مدافئ السوريين شرهة/ دمشق ــ لبنى سالم
تختلف طرق التدفئة التي يعتمد عليها السوريون هذا الشتاء تبعاً للمنطقة التي يعيشون فيها وحالتهم الاقتصادية. مع ذلك، فإنّ الحصول على الدفء لم يعد أمراً يسيراً للكثيرين، بل بات مستحيلاً للبعض منهم.
تعتمد معظم البيوت في سورية على الحطب، خصوصاً في المناطق الريفية. وتقدّر حاجة الأسرة الواحدة منه خلال فصل الشتاء بنحو طنين، فيما يراوح سعر الطن الواحد ما بين 125 دولاراً أميركياً و150. بائعو الحطب باتوا منتشرين بكثرة في كلّ المناطق من دون استثناء، سواء الخاضعة لسيطرة النظام أو المعارضة. فقد استبدلت معظم العائلات مدافئ المازوت بمدافئ الحطب، وباتت تجارة الأخير هي الأكثر رواجاً.
يقول حكمت منصور، من دمشق: “أجرينا تعديلاً في شكل المدفأة عند الحدّاد لتلائم الحطب. يعيش أهلي في قرية ساحلية، وحين ذهبت وجدت أنّ معظم الأراضي المحيطة بها باتت جرداء. يقطع تجار الحطب الأشجار ويبيعونها في الأسواق ويتقاسمون أرباحها مع القوات التي تسيطر على المنطقة. وحين اعترض أهالي قريتي على قطع الأشجار قالوا لهم إنهم يقطعونها لأسباب أمنية”.
عائلة أبو محمد الغساني، في ريف إدلب، تعتمد أيضاً على الحطب. يقول أبو محمد: “قلّمنا أشجار الزيتون وخزنّاها ويبّسناها. تمدنا بالكثير من الدفء كونها غنية بالزيوت. هذا ما يفعله معظم أصحاب أراضي الزيتون في القرية. من لا يملكون مثلها يشترون حطب السرو أو الكينا من الأسواق”.
يعتبر المازوت الآتي من مناطق سيطرة تنظيم “داعش” المصدر الوحيد للوقود في العديد من المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة. يبيعه التنظيم للتجار الذين يبيعونه بدورهم إمّا في مناطق المعارضة أو لسماسرة مناطق النظام. مصدر هذا النوع من المازوت لم يعد خافياً على أحد فهو يتميّز بلونه القاتم ورائحته الكريهة والواخزة، كونه مكرر بطريقة بدائية أو غير مكرر على الإطلاق، وبات منتشراً في العديد من المناطق السورية في السوق السوداء. يُعرف في الأسواق باسم “مازوت داعش” أو “المازوت الأسود”، ويباع الليتر الواحد منه في حال توفره بنصف دولار. ويرتفع سعره إلى أكثر من 4 دولارات أحياناً. يوضح أحمد، الذي يعمل سائقاً في حلب، أنّ “احتواء هذا المازوت على الشوائب يتسبب بأضرار صحية، إذ يصاب العديد من بائعيه بأمراض وتقرحات جلدية والتهابات تنفسية”.
تقول أم أحمد، من إدلب، إنّ “رائحة المازوت الأسود كريهة للغاية وقد تسبب الدوخة. لكنّنا مضطرون لاستعماله. سعره مرتفع ولا أشعل المدفأة أكثر من 3 إلى 4 ساعات فقط في المساء. ندفع 35 دولاراً شهرياً ثمناً للمازوت، بينما لا يجني زوجي أكثر من 80 دولاراً. مع هذا فنحن أفضل حالاً من غيرنا، فمعظم العائلات هنا لا تحصل على هذا الدخل”.
أما في المناطق المحاصرة، فتعيش آلاف العائلات السورية في ظل منع دخول جميع أنواع المحروقات، ما دفع سكانها لابتكار طرق جديدة للتدفئة. من ذلك استخراج مادتي المازوت والبنزين من البلاستيك في غوطة دمشق وحي الوعر في حمص.
يوضح عمار الدمشقي من ريف دمشق أنّ “ورشات استخراج مازوت البلاستيك تجمع المواد البلاستيكية غالباً من مخلّفات القصف بالإضافة الى ما يتبرع به الأهالي من القطع البلاستيكية غير المستعملة”. يتابع: “في حال توفر الكميات الكافية من البلاستيك يمكن للورشة أن تستخرج نحو 50 ليتراً من المازوت والبنزين منها. فكلّ 10 كيلوغرامات من البلاستيك يمكن أن تنتج 8 ليترات بنزين ومازوت”.
يباع الليتر الواحد من هذا النوع بما لا يتعدى دولاراً ونصف دولار بحسب توفره، ويصنّف من المحروقات الرديئة كونه يحتوي على شوائب ويصدر انبعاثات ضارة خلال تصنيعه وإحراقه. وقد يتسبب بمخاطر كبيرة على صحة الناس. يقول عمار: “استخدمه المحاصرون في أغراض هامة، كتشغيل آليات للنقل وتشغيل بعض المولّدات لاستخراج المياه، كما استخدم للتدفئة. لا نعرف إن كان يسبب الضرر حقاً.. أحد أصدقائي ويدعى حمدان، كان يعمل معنا باستخراج هذا النوع من المازوت العام الماضي، لكنه أصيب بالسرطان وتوفي بعد عدة أشهر. يقول أهله إنّ استخراج المازوت سبّب له السرطان.. لا أعرف إن كان هذا دقيقاً”.
داخل البيوت الأكثر فقراً تصبح خيارات التدفئة محدودة أكثر، ويمكن لأي شيء قابل للاحتراق أن يصبح وقوداً للتدفئة. تقول المتطوعة في الهلال الأحمر في حلب، هالة: “الكثير من العائلات لا تشتري أي نوع من وقود التدفئة. دخلت منذ أيام الى إحدى الغرف المتهالكة لنازحين كانت حيطانها حالكة السواد. اكتشفنا أنهم يحرقون الورق والكرتون وأحياناً الأقمشة للتدفئة. يبحث الأطفال طوال النهار عن أي شيء قابل للاحتراق لتطبخ عليه أمهاتهم بعض الطعام ويحصلوا على الدفء منه مساءً”. تتابع: “أحد الأطفال كان يعاني من التهابات تنفسية حادة ويعاني آخرون من جفاف المجاري التنفسية”. تضيف: “صادف العديد من زملائي الحالة نفسها. الأخطر أنّ الآباء لا يدركون مدى خطورة هذه الأدخنة على صحتهم وصحة أطفالهم، ولا بديل لديهم”.
العربي الجديد