صفحات الثقافة

مختارات لتشارلز سيميك

 

 

 

نيويورك في ثمانية أجزاء/ تشارلز سيميك

ترجمة: أماني لازار

«تعلم الحلاقة واكسب المال»، قالت اللافتة. أعمى كما هو حالي عندما أكون بدون نظارتي، قص الحلاق المتمرن نصف شعري بآلة حلاقة كهربائية، تاركاً فقط خصلة واحدة عند الجبهة، قبل أن أدرك ما كان يحدث لرأسي. ربما كانت لديه رؤية في حلاقة الشعر تسبق زمنه بعقود. لكني أصبت بذعر شديد.

وحالما دفعت الخمسة والثلاثين سنتاً المترتبة علي، هرعت عبر الشارع إلى متجر فرع كلين واشتريت قبعة (بيريه)، ارتديتها في الشهرين التاليين مشدودة على أذني. لقد كان الفصل صيفاً والجو حار ورطب كما هي العادة في نيويورك، لكن لم يكن لدي خيار. أيضاً ارتديت نظارات داكنة لأمنح لنفسي مظهراً «ظريفاً»، لولا أن موسيقيي الجاز لم يكونوا ليخرجوا إلا من بعد حلول الظلام لكنت نافستهم، في حين كان عليَّ الحضور إلى العمل كل صباح في مخزن شركة للنشر حيث كان أي شخص يراني ينفجر ضاحكاً على مدى أيام.

قال لي رجل مسن في البار:

كنت في كل ليلة من ليالي الأسبوع أتعشى إما في الـ «موروكو» أو «نادي ستورك» برفقة بعض نجوم السينما، حيث كان كبير الندل يشعل لي سيجاري الهافانا وينظر إليَّ بحسد كل شخص في المكان. مرة استحممت بلوح صابون كانت آفا جارنر قد استعملته للتو.

«لا أظنك تعي ما أقوله يا ولد»، تابع غاضباً. «أنا كنت مالكاً لناطحة سحاب ولخيول سباق في الأيام الخوالي».

عند تقاطع الجادة الخامسة والشارع 13 على مبعدة مبنى واحد عن المكان الذي عشت فيه في الستينيات، كانت هنالك صالة للسينما تعرض الكثير من الأفلام الأجنبية. كنت آوي إلى السرير ليلاً أدور متقلباً غير قادر على النوم، وأدرك أنه لا يزال لدي الوقت لمشاهدة العرض الأخير. أقفز من السرير، ارتدي ثيابي سريعاً، وأنطلق. منذ دقيقة واحدة كنت بين الأغطية قلقاً بشأن إيجار الشهر القادم، وفي الدقيقة التي تلتها كنت أشاهد بعض الأفلام الفرنسية، اليابانية، أو الهندية. إذا ما كانت واحدة من ليالي بداية أو منتصف الأسبوع فستكون الصالة فارغة تقريباً، وبسبب شعوري ببعض النعاس، فإن الفيلم الذي أشاهده سيكون كما لو أن حلماً قد تراءى لي، وحالما ينتهي ينصرف الجميع، أتذكر الخروج من البهو الفارغ في الساعة الواحدة صباحاً مرتدياً منامتي تحت معطفي المطري، ولأجد أن بوصة أو بوصتين من الثلج قد انهمرت في تلك الأثناء.

خطرت لي في أحد الأيام فكرة أنه يتوجب عليَّ قراءة قاموس أكسفورد اللاتيني الضخم الذي تركه المستأجر السابق في شقتي. كان تقريباً بسماكة قدمين ولا بد أنه يزن خمسة عشر رطلاً. حاولت قراءة القليل منه يومياً، وفعلت هذا على مدة بضعة أشهر. في صباح يوم سبت جلست إلى مكتبي غير حليق، أعاني من آثار الثمالة. وكنت على وشك أن أفتح غلافه عندما باغتتني فكرة رائعة، ماذا لو أبيعه؟ كنت مفلساً ووجدت أن القاموس قد يقدر بسعر خمسة عشر دولاراً أو أكثر، الذي كان يعني الكثير من المال في حينها، لقد بعت كتباً في مكتبة ستراند، لكن ما من شيء يضاهي قيمة هذا القاموس. لذا ارتديت ثيابي على عجل، ورحت أجر المجلد الثقيل وأتوقف لارتاح كل بضعة كتل من الأبنية. لم يكن هناك زبائن في المتجر. وضعت القاموس الضخم على المنضدة وانتظرت الشاب عند الصندوق كي يستدعي العجوز الذي يشتري الكتب ويثمنها من الخلف. تعارفنا بعضنا إلى بعض وأومأ لي باقتضاب ثم فتح القاموس متصفحاً إياه بسرعة وقال: ثلاثة دولارات! كنت مندهشاً، دمدمت شيئاً ما عن كونه يستحق أكثر من ذلك. هذا أفضل ما بإمكاني فعله، أجاب بحزم. كنت مغتاظاً بالطبع، لكن فكرة حمله طوال الطريق إلى البيت كانت محبطة، لذا أخذت المال ورحت تناولت فطوراً كبيراً، وأنا أشعر بالذنب حياله.

