مختارات ل روزا أليس برنكو من الشعر البرتغالي الحديث
ترجمة منصف الوهايبي
لا أحد يهرم في غرناطة
يتسكّعون، أيديهم في جيوبهم
أيدٍ في الضحك الذي يرجّ المدينة
هي الأيدي نفسها التي يمسكون بها الكأس
كأسا.. كأسا.. عندما يقبل الليل.. عندما يمضي الليل
في طريقه إلى الصباح
تخلد المدينة إلى النوم، ما أن يطلع الصباح
تنام مع الموسيقى التي تهدهد الليل
طاولة مزج الموسيقى.. كوكتيل من الأصوات يخرق الأسماع
لا أحد يهرم في غرناطة
يهبطون البيّازين.. الأجساد تدور مع منحدرات نهر الدارو
وتنزلق على طول حجارة الحمراء
هذا الاختلاف المحض هو الحشو.. حشو أن نكون شبابا
لاشيء يُعدّ سلفا. كلّ شيء يصل ويتقاطع في الليل
Las copas, las tapas, venga, vale
أحيانا فلامنكو.. نقر يمتزج بالدم.. القلب ينبض على صحنين: هذا يجمع.. وذاك يفرّق..
الزمن يُستعاد في الاسطوانة التي تدور إلى الوراء
إذ نتركها فجأة. لذا نحن لا نهرم في غرناطة أبدا. الحجارة وحدها هنا.. الماء وحده هنا: هذا كلّ ما هو شباب أبدا. وما عداه يختبل بكأس في اليد.. وعيا بالجسد البالي.
النسوة
كثير من النسوة يصرن أشجارا مليئة بالأعشاش
أقول النسوة حتى عندما تكون سطوح المنازل مائلة
من ثقل العصافير اللائذة بها
في نافذة الأبناء، تتنفّس النسوة
جالسات على الدرجات، وهنّ ينظرن إليهم
وكثير منهنّ يصرن سلالم
كثير من النسوة يصرن مناظر
يصرن أشجارا مليئة بأطفال يتسلّقونها
ثمّ ينحنون على الأغصان.. حول أعناق الأمّهات
حتى عندما تشعّ الأشجار مثقلة بتويجاتها
النسوة يصرن بساتين
يرتّبن البيت
يهيّئن المائدة
حول القلب.
جوزيه لويس بايشوتو
طفل الخرائب [1=5]
ساعةَ إعداد المائدة، كنّا خمسة:
والدايَ وأختايَ، وأنا
بعد زمن تزوّجت أختي الصغرى
بعد زمن مات والدي.
غير أنّنا اليوم، عند إعداد المائدة، كنّا خمسة؛
ما عدا أختي الكبرى التي هي في بيتها،
ما عدا أختي الصغرى التي هي في بيتها أيضا،
ما عدا والدي،
ما عدا أمّي الأرملة.
كلّ واحد منهم، كرسيٌّ شاغرٌ حول هذه المائدة
حيث آكل وحيدا.
لكن سيكونون هنا دائما
ساعة إعدادِ المائدة،
سنكون دائما خمسة
ما دام أحدنا حيّا
فنحن دائما خمسة.
دنيال فريّا
ساعة الرحيل
ينبغي أن أكون الزمن الأخير
آخرَ مطر على آخر حيوانٍ في آخر مرعي،
الجثمان حيث الرتيلاء وحدها تصنع الدائرة
ينبغي أن أكون آخر درجة في سلّم يعقوب،
وحلمه الأخير
ينبغي أن أكون آخر وجع في ردفه
ينبغي أن أكون الشحّاذَ على بابي
والمنزل المعروض للبيع.
ينبغي أن أكون التراب الذي يتقبّلني
والشجرةَ التي تغرسني
في الصمت.. بطيئا.. بطيئا في العتمة
ينبغي أن أكون الأمس
ينبغي أن أكون الملح الملتفت إلى الوراء
والسؤال عند أهبة الرحيل.
صوفيا دو ميلّو برينر أندرسن
صلاة
حتى لا تحرق أيّة نجمة صورتك الجانبيّة
حتى لا يتذكّر أيّ إله اسمك
حتى لا تعبر ريح حيث أنت تعبر
من أجلك أنت سأخلق نهارا صحوا
حرّا مثل رجيع الريح
مثل إزهار الموج المنضّد.
نداء
ناديتك لكي أكون برجا
رأيته ذات يوم.. أبيض.. قريبا من البحر
ناديتك لكي أضيع في دروبك
نادتك لأحلم بما حلمت به
ناديتيك حتى لا أكون أنا:
طلبتك أن تمحو البرج الذي كنت
والأحلام التي حلمت.
نونو جوديس
وصفة لصنع الأزرق
[لابراهيم بن جودة بن حاييم]
إذا فكّرت يوما في أن تصنع الأزرق،
خذ قطعة من السماء؛ وضعها في قِدْرٍ كبيرة
تستطيع أن تحملها إلى نار الأفق،
ثمّ اخلطها ببقايا أحمر الفجر،
حتى يذوب؛
واسكب الكلّ في حوضٍ نظيف جدّا،
حتى لا يرسب شيء فيه؛ من أوساخ ما بعد الظهيرة
ولكي تنهي عملك، غربلْ بقايا الذهب
ذهبِ رمل منتصف النهار،
حتى يعلق اللون بالقاع المعدني
أمّا إذا أردت أن لا تنصل الألوان مع الزمن،
فألقِ في السائل نواة خوخ محروقة
ستراها تذوب من غير أن تترك أيّ أثر؛
حتى لكأنّك لم تضعها،
ولن يخلّف أسودُ الرماد حتى بُقيا حمرة
على السطح المذهّب
عندئذ تستطيع أن تحمل اللون حتى العينين،
وأن تقارنه بالأزرق الأصيل
سيلوح لك اللونان شبيهين، حتى ليتعذّر عليك أن تميّز هذا من ذاك.
هكذا فعلت أنا ابراهيم بن جودة بن حاييم
المغمور بنور»لُولاي»،
وهكذا خلّفت هذه الوصفة
لمن قد يفكّر ذات يوم
في أن يحاكيَ السماء.
لويس ميجل نافا
نهران
الجسد مشطور مغلق بالمفتاح
وكلّ جزء في الآخر
أتقدّم في قلب مزدوج
كما لو كنت في الآن نفسه على ظهر سفينة
تبحرُ من نهرين.
فتيلة
الآن والنهار يظلم
يطبع اللحم منّي الذاكرة
تلك التي بقوّتها فحسب
تقيم اللحم بين الأنقاض
وتوقدها مثل فتيلة
حيث الذكريات كانت زيتا.
مانويل أنتينيو بينّا
اسم الكلب
كان للكلب اسم نناديه به
وكان يهرع إلينا
لكن ما اسمه؟
وحده الكلب كان يعرفه بغموض ما
كان ينظر إلينا بعينين أُخرَيَيْن
كانتا في عينيه
أبدا لم نكن نرى ما كان يراه
ولا نعرف ما إذا كان يرانا
ويتعرّفُ إلينا
بشكل فوريّ كان يفلت منّا
هنالك حيث لم نكن نستطيع قطّ
أن نبلغ سرائرنا
كان الكلب يذهب.
وهنالك كان ينام نوما هانئا
دونما ندم ولا كآبة
إذن كان يحلم
الحلم الحقيقيّ حيث كان موجودا،
وكان لا يدرك.
ذات يوم نادينا الكلب
لكنّه لم يكن هناك حيث اعتاد أن يكون في حياته
أحد ما، من بعيد جدّا، ناداه باسم آخر
اسمٍ لا يُقاوم
وكان الكلب قد رحل للقاء هذا الاسم
رحل كما جاء: وحيدا
ودفنته أمّي وهي تقول:
« تلك هي الحياة».
