مدينة بلا مكتبة
عبد الرحمن عبد المولى الصلح
لا جدال في اهمية القراءة التي تزيد اثراء الانسان الفكري والثقافي. في الماضي، كان الحرص على التهام الكتب، خصوصا من قبل الطلاب، امرا مألوفا. اليوم، ويا للأسف، نشهد ضمورا واضحا في هذا الاتجاه. فبالكاد، يقرأ الطالب المقرر الجامعي. فما بالك بعامة الناس الذين توقفوا عن ايلاء موضوع القراءة والثقافة، الحد الادنى من الاهتمام؟! والنتيجة، ان “القراء اخذوا يقلون عددا والثقافة تضمحل والوعي ينحسر” (جوزف باسيل، “في القراءة والكتابة” “النهار” 2012/03/17). وقد يكون السبب في ذلك، الافتقار الى المكتبات العامة، علما انني من المؤمنين، ان مدينة بلا مكتبة،… كمدينة بلا مستشفى! يضاف الى ذلك، التحول التكنولوجي الجارف الذي يشهده العالم من خلال تطوير وسائل الاتصال الالكتروني، وبث المعلومات وتلقيها. آضحى الكومبيوتر، ملك الساحة، دون منازع، مزيحا الكتاب من دربه، الذي كان يوما… خير جليس! لكن المشكلة لا تكمن فقط في استبدال الكتاب، بالكومبيوتر – والذي بالامكان الاستفادة منه من خلال تزويد المرء معلومات وفيرة، بل في تضاؤل الرغبة والاهتمام – خاصة لدى الشباب – للاطلاع والتعمق والبحث الجدي – بغية تراكم المعلومات واثراء النفس، فأضحى البديل هو التركيز على برامج الالعاب والثرثرة او (التغريد) الالكترونية عبر التويتر والفيسبوك.
يطرح اليوم تساؤل جدي عما اذا كان الكتاب الورقي سوف يستبدل بالكتاب الرقمي، من خلال الاقراص المدمجة. هنالك شريحة من القراء، تكبر يوما بعد يوم – تتقصد شراء كتب تحمل على اجهزة الايباد والكندل. فاذا كنت على سفر، في استطاعتك تحميل مجموعة كتب، بدلا من ان تتحمل عناء حملها معك.
والانتقال الى المجال الرقمي، لم يقتصر فقط على الموسوعات المعرفية (اعلنت موسوعة بريتانيكا – بعد 244 سنة من انطلاقها توقفها عن اصدار نسختها المطبوعة والتركيز على موقعها الالكتروني (“النهار”، نقلا عن أ.ب.، 2012/03/15)، بل وصل الى الكتب السماوية، حيث يمكن قراءتها على اللوحات الالكترونية.
في واشنطن، مطلع العام الجاري، اغلقت “بارنز اند نوبل” احدى اكبر سلسلة مكتبات، في اميركا ابوابها نهائيا، لمصلحة محلات الاحذية “نايكي”، بسبب عدم قدرتها على دفع الايجار المترتب عليها.
فالاقبال على الكتاب الورقي تلاشى لمصلحة الكتاب الرقمي (آمال مدللي، الحياة، 2012/02/07).
في العالم العربي، يبدو خيار الكتاب الرقمي لا يزال ضعيفا، بسبب قلة التطبيقات Applications في اللغة العربية، ناهيك ان نسبة القراءة في العالم العربي مخجلة للغاية. لكن، مع مرور الزمن، فلا مناص من ان يتربع الكتاب الرقمي على العرش.
والسؤال: ماذا نفعل بالكتب الورقية التي في حوزتنا اذا اعتمدنا الكتاب الرقمي؟! منذ سنوات درجت في الولايات المتحدة عادة “الكتاب المسافر Book Crossing”، اي ان يضع المرء كتابا انهى قراءته في احد الامكنة العامة، بعدما يكتب في صفحته الاولى سائلا من يجده ان يقرأه، ثم يعيد وضعه في مكان عام آخر، كي يتسنى لآخرين قراءته. بالرغم من تحبيذي للفكرة، الا انني لا أجرؤ على تنفيذها. وكأن الكتاب يقول لي: أبقِني اسيرك كي اظل حرا!
ان اعتماد الكتاب الرقمي سيعيد النظر في دور المكتبات العامة واسلوب استعارة الكتب. وسيقتصر الامر على زيارة موقع المكتبة الالكترونية – بدلا من الذهاب الى مقرها – وتحميل الكتاب الذي ترغب.
ختاما، وعلى سيرة اعارة الكتاب، اختم بما قاله لي والدي اواخر الستينات وكنت يافعا، حين سمعني اعد صاحبي باعارته كتابا من مكتبتي قال لي، اسمع هذه الطرفة: أب سمع ولده يعد بما فعلت، فقال له “ما بنصحك تعير الكتاب”، شايف مكتبتي شو كبيرة… هيدي كلها استعارة!
النهار