صفحات سورية

مدرسة أميركية في ألمانيا لتمريس السوريين الديموقراطية!


مروان المهايني

نظمت الإدارة الأميركية «مشكورة» دورة تثقيفية لتلقين بعض السوريين الأصول والمسالك والأساليب والوسائل الديموقراطية وتدريبهم على ممارساتها؟!

وفهمت مغزى اختيار الإدارة الأميركية ودواعيها ألمانيا مقراً لهذه الدورة، باعتبار ان المدعوين إليها والمشاركين فيها ينتمون في معظمهم الى «جماعة الأخوان المسلمين» وهي قد فضلت ألمانيا على غيرها من بلدان أوروبا ملجأ لمن اغترب او هاجر من أعضائها، خصوصاً وان أمينهم العام السابق عصام العطار قد اختارها مقراً له منذ أربعين سنة او يزيد… لكنني لم أفهم كيف سيدرس هؤلاء الطلبة مادة «الديموقراطية»، فيما هم من خريجي المدرسة الاخوانية التي جعلت من مادة «الشورى» شعاراً متقدماً مقدساً.

وبين ذلك الفهم من جهة وعدم الفهم من جهة اخرى تذكرت أننا كسوريين لم نمارس الديموقراطية إلا لماماً، ولا عشنا تجربتها خلال عقود كثيرة من تاريخنا إلا سنوات محدودة معدودة ومتفرقة، واننا حكمنا غصباً من العثمانيين وسلطانهم في الاستانة، ثم استعمرتنا فرنسا وحكمنا عسكرها وقادتهم، ثم ولفترة قليلة عبر صنائعها…

وأحل الاستقلال الديموقراطية ورجالاتها، الذين حكموا البلاد بالانتخاب وعبر المجالس التأسيسية ثم النيابية، وعرف السوريون إبانها الأحزاب والمنابر والصحف وكان لهم يومذاك زعماؤهم وأقطابهم وروادهم وكتّابهم ومفكروهم.

لكن هذا «الإبان» لم يستمر إلا سنوات قليلة حين انقض عليه المشير حسني الزعيم في العام 1949 لينقض عليه عسكري آخر أدنى رتبة، ثم انقض عليه بدوره عسكري آخر ثم جاء العقيد الشيشكلي مبشراً بديموقراطية معسكرة أسس لها حزبا اختار بنفسه أعضاءه والقيادة والشعار والأهداف وكتب بنفسه الدستور والنظام الداخلي ورسم بيده أوراق طلبات الانتساب التي لم يطلبها أحد… وشهدت سوريا وشهد السوريون في تلك السنوات تجربتهم الأولى مع حكم الحزب الواحد والقائد الأوحد، فكانت تجربة ممقوتة انتهت بتنحية الشيشكلي الذي فضل الرحيل لكن بعد ان قصف جبل العرب وأهله الأشاوس الذين كانوا في طليعة المطالبين باسقاط ذلك النظام وانهاء حكم العسكر والعودة الى الحكم الديموقراطي.

وقد وصل رجالاته إلى دمشق العاصمة بعد ان تلاقوا في حمص، حاملين وبالوسائل الديموقراطية الحقة والسليمة شيخ سوريا الجليل هاشم الاتاسي إلى رئاسة الجمهورية. ومارست سوريا ومارس السوريون سنوات قليلة اخرى الديموقراطية ولمعت في سمائها نجوم تلك الديموقراطية. لكن، ولأن الممارسات الممتعة لا تدوم طويلاً، ضاقت سماء سوريا بتلك النجوم وملت سوريا تلك الممارسة ووجدت في جمال عبد الناصر قمراً مكتملاً حرياً بإضاءة سمائها كجزء من السماء العربية التي شع فيها واستقطب اهتمام كل من تحتها، معبراً عن آلامهم وآمالهم ومتحدياً أعداءهم ومكافحاً لتخليصهم ومن أجل خلاصهم من التخلف والتشرذم والضعف والارتهان ومن الفساد والفاسدين ومن العملاء والدخلاء والمحتلين.

وتداعى كل أهل الديموقراطية السورية المحكومة بقصر العمر، وقلة الصبر وشح البصر، تداعوا إلى عبد الناصر يبايعونه مبايعة مشهودة وحاشدة وجامعة اقتضت فيما اقتضت ان يتخلى كل مبايع عن كل ما سبق له ان التزم به، بكل ما سيترتب على هذه المبايعة من واجبات ومقتضيات الطباعة، وتجنب كل ما يمسها بسوء، جهلاً أو تجاهلاً أو تجاوزاً.

وسرعان ما تجاوزت سوريا والسوريون ذلك التداعي الدافق والجماعي لتعود ويعودوا إلى سابق «ديموقراطيتهم» المحكومة بقصر العمر وليمارسوها نحو سنتين فقط عائدين إلى سوابق الحكم العسكري الذي جاء هذه المرة بلا قائد مبجل واحد او حاكم فرد مستحكم، وعلى هيئة وصورة ثورة وثوار ومجلس لها ولهم، يتولى الأمر، فأسنده إلى احد قادته ثم تداوله هؤلاء بأسعار باهظة من الاقتتال والدم والرصاص والمحاكمات والإعدامات ووسط أجواء هزيمة «الخامس من حزيران 1967» وما سبقها ورافقها وتبعها من أحداث وتطورات ومواجع… إلى ان جاء الفريق الرفيق حافظ الأسد في السادس عشر من تشرين الثاني من العام 1970 مصححاً، ومبعداً كل معاد للتصحيح من رفاق السلاح ورفاق الحزب ورفاق الثورة. وفي حين أبعد المشير حسني الزعيم ونحى الرئيس شكري القوتلي، وقتل العقيد سامي الحناوي سابقه منحياً رئيسه اللواء فوزي سلو، جاءت ثورة آذار من العام 1963 لتنهي آخر عهود الديموقراطية السورية بيد مجلس ثوري تعاظمت وتفاقمت الخلافات والصراعات فيه. وسارع نحوه الأسد الأب مصححاً بلا هوادة مقوّماً بدهاء ومكرساً بحزم وحسم نظامه الجديد الذي لم تشهد سوريا في تاريخها مثله مناعة وانضباطاً وتحكماً مدروساً دقيقاً بكل كبيرة وصغيرة وشاردة وواردة وإدارة فائقة النجاح لكل شأن داخلي او عربي او إقليمي وممارسة ذكية للسياسات في مواجهة كل مستجد وتعامل ناجح دقيق لكل مشكلة وأزمة وحالة.

ولست بصدد تعداد السنين التي مارس فيها السوريون الديموقراطية، لكنها وبكل حساب قليلة جداً، وخصوصاً انهم انما نالوا استقلالهم في العام 1946، وانهم في الحكم الأسدي منذ العام 1970 وكانوا قبله في حكمه المشترك مع رفاقه منذ العام 1963.

وليست صعبة ملاحظة ان السوريين قد مارسوا الديموقراطية ومنذ استقلالهم وحتى حلول الفاجعة قبل نحو العام ونصف العام لمدة لا تتجاوز أصابع اليدين عداً، ورزحت تحت العسكر نيفاً وستين سنة!..

فهل تأخرت الإدارة الأميركية في تأسيس مدرسة الديموقراطية في ألمانيا لتلقين أصولها لمن تتوقع منهم ممارستها من السوريين، والذين تريدهم قادرين على هذه الممارسة بالتوافق مع «الشورى» وبحيث تؤدي الغرض وتحقق المطلوب؟!..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى