مخيم اليرموك: الكل ضد الكل
«من اجل فهم كيف تبدو الحياة في مخيم اليرموك ـ أطفئوا الانوار وأغلقوا صنابير الماء وأطفئوا التدفئة. كلوا مرة في اليوم، عيشوا في الظلام، عيشوا على حرق الاشجار».
هكذا يشهد أنس، وهو أحد سكان مخيم اليرموك في تقرير وكالة غوث اللاجئين، عن الوضع في مخيم اللاجئين الفلسطيني الاكبر في سوريا. وفقا للتقديرات فانه عشية الحرب الاهلية كان في سوريا أكثر من 600 ألف لاجيء فلسطيني. مخيم اليرموك الذي يقع في الجنوب الشرقي للعاصمة كان يضم نحو 160 ألف لاجيء، وكان يحتوي داخله على مؤسسات تعليمية، مستشفيات وأسواق كثيرة. أموال ومساعدات كثيرة تدفقت على ساكنيه سواء عن طريق الامم المتحدة أو حكومات الولايات المتحدة وكندا واستراليا ودول اوروبية.
في أواخر 2012 غزا المخيم جنود «جيش سوريا الحر» ومقاتلون من منظمات إسلامية متطرفة مثل جبهة النصرة، وحولوه إلى قاعدة ومنصة قفز لدمشق. لهذا السبب وصل ايضا مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى المخيم. وردا على ذلك قصف النظام السوري المكان، وفي تموز 2014 بعد صراع طويل تم اغلاق الطرق المؤدية إليه وتحول إلى مخيم أشباح. منذ ذلك الحين تدور حرب طاحنة ودموية في مخيم اليرموك يشارك فيها الفلسطينيون إلى جانب باقي القوى المقاتلة.
ولاءهم الاول كان كما هو مفهوم للنظام السوري لكن مع مرور الوقت نجح المتمردون على اختلافهم في تجنيد أجزاء كبيرة من اللاجئين في صفوفهم. وهكذا اضافة إلى الحرب بين الجيش الحر والمتمردين، والحرب بين المليشيات الإسلامية وجيش سوريا الحر، يتقاتل الفلسطينيون ايضا بين بعضهم البعض.
النتائج كما هو مفهوم لم تتأخر في المجيء. لقد بقي في مخيم اليرموك نحو 18 ألف انسان يعيشون في ظروف مزرية. موظفو وكالة غوث اللاجئين لا يستطيعون الدخول إلى المخيم، المساعدات الانسانية تتأخر والكثير يموتون بسبب الحرب والجوع. دعوة وكالة الغوث لممثلي المتمردين وقعت على آذان صماء حيث أنهم غير مستعدين لمساعدة الفلسطينيين الذين يحاربون حسب زعمهم إلى جانب الجيش السوري، كما أن الجيش يرفض رفع الحصار بحجة أن المتمردين سيستغلون ذلك لصالحهم، وحتى أنه يشترط الدخول إلى المخيم بمغادرة المتمردين. ردا على ذلك قالت نآوي فيلاي، مندوبة الامم المتحدة لحقوق الانسان السابقة إن «على كل أطراف النزاع أن تسمح بصورة مستعجلة الدخول الحر للمساعدات الانسانية للسكان المحاصرين في مخيم اليرموك قبل أن يموت أولاد آخرون». إن وقف المساعدات، أضافت فيلاي، يصل إلى مستوى جريمة الحرب.
من نجح في الهرب بحث عن مأوى له في مدن سورية اخرى وفي الدول المجاورة. بالتحديد هنا في المكان الذي توقع فيه الفلسطينيون تضامنا عربيا، يواجهون مصاعب وحواجز. في الاردن ولبنان مُنعوا من الدخول الامر الذي طور صناعة تهريب ناجحة، مصر مشغولة بتهديدات الإرهاب الإسلامي عليها، العراق يتفكك، النظام السوري بدأ في اتخاذ مواقف سلبية ضد الفلسطينيين ازاء انعدام الثقة وتدهور العلاقات مع خالد مشعل وحماس. وأكثر من ذلك، اذا كان الفلسطينيون توقعوا المساعدة من المجتمع الدولي فانهم هنا ايضا ووجهوا بباب مغلق. انعدام القدرة الغربية والامريكية في معالجة الازمة السورية يلقي بظلاله عليهم. وهكذا اذا كان أكثر من 200 ألف قتيل سوري وملايين اللاجئين لم ينجحوا في تحريك العالم لايجاد حل في سوريا، فلماذا سيهتمون بمشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون في تلك الدولة.
يهودا بلنغا
إسرائيل اليوم 8/4/2015
القدس العربي