صفحات العالم

مدرسة حكم الأسد


حسين شبكشي

في عالم الإدارة وكليات الأعمال من المستساغ دوما أن يكون الحديث بالإعجاب والتقدير عن أسماء بعينها أو شركات محددة أبلت بلاء حسنا وتفوقت على غيرها، وقدمت النموذج المبهر والمميز. فمعروف أن أهم قصص النجاح الإداري كانت من نصيب جاك ولش، قائد شركة «جنرال إليكتريك»، ومؤخرا كان التبجيل والتفخيم من نصيب المبهر الآخر مؤسس شركة «أبل» العملاقة الراحل ستيف جوبز. إلا أن الحكومات والحركات السياسية هي الأخرى لها نهجها وأسلوبها الإداري «المميز»، والذي يعرف بأنه بصمتها الخاصة التي تفرقها عن غيرها من مثيلاتها.

ولعل ما يوصف به نظام بشار الأسد، ومن قبله والده حافظ الأسد، في إدارة الأمور في سوريا، مسألة جديرة بأن تدرس وتبحث في كيفية تكوين دولة من الذعر لا غاية منها سوى تكريس حكم العائلة والطائفة بأي ثمن ولأطول زمن.

الحكم بشكل أساسي ارتكز على تبني فكرة إشغال الرأي العام بشعارات جميلة ومثالية، ولكنها مبهمة، ينشغل منظرو النظام لسنوات وعقود في محاولة «حشو» عقول الأجيال بالمبادئ والأهداف والقواعد والأسس التي يجب تبنيها في ندوات ومؤتمرات وكتب ومقررات وخطب ومحافل وغير ذلك من مناسبات الغث والهراء الرخيص. فأشغل الناس بالاشتراكية تارة، وبالقومية تارة أخرى، وبالوحدة تارات، وهي جميعا شعارات حزب البعث العربي الاشتراكي، ذلك الفكر الشيطاني المدمر الذي يكرس حكم الطغاة وفكرهم، وطبعا باع وروج للناس أيضا أنه راعي المواجهة والمقاومة والممانعة «الأول» ضد العدو الصهيوني الإمبريالي، وكان ماهرا وبارعا في «تخوين» من يعارضه ويخرجه من الملة القومية والعربية بلا رجعة، ويتبنى «دعم» الفصائل والأحزاب والحركات «المقاومة»، بينما بقيت حدوده مع إسرائيل وهضبته المحتلة بالجولان آمنة مطمئنة بلا إزعاج، وهي في ذلك أقرب لمنتجعات هاواي وبحر الكاريبي منها إلى منطقة احتلال ومواجهة على خط النار الملتهب كما يفترض.

وكان من صميم أسلوب النظام في تعامله مع من يخالفه طريقة إطلاق «الشبيحة» عليه، و«الشبيحة» ذلك اللفظ الذي عرف مع أحداث الثورة السورية الأخيرة هو حقيقة كان نهجا موجودا منذ بدايات النظام، فنظام الأسد يجند أبواقا في الإعلام العربي أو نوابا في بعض البرلمانات العربية، الغاية منها «بهدلة وشرشحة» ومسح البلاط السياسي بكل معارض للنظام، وإذا لم يتم استيعاب المطلوب بدقة يتم الإيذاء الجسدي الذي يبدأ بالتهديد حتى الإيلام والتشويه، وقد ينتهي بالقتل المرعب.

لقد برع النظام وأبدع في استخدام أشكال متنوعة من «الشبيحة» في كافة القطاعات والمجالات من ساسة ورجال أعمال وتجار وفنانين ورياضيين، كل يدلي بدلوه، وكل يترك بصمته المميزة في مجاله للتأثير على الناس بطريقته. والتشنج الأسدي لم يعد مع مرور الوقت ظاهرة محصورة داخل إطار وحدود سوريا وحدها، ولكنه انتقل إلى دول الجوار مثل العراق ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية وتركيا ومصر وبعض دول الخليج، كل هذه الدول بأشكال مختلفة عانت وذاقت المر جراء التشنج السوري العابر للحدود، وهو ما يفسر وبقوة «تردد» وخوف بعض هذه الدول من الإقدام بصراحة وبشكل غير قابل للشك في دعم الثورة السورية، لأن التهديد التشنجي مسألة قائمة ومستمرة من قبل نظام الأسد ضد الأردن مثلا، وها هي المظاهرات تتحرك في توقيتات مريبة وبأشكال «مختلفة»، وكأنها موجهة كما بات معروفا للمخابرات الأردنية من جهات «محسوبة» على المخابرات السورية وعناصرها، وكذلك الأمر بطبيعة الحال في لبنان المخترق تماما من قبل منظومة التشنج السوري بامتياز، فهناك وصل التشنج إلى الحكومة والبرلمان وأصبح جزءا من المنظومة الحاكمة بامتياز، وفي تركيا هناك قلق وخوف واضح من اختراق سوري تشنجي للفئة العلوية وتوظيفها لإحداث القلاقل لصالح الأسد ونظامه كنوع من تخفيف الضغط التركي على سوريا ونظامها.

وهناك أيضا «تحريك» واضح لبعض الحركات الكردية في الداخل التركي عن طريق أعمال إرهابية تزعزع ثقة المواطنين الأتراك في قدرة أردوغان الأمنية على حماية استقرار البلاد بعد فترة استقرار وحسن إدارة للملف الكردي.

التشنج هو إحدى أدوات ووسائل نظام الأسد المرعب الذي يتفق شرفاء العالم على أهمية الخلاص منه، ليس لأنه من صالح الشعب السوري فقط، ولكنه معيب على الإنسانية استمراره حتى الآن.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى