صفحات الناس

مدن دمشق الجامعية..مراكز الترهيب والتجنيد/ كرم منصور

 

 

بالقرب من السكن الجامعي في حي المزة في دمشق، تقف حافلة النقل الداخلي، أمام الباب الرئيس، ليصعد إليها طلاب لا يحملون كتبهم الدراسية، ولا يتجهون إلى جامعاتهم. طلاب يرتدون بزات عسكرية، ويحملون بنادقهم وعتادهم العسكري الكامل، باتجاه جبهات القتال، في مشهد أصبح اعتيادياً عند طلاب المدينة الجامعية في المزة.

فمنذ العام 2013 تشكلت “كتائب البعث” داخل الجامعات وفي السكن الجامعي، وبدأ النظام بتطويع الطلاب في العمل العسكري، وكانت مهمتهم في البداية تأمين محيط الجامعات والتصدي مع “اتحاد الطلبة” لأي محاولة احتجاج يقوم بها الطلاب داخل الحرم التعليمي. وفي العام 2014 حين اشتدت المعارك، بين قوات النظام والمعارضة، بدأ النظام بسحب عناصر من “كتائب البعث” للقتال على الجبهات المحيطة  بدمشق، أو للانتشار داخل العاصمة.

وكثيراً ما يسمع المرء عن طلاب يقاتلون على جبهات داريا وجوبر، في حين يداوم البعض في حواجز داخل دمشق؛ كحاجز الحياة في شارع العدوي وحاجز الأمويين. ويكون انضمام الطلاب لهذه الكتائب، مقابل الحصول على سكن مجاني في المدينة الجامعية، حتى ولو لم تسمح القوانين بذلك. إضافة إلى إعطاء الطلاب بطاقة عسكرية، تمكنهم من حمل السلاح والتنقل به خارج المدينة الجامعية، ليتم تسليمه إلى مخازن داخل السكن الجامعي عند عودة الطلاب إلى غرفهم. ويعامل الطلاب المنضمون إلى تلك الكتائب معاملة الجنود من حيث الامتيازات، إضافة إلى قدرتهم على متابعة دراستهم الجامعية.

ولا تقتصر “كتائب البعث” على الشباب، فهنالك العديد من الفتيات اللواتي التحقن بها، وكذلك الطلاب غير السوريين، وفي غالبيتهم لبنانيون موالون لمليشيا “حزب الله” وقد قُتل العديد منهم في المعارك، لتنتشر بعدها صورهم في أروقة المدينة الجامعية “تخليداً لذكراهم”.

وتقع مدينة المزة الجامعية على الاوتستراد بين مطار المزة العسكري -يبعد عنها أقل من كيلومتر واحد- وبين “المربع الأمني” المجاور لها في منطقة الجمارك، الذي يضم “المخابرات الجوية” و”فرع أمن الدولة” و”فرع المنطقة” و”الأمن العسكري”. في حين تلاصق مدينة الطبالة الجامعية “فرع الدوريات” و”فرع فلسطين”. ويشير تموضع المدن الجامعية في العاصمة بالقرب من الفروع الأمنية إلى الأهمية التي يوليها النظام إلى طلاب الجامعات، ورغبته في إبقائها تحت نظره.

وبحسب مصادر خاصة لـ”المدن”، تسيطر على مدينة المزة الجامعية، ثلاثة فروع أمنية، هي “المخابرات الجوية” و”أمن المنطقة” و”أمن الدولة”، في حين يسيطر على مدينة الطبالة، “فرع الدوريات” و”فرع فلسطين” التابع لـ”شعبة الاستخبارات العسكرية”.

وتعمل هذه الأفرع الأمنية بشكل منفصل عن بعضها، وتغرس العديد من عملائها، على شكل بائعي صحف ومجلات أو عمال تنظيفات، يقومون بمراقبة الطلاب ورفع التقارير إلى أجهزتهم الأمنية، فضلاً عن العمل على تجنيد العديد من الطلاب للعمل لصالحهم مقابل مكافآت مادية.

ويعتبر “اتحاد الطلبة” في المدينة الجامعية، الذراع الأمنية المسؤولة عن الطلاب داخل السكن الجامعي، ويتكون من عشر مجموعات، يرأس كل مجموعة منها، طالب يقوم برفع التقارير إلى رئيس “اتحاد الطلبة” الذي يقوم بالتنسيق مع الفروع الأمنية، عند القيام بأي إجراء. وتقوم هذه المجموعات بحملات المداهمة والتفتيش في غرف الطلاب.