بالرغم من أن هناك ملايين الناس الذين يعيشون ويعملون في نيويورك والاحتمالات قليلة بشكل مذهل، إلا أنك قد تلتقي بشخص تعرفه في الشارع بين الحين والآخر. على سبيل المثال، التقيت مرة برجل عرفته بشكل عرضي، ثلاث مرات متعاقبة في ثلاثة أحياء مختلفة من مانهاتن، في المرة الأولى تبادلنا التحية فقط باقتضاب، وفي المرة الثانية توقفنا للتحدث والتعليق على غرابة الالتقاء ثانية بهذه السرعة الكبيرة، بعدها لم نر بعضنا على مدى سنوات، المرة الثالثة ضحك كلانا بشكل غير مريح، سائلين أحدنا الآخر عمن كان يتبع من، وسرعان ما ابتعدنا عن بعضنا البعض.

لم يكن لعمل في مكتب في شركة كبيرة في وسط مانهاتن عملا شاقاً، إذا حدث لك أن تكون واحداً من مئات موظفي المكاتب، أياً يكن المفترض على المرء عمله، فذلك اليوم يمكن إنجازه في بضع ساعات، تاركاً بقية الوقت لتبادل الحديث مع الزملاء، كانت النساء تشكل أغلبهم، نساء في منتصف العمر، تعملن في نفس المنصب لسنوات، كلهم يعرفون قصة حياة والشؤون الحالية لهؤلاء الذين في المكاتب التي بجانبهم. «كيف حال فريد؟» أحدهم سيسأل جاره. الجميع يعرف أن فريد كان صديق مارتا، التي كانت تجعله يعاني أوقاتاً عصيبة، «اوه أنت لن تصدق!» هذا الجار سيجيب، وكلنا سنتوقف عن العمل ونصغي. أو إذا لم يكن من أحد يتحدث سيقول أحدهم، «من تظنوا الشخص الذي بلغت به الوقاحة كي يدق جرس بابي الليلة السابقة؟» أصحاب، أزواج مخادعون، أمهات مستحيلات، آباء مدمنون، أطفال مشاغبون، أقرباء فضوليون، سمعنا كل شيء عنهم فيما كان له أثر عدة مسلسلات تعرض في الوقت نفسه. بالتأكيد، أحياناً الأمور تتكشف جيداً، لكن عادة بحلول الوقت الذي تنتهي فيه القصة، يهز الجميع رأسهم تعبيراً عن عدم التصديق. هل يمكنك تصديق ذلك؟ قد يقولون. عليَّ الاعتراف أن قصصهم جعلتني حريصاً على الذهاب إلى المكتب في الصباح، ولا بد أنه كان لدى زملائي الحرص نفسه. نحن لم نر بعضنا أبداً بعد العمل، لكن في اللحظة التي كنا نجلس فيها خلف مكاتبنا نصبح ودودين. بالتأكيد راتبي كان قليلاً، لكن لا يمكنك أن تقاوم الترفيه، أحببت تلك النسوة كثيراً جداً، كن حاذقات وساذجات في الوقت نفسه فيما يتعلق بالعالم، وطيبات كحفنة من البشر لم أعرف مثلها من قبل أبداً.

كان نشر انطولوجيا بول كارول «الشعراء الأميركيين الشبان» في عام 1968 حدثاً كبيراً بالنسبة لي وللشعراء الآخرين المدرجين فيها. نظمت خمس قراءات في شرفات وشقق لفنانين وكتاب مشهورين من نيويورك ليمنحوا للكتاب أقصى قدر من الدعاية. على سبيل المثال، قمت بقراءة مع مارك ستراند في استديو فرانك ستيلا الذي تم تقديمه من قبل جيمس رايت الذي تحدث بشكل وقاد عن عملنا، لكنه خلط بين أسمائنا، التي قُلبت. إذا لم يدرك الجمهور ذلك -ولمَ سيفعل طالما أنا كنا مجهولين تماماً؟ هم سرعان ما اكتشفوا عندما قرأت القصائد التي أطرى عليها رايت على أنها لستراند، وقدم تلك التي كان من المفترض أنها لي. بالطبع حيث أن رايت كان الأكبر سناً، الشاعر الأكثر احتراماً، والشخص الذي كنا من معجبيه أيضاً، لم نجرؤ على التصحيح له حينها، أو من بعد ذلك.

