مدينة الباب السورية: عودة حياة بالتي هي أحسن/ حلب – جلال التلاوي، إسطنبول – أحمد حمزة
من يدخل مدينة الباب السورية، الواقعة على بعد نحو أربعين كيلومتراً شرقي مدينة حلب، لا يحتاج إلى أن يتجوّل طويلاً في المدينة، حتى يرى بوضوح عودة بعض مظاهر الحياة إليها، في الأسواق والأحياء السكنية التي تعجّ بعشرات آلاف السكان الآتين من محافظات عدة، بعد مضي أقل من 100 يوم على طرد قوات “درع الفرات” لمسلحي “داعش” منها، لتغدو كما يقول السكان هناك، آمنة بعدما عاشت أهوال حروب متعددة الأطراف.
تنوعٌ سكاني
ولعل أكثر ما يلفت في وضع المدينة حالياً، ليس فقط الاكتظاظ السكاني الحاصل، وإنما أيضاً تنوعهم، إذ تضم المدينة إضافة لسكان محليين كانوا نزحوا منها سابقاً وعادوا بعدما وضعت الحرب أوزارها، آلاف العائلات المتحدرة أساساً من مناطق أخرى بريف حلب الشرقي وريف الرقة ومن مُهجري شرقي مدينة حلب، ومئات الأسر المُهجرة من حي الوعر بمدينة حمص، وكذلك مُهجرين من ضواحي مدينة دمشق. واختارت آلاف الأسر التي هُجرت قسرياً من مناطق سكنها المختلفة، التوجه نحو مدينتي الباب وجرابلس وغيرهما من المناطق التي باتت تحت سيطرة عملية “درع الفرات”، التي أطلقها الجيش التركي وفصائل من “الجيش السوري الحر” في أغسطس/ آب 2016. وهؤلاء المواطنون فضلوا مدينة الباب على مدن وقرى محافظة إدلب، معتبرين أن “مستقبلها آمن وأكثر وضوحاً، كونها تحت الحماية التركية المباشرة، فيما لا يزال مستقبل محافظة إدلب غير واضح المعالم”، كما يقول أحد سكان المدينة، عبدالله السيد. ويضيف المتحدث ذاته، الذي وصل إلى المدينة قبل أسابيع مع أسرته آتياً من حصار طويل في حي الوعر بمدينة حمص، أنه فضّل التوجه لمدينة الباب عن غيرها كونها “باتت آمنة، على خلاف محافظة إدلب التي كانت لا تزال تتعرض للقصف حينما كنا نهم بمغادرة الوعر (…)”. ويتابع قائلاً “تعبنا من حصار وقصف دام نحو 3 سنوات في الوعر، وقررنا التوجه إلى مدينة الباب طلباً للأمان والاستقرار، لأنها أكثر أمناً من غيرها، ومستقبلها يبدو أكثر وضوحاً”، مشيراً إلى أنه “في الباب، وعلى الرغم من ارتفاع الأسعار وبعض الصعوبات المعيشية الأخرى، تبقى الخيار الأنسب”، وفق تعبيره.
اكتظاظ رغم الدمار
تقدر أوساط محلية أن عدد سكان الباب حالياً يبلغ قرابة 200 ألف نسمة، نصفهم على الأقل من المُهجرين والنازحين من مناطق عدة. وهذا الرقم يُعتبر قياسياً إذا ما تم الأخذ بالاعتبار أن المدينة ومع وصول آخر المعارك مع “داعش” لذروتها في فبراير/ شباط الماضي، كانت شبه خالية من السكان الذين هجروها، وبدأوا بالعودة تدريجياً إليها منذ بداية مارس/ آذار الماضي، حين كانت قوات “درع الفرات” قد بسطت نفوذها على كامل المدينة، بعد طرد مسلحي “داعش” منها.
وقد شهدت المدينة قبل أن تتوقف فيها المعارك منذ ثلاثة أشهر، سنوات طوال من الحروب. وكانت خرجت من سيطرة النظام السوري نهائياً في النصف الثاني من سنة 2012، لتصبح تحت سيطرة المعارضة السورية المسلحة، التي خسرتها في شهر يناير/ كانون الثاني 2014 لصالح تنظيم “داعش”. وظلت خاضعة للأخير حتى نهاية فبراير/ شباط الماضي عندما سيطرت عليها بالكامل فصائل عملية “درع الفرات”.