ويقول أحد الطلاب: “كثيراً ما تحصل مداهمات داخل السكن الجامعي، ففي الأسبوع الماضي، حوالي الساعة السابعة مساءً، تم قطع الكهرباء عن الوحدة الرابعة في السكن، ثم بدأ مسؤول الوحدة بالصراخ على الطلاب كي يلتزموا غرفهم ليدخل بعدها قطيع من اتحاد الطلبة، ويقوم بمداهمة غرفة لشباب من حمص”.

الطلاب المُداهِمون كانوا يصرخون “بالروح بالدم نفديك يا بشار”، ويخبطون على الأبواب، يكمل الطالب: “كنا نحن حبيسي الغرف نسمع أصوات عصي الكهرباء التي بإيديهم، وكلما ضغطوا عليها تقشعر أبداننا من الخوف، لنخرج بعد حوالي ساعة من رحيلهم، لنجد الغرفة التي تمت مداهمتها فارغة ومحطمة، وكل شيء فيها خراب”.

وطلاب “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” لا يأخذون مقابلاً مادياً لقاء انتسابهم ومشاركتهم في نشطات “الإتحاد” العلنية كمسيرات التأييد أو الاحتفال بالمناسبات الرسمية الإلزامية، والأعمال الأمنية مثل المداهمة والاعتقال وإيصال المعلومات. لكنهم يأخذون امتيازات عديدة لا يحظى بها كافة الطلاب، ومنها الحصول على غرف سكنية، و”تسهيلات” تضمن لهم نجاحاً آلياً في الجامعات.

يقول أحد الطلاب: “حين يسكن عشرة أشخاص في غرفة لا تتجاوز مساحتها 25 متراً مربعاً، يُوزَّعُ طلاب الاتحاد  ليكونوا ثلاثة أو أربعة أشخاص في الغرفة الواحدة، فضلاً عن السلطة التي يتمتعون بها على الطلاب، فهم يد النظام وعينه، ويتم اختيارهم بحسب قوة ولائهم”.

وبحسب مصادر “المدن” فإن المجموعات العشر، لـ”اتحاد الطلبة” تنقسم طائفياً، لتكون المجموعة الأكبر فيها للعلويين، وتكون نسبتها الأكبر من أبناء طرطوس وجبلة، الذين يملكون أهم العلاقات الأمنية مع رئيس الاتحاد ومندوبي المخابرات. والقسم الثاني للدروز من أبناء السويداء وجبل الشيخ. في حين تنحصر الكتلة السنية بعدد من الطلاب من أبناء درعا ودير الزور والحسكة في غياب واضح لتمثيل أبناء إدلب وحلب خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

التضييق على الطلاب لا يشمل فقط الجانب الأمني، بل يمتد إلى الشق المعيشي والخدمي، كالتلوث في مياه الشرب وتعطل شبكات الصرف الصحي والازدحام الشديد. وبات العديد من الطلاب يسكنون في أقبية الوحدات السكنية، التي كانت سابقاً تستخدم كمستودعات ومخازن، رغم ظروفها الصحية السيئة.

ويرى بعض الطلاب أنه ومنذ اندلاع الثورة، وما رافقها من اندلاع المظاهرات في المدينة الجامعية، فإن التضييق أصبح سياسة ممنهجة يتبعها رؤساء السكن الجامعي، من تقنين الكهرباء رغم وجود مولدات، إلى سوء الخدمات، ليبقى الطلاب مدركين أن جميع تفاصيل حياتهم، هي في أيدي رؤسائهم في السكن الجامعي.

عند كتابة تاريخ سوريا الحديث، سيكون للمدينة الجامعية في المزة، المسماة بمدينة “باسل الأسد الجامعية”، نصيب كبير في توثيق الاضطهاد. وعدا عن ذلك، فالمدينة تحتوي على أكبر تمثال، ما زال واقفاً، لحافط الأسد في دمشق، بطول خمسة أمتار، يحاذيه من الجهة الجنوبية تمثال بائس لباسل الأسد يمتطي “حصاناً”. وكلا التمثالين، عدا عن تمثيلهما لرموز نظام التوحش، فإنهما يعانيان عيوباً فنية هائلة، يزيدان في الطنبور أوتاراً من البشاعة.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى