مخيّم اليرموك: مآسي السوريّين والفلسطينيّين مُجتمعةً/ زيـاد مـاجد
“أنا مريض. مِتنا جوع. وَدّونا عند اليهود. أنا معي هويّة يو-أن. أنا من الـ48… أنا زلمي لاجئ من الـ48… أخدولي أربع أولاد. مو حرام؟ والله حرام. هيدا ظلم”… هذا ما يُردَّده بتعبٍ ووجعٍ مُسنٌّ فلسطيني محنيّ الظهر، أمام جمعٍ من الناس في مخيّم اليرموك جنوب دمشق.
وهذا ما يُلخّص مأساة مخيّمٍ فيه من أهوال المعاناة السورية والفلسطينية ما لا قدرة (في أحيانٍ كثيرة) على تصديق حدوثه اليوم، في آخر العام 2014، على مرأى العالم ومسمعِه.
فمخيّم اليرموك، أكبر المخيّمات الفلسطينية في سوريا، يتعرّض منذ حزيران 2011 لأبشع ممارسات النظام الأسديّ الفاشية. وقد تحوّلت هذه الممارسات بدءاً من أواخر تموز 2013 الى حرب إبادة، قصفاً وقنصاً، وقتلاً لعشرات المعتقلين من أبنائه تحت التعذيب في سجون النظام وفي فرع مخابراته الشهير، “فرع فلسطين”، وحصاراً تجويعيّاً على من تبقّى من سكّانه والمهجّرين إليه.
وازداد تدهور الأوضاع في “اليرموك” في الأسابيع الأخيرة، إذ جرى تشديد الحصار عليه وقطع المياه عنه، بالترافق مع عملّيات اغتيال طاولت داخله عدداً من أبرز قياداته ووجوهه السياسية والاجتماعية. ويتساوى منفّذو الاغتيالات إجراماً مع محاصري المخيّم وقاصفيه، هذا إن لم يكونوا في الأصل مرتبطين بهم مباشرةً أو على نحو غير مباشر.
ومعاناة اليرموك والمصائب التي حلّت وتحلّ بأهله، إذ تُشبه كثرةً من مثيلاتها التي ألمّت بقرى ومدن سوريّة، تختلف عنها في أمرين.
الأوّل أنها تُصيب من هم في الأصل “لاجئين” يعيشون في رقعة جغرافية من دون مساحات زراعية أو ماشية أو منابع مياه تُحيط بها ويمكن الركون إليها لتخفيف وطأة الحصار غذائياً.
والثاني، الأهم والأخطر، أنها تصيب فلسطينيين يُفترض أن ثمة تنظيمات وأحزاب وسلطة وطنية تفاوض لحمايتهم وتحسين أوضاعهم، أو على الأقلّ تستنكر ما يحلّ بهم من ويلات وتُشعرهم ببعض التضامن الإنساني والسياسي معهم. هذا إضافة الى وجود مؤسّسات دولية – على رأسها “الأونروا” – مُلزمة بالعمل لرعايتهم والتخفيف من مُصابهم. لكن لا القوى الفلسطينية والسلطة الوطنية، ولا الهيئات الاجتماعية في “الداخل” الفلسطيني ولا “الأونروا” ولا غيرها من المنظّمات الدولية قامت أو تقوم بما يُمليه عليها واجبها ومسؤولياتها وصلاحيّاتها.
بذلك، بدا اليرموكيّون متروكين لآلة القتل والتعذيب والتجويع مرّتين: مرّة بوصفهم سوريّين، ومرّة ثانية بوصفهم فلسطينيين، ولم يكن ينقصهم سوى اغتيال قيادات مخيّمهم المحلّية لتكتمل مأساتهم الرهيبة…
مخيّم اليرموك يختصر إذاً في شجونه عشيّة العام 2015 مصائب الفلسطينيين والسوريين مجتمعةً ويكثّفها في حيّز جغرافي سكّاني ضيّق، يستقيل من المسؤولية تجاهه كثرٌ ممّن كانت مهمّتهم تقتضي العمل الحثيث لتخفيف الأهوال عنه. وهو يختصر قبل ذلك وفوقه – تماماً كما “فرع فلسطين” – المعنى العميق لعلاقة النظام الأسدي وصحبه من المُمانعين بفلسطين: توظيفٌ وضيع لإسمها لتبرير الموبقات جميعها، ولقتل المُختلفين والمُعارضين، وإبادة الفلسطينيّين إن اقتضى الأمر…
موقع لبنان ناو