وهذه السنوات من المعارك المتعددة التي شهدتها المدينة، خلفت دماراً واسعاً يظهر بكل وضوح في نحو 50 بالمائة من بنيتها التحتية وأحيائها السكنية. لكن وعلى الرغم من ذلك، يبدي عدد كبير من السكان تفاؤلاً في مستقبل الحياة بالباب، خاصةً أن عمليات ترميم وإصلاح البنى والأحياء المدمرة تتم بصورة متسارعة، بحسب ما يقول عدد من السكان لـ”العربي الجديد”. ويذكر أحدهم، ويدعى صالح الحلبي، أنه “على الرغم من الدمار الواسع الذي خلفته المعارك والقصف الجوي والمدفعي لسنوات هنا، فإن حركة ترميم وإزالة مخلفات الحرب تمضي بسرعة، وهناك جهود متسارعة من المجلس المحلي بالتعاون مع السلطات التركية لإزالة مخلفات الحرب وإصلاح البنى التحتية”، مع أن المتحدث لا يخفي وجود “صعوبات كبيرة بالمعيشة تتعلق بتأمين مياه الشرب والتيار الكهربائي وغلاء الأسعار لا سيما في شهر رمضان”، وفق تعبيره.
غلاءٌ وضعف بالخدمات
وعلى الرغم من أن أحياء مدينة الباب باتت تشهد اكتظاظاً سكانياً كبيراً، وعودة الحركة إلى أسواق المدينة التي باتت تشهد افتتاح مشاريع تجارية ومطاعم ومقاه، إلا أن صعوبات عديدة لا تزال تواجه السكان. وحين يطرح عليهم سؤال حول أوضاعهم المعيشية، يبادرون مباشرة للحديث عن صعوبة تأمين مياه الشرب وغلاء أسعارها وأسعار التيار الكهربائي.
وفيما يؤمن الناس احتياجاتهم من التيار الكهربائي عن طريق الاشتراكات بمولدات كهربائية خاصة، إلا أنهم يشتكون من ارتفاع ثمنها، إذ إن سعر “الأمبير” الواحد يصل لقرابة سبعة آلاف ليرة سورية (14 دولاراً)، وهي قيمة مرتفعة جداً قياساً بمستوى الدخل المتدني لمعظم السكان. أما المياه، فحال شبكتها كشبكة الكهرباء التي أصابها الدمار نتيجة المعارك الطويلة التي شهدتها مدينة الباب. ويعتمد السكان في تأمين احتياجاتهم من المياه، على شرائها من الآبار الجوفية الموجودة في المدينة ومحيطها، حيث تضطر الأسر لشراء الألف ليتر بمبلغ يقارب 1500 ليرة سورية.
ولا تتوقف مشكلة ضعف الخدمات على نقص، وأحياناً فقدان الخدمات الرئيسية، بل تتعداها لنقصٍ بالمواد الغذائية الأساسية وعلى رأسها الخبز، وهي مشكلة يقول المسؤولون المحليون إنها وجدت بسبب التزايد الكبير لأعداد السكان، لكنهم بدأوا بحلها عن طريق تأسيس أفران خبز جديدة. وقد افتتح المجلس المحلي في مدينة الباب قبل أسبوعين، مخبزين جديدين، في محاولة لسد العجز الموجود. وينتج المخبزان نحو 18 ألف ربطة خبز يومياً، وهي كمية تغطي جزءاً كبيراً من النقص الحاصل في مادة الخبز قياساً بعدد السكان. ويقول مدير الخدمات الاجتماعية في المجلس المحلي لمدينة الباب، إيهاب الراجحي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “المجلس المحلي لمدينة الباب يقدم 28 طناً من الطحين يومياً للمدينة وريفها، لـ6 أفران في المدينة وفرنين بالريف”، متوقعاً أن دخول الفرنين الإضافيين للخدمة، واللذين سيعملان “بطاقة إنتاجية من 16 طن طحين يومياً”، سيساعد في “سد عجز الخبز في المدينة”، إلا أنه يتوقع “حصول نقص مع عودة الأهالي في عطلة عيد الفطر”.
ويؤكد مسؤول الإنتاج في الفرنين الجديدين، طلال محمد، أن “لجنة إعادة الاستقرار دعمت إقامة الفرنين اللذين ينتجان يومياً 16 طناً، وكل طن يوازي 1150 ربطة”، قائلاً أثناء حديثه لـ”العربي الجديد”، إن “مدينة الباب تحتاج لنحو 30 طناً يومياً من الطحين”.
العربي الجديد