ارتور دو كروزيرو سايشس
احتضار البحر
حيال فمي
نام فمك
كما لو أنّه ميناء قديم
غير أنّ الكلمات تريد أن تعود إلى الأرض
إلى نار الصمت التي تشدّ الجسور الضائعة
في ظلّها
ثمّةَ كلب من الحجارة، كما لو أنّه ثمرة؛
يغمرنا بعوائه
حيث طيور من الذهب
تُزرع الأشجار الشفيفة
بأيدٍ من العاج
في أسفل نقطة في البحر
الدموع التي لم أذرفها
تفيض نادمة
على احتضار البحر الأبدي
بلحاف جنائزيّ
أحد ما غطّى الوجه المجازي
وجه القارّات الخمس الموجودة فينا
هكذا في ذات الآن
أكون ولا أكون
هذه الساعة لساعات الذهب
تلك التي تترجّح هنالك.
مانويل غوشماو
اعتدال خريفي
الصيف يبسط ظلّه حتى ركبتيك
حيث الضوء ينطوي: هذا هو الذي نسمّيه خريفا
ربيع
عالية هي الأعشاب المندفعة كزخّات من النور
نديّة هي
ترفع النهار حتى هذه الموسيقى
التي تسمّي بها العين الأشجار شجرة.. شجرة
صباحَ العصافير، أوراق مرتجفة
ترجع إلى الكلمات التي لا أحد يرجع إليها
مازال الضوء يكتب الرقصة الأخيرة
للأرض الأخيرة.
شتاء
الصورة تنظر إلى المصوّر، وتقول له:
«منّي أنا إليك، العالم هو المطر والريح،
البحر أبيض ورائي، والأمواج في الأقصى،
أبيضُ الأبيض
أرى عينيك العمياويْن،
الطريق التي تكاد تغرق.. أضواء الضباب..
لكنّي لم أسمع قطّ بالصيف
لا بدّ أنّ هناك خطأ ما.»
ايجيتو غونسلفاس
مدينة ألدوبران
بعد الظهيرة كلّها، قطفت توتا
في قصيدة لجيسنبرغ
وأنا أمضغه مع أفكار مرتبكة
تثبت لك أنّها محطّة حافلات
بعد ذلك أعددنا قهوة في آلة خربة
كان ألان جيسنبرغ قد عثر عليها وهو يشذّب الأعشاب
في منزله الريفي الجديد في بركلاي
ونحن نشرب، شرحت له الأسباب التي تجعل اسمه عسيرا على النطق
تلك التي تخفيه في نجمة
حدّثته عن هذا، وعن طاقته الحوضيّة التي لا مراء فيها
كنّا نشعر نحن الاثنَيْنِ أنّنا وحيدان جدّا
ونحن نقطّع قطعة من الواقع.
هوجو ماي فالتر
النساء
هنّ مبهمات.. مستلقيات على العشب
مثل أوراق بيض
يزنّ الشمس
يقسن البطون في الحوض
وأبعد منهنّ الرجال يقهقهون مثل خنازير عاجزة عن الحلم
ويقعون أرضا
فقط.. لا يعودون إلى المنزل إلاّ متأخّرين
عندما يحسّون أنّهم ليسوا على ما يرام
وينامون
أحيانا يخاطرن
وهنّ ينتظرنهم في انقباض
بعيون متقصّبة من الحلم
لهنّ ميزان فوق الصدر
حيث الرجال
به يزنّ الفم
يفتحن سيقانهنّ.. ينبجسن زهرة
يطقطقن العظام مثل تويج ينذر بالتكسّر
ويقذفن أبناء ذكورا مثل آفات لا يمكن حملها
الرجال بدائل
مثل منحوتات من الصمت
العيون لا تمسخ الصور
يبنين منازل في الغيوم المضيئة
بمشاعل للطريق، من حيث ينقاد الشيطان
بقلب صاف
معروضات من الداخل، كما لو أنّ الروح كانت فلما
معروضا في الجسد.. كما في الشاشة.
هذه القصائد، وأخرى غيرها راجعتها الشاعرة روزا اليس برنكو
٭ شاعر تونسي
القدس العربي