«الرسالة الأولى التي كتبتها كانت موجهة الى الله»، أخبرني رجل مسن على مقعد في متنزه واشنطن سكوير. أن الجنرال واشنطن كان على طابع استعمله. هل كان هناك الكثير من طوابع البريد أو ليس ما يكفي منها، تساءل. لقد سمع أنه كان هناك مخزناً في بروكلن فيه الملايين من أكياس البريد غير المرسل العائد إلى البلاد. قال يمكننا الذهاب إلى هناك الليلة مصطحبين مصباحاً يدوياً، لنبدأ بالبحث عن رسالتي، هو أراد معرفة رأيي بشأن ذلك، قلت إن الفكرة تعجبني لكني كنت تعباً جداً وعليَّ أن آوي إلى سريري. بالرغم من أني الآن، بعد كل تلك السنوات، آسف لأني لم أبق معه مدة أطول على ذلك المقعد، لأنه كان ذا روح لطيفة وبدا أنه وحيد تماماً في العالم.

كلمات

العدد ٣٠٢٦ السبت ٥ تشرين الثاني ٢٠١٦

(ملحق كلمات) العدد ٣٠٢٦ السبت ٥ تشرين الثاني ٢٠١٦

 

 

 

 

 

مختارات من شعر تشارلز سيميك

فندق الفردوس

 

 

قد لقيَ الملايين حتفَهم، وكلهم أبرياء.

 

مكثتُ في غرفتي. كان الرئيسُ

 

يخطبُ في موضوع الحرب وكأنها بلسمُ الحُبّ السحريّ.

 

كانت عيناي مفتوحتين على اتساعهما دهشةً.

 

وفي المرآةِ بدا لي وجهي

 

كطابعِ بريدٍ خُتِمَ بالإلغاء مرتين.

 

 

 

عشتُ على ما يرام، لكنَّ عيشي كان مليئاً بالتوجّس.

 

في ذلك اليوم كان هناك العديد من الجنود،

 

والكثير من اللاجئين يحتشدون في الطّرقات.

 

بالتأكيد، تلاشى الجميع

 

بلمسة يد.

 

ثم لعقَ التاريخُ زوايا فمه الدامي.

 

 

 

على القناة المأجورة، ثمة رجلٌ وامرأة

 

يتبادلان القُبَلَ المحمومة ويجرّد

 

كلٌّ الآخرَ من ملابسه بينما كنتُ أتفرّج

 

كاتماً أدنى صوتٍ في الغرفة المظلمة

 

ما خلا الشاشة التي

 

اكتسى لونُها بكثيرِ الأحمر، كثيرِ الورديّ.

 

 

 

 

 

 

ماذا قال الغجر لجدتي عندما كانت صبيّة

 

 

 

حربٌ، وباءٌ ومجاعةٌ ستجعلُ منكِ حفيدتها الأثيرة.

 

ستكونين مثل أعمى يشاهد فيلماً صامتاً.

 

ستفرمين بصلاً ونُتَفاً من قلبك

 

وتلقينَ بها في المقلاة الحامية نفسها.

 

سينام أطفالُك في حقائبِ سفرٍ موثقةٍ بحبل.

 

وسيلثمُ زوجُكِ ثدييكِ كلَّ ليلةٍ

 

كما لو أنهما شاهِدَتا قبر.

 

 

 

بل ها هي الغربانُ تَتَهيّأُ

 

لكِ ولذويكِ.

 

سيتمدّدُ ابنكِ البكرُ والذّبابُ يغطّي شفتيه

 

من دون أن يبتسم أو يرفع يدَه.

 

ستحسدين كلَّ نملةٍ تلتقينَها في حياتك

 

وكلَّ عشبةٍ نبتتْ على جانب الطريق.

 

سيقبعُ جسدُكِ وروحُكِ في حجرتين منفصلتين

 

يمضغانِ العلكة ذاتها.

 

 

 

حلوتي الصغيرة، هل أنتِ برسمِ البيع؟ سيقول الشيطان.

 

وسيشتري مُحَضِّرُ الموتى دميةً لحفيدك.

 

ستكون ذاكرتُك عشَّ دبابيرٍ لحظةَ

 

تتوسّدين فراش الموت.

 

ستضرعينَ في صَلاتِكِ إلى الله لكنّ الله سيعلِّقُ لافتةً

 

تقولُ: ممنوعٌ الإزعاج.

 

لا مزيدَ من المطالبِ، هذا كلُّ ما لديَّ.

 

 

 

 

 

ذباباتُ المَسْلَخ

 

 

 

 

 

تدُبُّ، في الأماسي، بأرجلِها الدّامية

 

على صفحاتِ كتبي المدرسيّة.

 

وبعينيَّ المغمضتين، لا يزال بوسعي

 

أن أسمعَ الأشجارَ على جانبيّ شارعنا

 

تقولُ وداعها الكابي للصيف.

 

 

 

وصوتَ أحدهم في البيت

 

يهشُّ البقراتِ العجوزةَ السَّئِمةَ، تترقّب

 

في وهلةِ الشّكِّ الطويلِ الموغلِ،

 

لحظةَ ينهالُ عليها النَّصْلُ.

 

 

 

 

 

موظف ليليّ في فندق الصراصير

 

 

 

أنا المفتّش السّرّيّ للأروقة شحيحة الضوء،

 

والمصابيحِ التّالفة وشارات الخروجِ،

 

والأبواب التي تحمل آثار

 

مراتٍ عديدة من الدخول العنيف،

 

 

 

أهو صوت خادمة الغرف ترتّب السرير عند منتصف الليل؟

 

أم حفيف الأوراق النقدية المزيفة

 

أثناء عدِّها في ثوب الزفاف؟

 

أم مشطٌ ناعم يمرّ فوق رأس أشيب؟

 

 

 

الأبديةُ مرآةٌ وشبكة عنكبوت،

 

هذا ما خطّه أحدهم بأحمر الشفاه داخلَ المصعد.

 

من الأفضل لي أن آخذ المفتاح العمومي وأتفقد المكان بنفسي.

 

من الأفضل لي أيضاً أن أحضر معي علبة ثقاب.

 

 

 

رقصة فئران الرَّوْع

 

 

 

يبتسم الرئيس في سرّه ؛ فهو يحبّ الحرب

 

وثمة حرب قادمة في الطّريق.

 

يمكنه أن يستشعرَ البهجة تتصاعد كل يوم

 

في مكاتب الحكومة وإستوديوهات التلفزيون

 

بينما تحلّق قاذفاتنا باتجاه بلدان بعيدة.

 

 

مستودعات جثثنا تُفْرَكُ لتغدو نظيفة،

 

وقريباً ستمتلئ بالشباب الشّاحبين وقد رُصّوا في صفوف.

 

ها هو الحشدُ يلغطُ مسروراً

 

لمخادعة الطائر الحلو، أكاذيبِ صوت الحنجرة العميق

 

عن معاركنا القادمة وانتصاراتنا.

 

 

ثمة القنّاصون في الأردية السوداء فوق الأسطحة

 

يمسحون بأبصارهم المجمّع التجاريّ بحثاً عن حَمَاماتٍ مشبوهة،

 

وعميانٍ يلوِّحون بعصيِّهم في الهواء،

 

وفتياتٍ بتنانيرَ قصيرةٍ وصدورٍ عامرة

 

ينقِّبْنَ في أعماق حقائبهن عن ولاعة.

 

 

 

إلى القارئ

 

 

 

ألا تسمعني

 

أخبطُ حائطَك

 

برأسي؟

 

 

 

بالتأكيد تسمعني،

 

فلماذا إذاً

 

لا تردُّ عليَّ؟

 

اخبطْ الحائطَ من جِهَتِكَ

 

ولنبقَ خلاّناً.

 

 

أحدهم يعتلي المنبر

 

والنّار تطوِّقُ القصرَ،

 

والأمير العجوز يظهرُ على مرأى من الجميع

 

يخطو إلى حتفه من على شُرْفة.

 

من (العالم لا ينتهي)

 

1

 

الرجلُ الميتُ يترجّل عن منصّةِ الإعدام. متأبِّطاً رأسه الدامي تحت ذراعه.

 

أشجار التّفّاح ترفلُ في الزَّهَرِ. بينما يشقُّ طريقه باتجاه حانة القرية على مرأى من الجميع. هناك، يتخذُ كرسيّاً قرب واحدةٍ من الطّاولات ويطلب زجاجتيّ بيرة، واحدة له والأخرى لرأسه. تمسحُ والدتي يديها بوَزرتها وتقوم بخدمته.

