مخلوف والتنصّل السوري
أمجد عرار
كثيرون منا لم يسمعوا باسم رامي مخلوف إلا بعد تفجّر التظاهرات الأخيرة في سوريا . ظهر اسمه على ألسنة بعض المحتجين الذين ربطوه بالفساد، ثم ظهر بنفسه مدلياً بتصريحات بائسة .
الرجل لا يشغل أي منصب رسمي، وبدا لنا ونحن نقرأ تهديداته ووعيده أننا أمام نسخة ثانية من “سيف الإسلام” . الحكومة السورية تبرأت من تصريحاته واعتبرت أنها تمثّل رأيه الخاص ك “مواطن سوري”، لكن الأمر لا ينتهي بهذه البساطة، خاصّة عندما يكون الشخص المعني على صلة قرابة برئيس البلاد، وخاصّة أيضاً عندما تكون حريّة التعبير ليست متاحة للجميع، ومع عدم المرور على نحو عابر بمحاولة ربط الاستقرار في “إسرائيل” بالاستقرار في سوريا، وهذا ينطوي في أبرأ التحليلات لجوءاً إلى منطق الفزّاعات، ولو لم تتنصّل الحكومة السورية من تصريحاته هذه، لنُظر إليها كموقف رسمي، يجعل من المسألة أشد خطورة .
لن ندخل في فحوى التصريحات كثيراً، فمعظمنا قرأها ووظّفها تحليلياً على النحو الذي يريد، لكم القاسم المشترك لكل القراءات أن ما قاله مخلوف، الذي لم أسمع من ناحيتي به إلا قبل شهرين، يمثّل محاولة غير متّزنة للرد على ما طاله من اتهامات بالفساد . وإذ لا يملك أحد أن يتحدّث عن الأشخاص بناء على تقارير وهتافات، مثلما لا يملك أحد أن يدافع عنهم، فإن هذه المسألة يحسمها القضاء بعد أن يتم إصلاحه، إذا كان الإصلاح جاداً وإنقاذياً، أما إذا تغيّر النظام فيبت فيها القضاء الجديد، وكل ذلك شأن يقرره الشعب السوري وحده، ونحن يجب أن نكون معه في أي خيار يتّخذه بإرادته الحرّة، ومن دون تدخّل أجنبي .
من هذا المنطلق، تعبّر تصريحات رامي مخلوف عن أزمة نظام بلا مؤسسات حقيقية، نظام تأخّر كثيراً في الإصلاح فزادت أزمته واستفحلت، وإذا لم يفت الأوان ينبغي أن يعوّض هذا التأخير بدينامية سريعة وفاعلة وواضحة تحقن الدماء وتنقذ البلد من مصير قاتم .
سمعنا قبل يومين عن تشكيل لجنة لمكافحة الفساد، وهذا يعني أن قرارات وتوصيات وإحالات يجب أن تفضي إليها أعمال هذه اللجنة . لكن الاستحقاقات التي تحتاج إلى بعض الوقت، يمكن أن يصبر الشعب عليها عندما يرى تنفيذ إجراءات من النوع الذي لا يحتاج إلى قرارات فورية تؤشر إلى جدية في مسيرة الإصلاح . وفي هذا السياق، يريد الشعب السوري ترجمة رفع حالة الطوارئ عبر وقف إطلاق النار على المتظاهرين، ويريد شفافية وتعاطياً مسؤولاً من جانب الإعلام الرسمي بحيث يتناسب مع حجم الأزمة ولا يحاول تبهيتها، ويريد أن يرى إفراجاً فورياً عن كل معتقلي الرأي والضمير وإقفال ملف الاعتقال السياسي إلى غير رجعة . الشعب يريد أن يرى على نحو سريع دستوراً يلغي احتكار أي حزب للسلطة، ويؤسس لتعددية حزبية ولانتخابات حرة وديمقراطية .
نأمل أن يؤتي الحوار الذي أعلن عنه وزير الإعلام السوري ثماره، بحيث يكون شاملاً لكل أطياف المجتمع السوري ومعارضته الوطنية المكافحة في الميدان، وقوى المجتمع المدني الشفافة والشباب الذي يمثّل سوريا المعاصرة . كل ذلك، انطلاقاً من رغبتنا في رؤية الاستقرار الحقيقي المبني على أسس ديمقراطية لكل بلادنا العربية، بما يحقق لشعوبها الكرامة والحرية والتنمية، ويوظّف طاقاتها في معالجة الاستحقاقات الداخلية ومواجهة التحديات الخارجية .
الخليج