلة الثورة، ورفض الاستسلام للإحباط واليأس، ليس فقط لأنه لم يعد لدى السوري العادي ما يخسره، بل كذلك لأنه يخشى أن تحل إبادته بالجملة محل موته بالمفرق، الذي يمكنه من قتل أعداد متزايدة من أعدائه الداخليين وحلفائهم غزاة ومرتزقة الخارج، فلا يبطل موته التدريجي أمله في الانتصار، في حين يعني إقلاعه عن المقاومة موت رهانه على الحياة.
هذا الواقع النفسي والروحي يفسر شراسة المقاومة التي يمليها على السوريين العاديين اليأس والخوف من القتل على يد نظامٍ يبيدهم، دون أي رادع دولي، أو وازع وطني أو إنساني؟ وهو يفسر، أيضاً، شدة العنف الذي يثير احتدامه المتصاعد ذهولنا، ويطرح علينا أسئلة تحيّرنا وتحرجنا حول هوية من يمارسونه حتى ضد مواطنيهم الأبرياء؟ وهل هم حقاً مواطنونا الذين كانوا يقاسموننا العيش، وكنا نعتز بأخلاقياتهم وخصالهم الحميدة، ونرى فيهم مواطنين مسالمين، متحابين نفخر بانتمائنا إليهم؟
لا جدوى من المواعظ الأخلاقية حول مخاطر العنف على شعبنا الذي ألقي به بطريقة منهجية إلى هاويته، ودون أن يجد من ينتشله منها، أو يحول بينه وبين التخبط فيها، وإلا ما معنى قطع مياه عين الفيجة عن مواطني دمشق العطاش والجياع الذين ليسوا محاربين مع النظام، أو أعداءً للثورة؟ وما الضرر الذي يحل بالنظام، نتيجة قصف مدارسهم ومنازلهم، وقتل أطفالهم بالهاون بين حين وآخر، بينما تبقى مرافق الأجهزة والنظام في منأى عن القصف والتدمير؟
ليس هناك ما يضعف الثورة أكثر مما يضعفها العنف الفوضوي الذي يمارسه ثوريون زائفون أو حقيقيون، ويكون دوماً بلا هدف غير إلحاق الأذى بالآخرين، بغض النظر عما إذا كانوا من أجهزة النظام أو من الشعب. حين تصل الثورة إلى هذا الدرك، يكون مصيرها الفشل كثورة. هل هذا ما يريده السوريون؟
العربي الجديد