 

إنه السّكون المطبق يعمُّ العالم. إذ بوسعِ المرء أن يسمع النّهرَ القديم، الذي لِفَرْطِ تلاطُمِه ينسى في بعض الأحيان فيتدفّق إلى الوراء.

 

**

 

2

 

كانت أمي ضفيرةً من دخانٍ أسود.

 

حملتني مُقَمَّطاً فوق المدن المحترقة.

 

كانت السماءُ مكاناً أوسعَ وأشدّ عصفاً من أن يلعبَ فيها ولد.

 

وقد التقينا بكثيرٍ من أولئك الذين يشبهوننا.

 

جميعهم كانوا يحاولون ارتداء معاطفهم بأيدٍ صُنِعتْ من دخان.

 

كانت السماوات السحيقة مفعمةً بآذانٍ منكمشةٍ صَمَّاءَ بدلاً من النجوم.

 

**

 

3

 

أطلقَ على كلبٍ اسمَ رامبو وعلى الآخر اسم هولدرلين. وكلاهما مهجّن. “الحياةُ التي لا تبتليْ ليست جديرةً بأن تُعاشَ” هو قولُه الأثير. تبدو زوجته مثل “حريّة” دِولاكروا نصف العارية. تحتذي نعليّ رعاةِ بقر، وتقطف الفطرَ المريبَ في الغابة. الليلةَ سيشعلان شموعاً طويلةً ويحتسيان النبيذ. بعدها سيفتحان الباب ويُدْخِلان الكلبين كي يقتاتا فتات الطعام تحت المائدة. “Entrez mes Enfants! ادخلا يا صغيريَّ!” سيرفع صوته في حضرة الليل، ومن خصره يقدِّم انحناءةَ إجلال.

 

مُمْتَنّين لهذا المُتَنَفَّسِ قُبيلَ أن يدنوَ منهما قلَقٌ جديدٌ

 

يلوِّنُ يومَهما بالقَتَام.

 

 

حزينٌ كسفينة في زجاجة

 

 

حزينٌ مثل علبة ثقابٍ في بيتٍ

 

أقلع ساكنوه عن التّدخين فيه.

 

حزينٌ مثل صابونِ ملكةٍ في فيلم

 

بعد أن تغادرَ الحمّامَ.

 

حزينٌ مثل حبّةِ دواءِ الحُبِّ

 

في جيبِ رجلٍ ميّت.

 

سعيدٌ مثل فأرٍ على كرسيٍّ هزّاز.

 

سعيدٌ مثل طقم أسنان صنعيّ…

 

لا، مهلك! شيء ما لا يبدو صحيحاً ههنا!

 

حزينٌ مثل خنفساء أيّار في حزيران.

 

حزينٌ مثل بطلِ أكلِ الهوت دوغ

 

وهو الذي يتناول عشاءَه في مطعمِ أسماك.

 

 

 

خطبةُ القبر

 

 

 

كره صاحبُنا الرّاحلُ السماواتِ الزرقاءَ،

 

والواعظين المُقتبِسين من الإنجيل،

 

والسياسيين وهم يقبّلون الأطفال،

 

والنسوةَ المُفعمَات بالعذوبة.

 

أحبَّ السّكارى في الكنيسة،

 

العراةَ الذين يلعبون الكُرةَ الطّائرة،

 

الكلابَ الشّاردةَ وهي تكسب الأصدقاء،

 

والطّيورَ تُغنّي الطقس اللطيفَ وهي تزرقُ.

المترجم: الترجمة عن الإنكليزية أحمد م. أحمد

ضفة ثالثة

 

 

عيون مثبتة بالدبابيس/ تشارلز سيميك

كيف يعمل الموت..؟

لا أحد يعلم

في اي يوم طويل سيحط رحاله

الزوجة الوحيدة دائماً

تكوي غسيل الموت

البنات الجميلات

يقمن بأعداد طاولة عشاء الموت

الجيران يلعبون الورق في الفناء الخلفي

أو يكتفون بالجلوس

على العتبات

يحتسون البيرة

وفي غضون ذلك

وفي جزءٍ غريب من المدينة

يبحث الموت عن أحدً

يسعل بشكلٍ رديءٍ

غير أن العنوان مضلّلٌ نوعاً ما

وحتى الموت لم يستطيع الإهتداء اليه

بين تلك الأبواب المقفلة جميعها

وحيث يشرع المطر بالهطول

في ليلةٍ عاصفة

هكذا

يموتُ بدون حتى جريدة تغطي رأسه

ودونما قطعة نقدية تمكنه بالأتصّال بمن يغيثه

متثاقلا يتعرى على مهله

ويوثق عاريا

الى جهة الموت في السرير…

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى