صفحات الناسعلي العبدالله

مدينتي التي لم اعانِ حصارها/ علي العبدالله

 

بين فكي كماشة، كما يقال، تعيش مدينة ديرالزور الآن، وخاصة الاحياء المحررة، فقوات النظام التي تسيطر على حيين من أحيائها الـ 26 ، القصور والجورة، تنتشر على اطرافها تحاصرها من جهات الغرب والجنوب وبعض الشرق( قرية الجفرة والمطار العسكري)، بينما فك الكماشة الثاني: تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام(داعش) يسد المنفذ الشرقي حيث جسر السياسية(يسمى بجسر السياسية لوجود فرع الأمن السياسي على مدخله الجنوبي) الذي كان الرئة الوحيدة للأحياء المحررة طوال عامين من حصار قوات النظام لها، كان معبر المواد الغذائية من اسواق الصالحية والريف القريب، ونقطة عبور السكان الذين يغادرون الاحياء المحررة للسفر الى المناطق او المحافظات الاخرى للتسوق او للعلاج او للدراسة. على مسافة غير بعيدة من الجسر انتشر قناصة داعش يمطرون المارة بالرصاص دون تمييز بين مقاتل او مدني، امرأة او رجل، شيخ او طفل، فالكل مهدور الدم على خلفية تكفيرهم او اعتبارهم مرتدين دمهم مباح حتى يتوبوا، وتوبتهم لا تقبل ما لم يبايعوا الدولة وأمير المؤمنين ابا بكر البغدادي.

كانت الأحياء المحررة عرضة لقصف قوات النظام طوال عامين من مواقع تمركزها على التلال الجنوبية، التي تشكل الحد الطبيعي لسرير نهر الفرات الذي تقوم المدينة على ضفتيه، حيث نصبت مدافع الميدان، ومن القوات المتمركزة في المطار ومحيطه في شرقها، ومن معسكر الطلائع في غربها، هذا بالإضافة الى غارات الطائرات القاذفة التي تزورها من فترة الى أخرى. وقد نجم عن محاولات اقتحام الاحياء المحررة، والقصف المتواصل،  تدمير وتخريب معظم مساكنها وبنيتها التحتية من طرق وخطوط كهرباء ناهيك عن المدارس والأسواق والمشافي والمساجد ونهب اثاث البيوت التي هجرها سكانها على خطوط التماس.

بدأ حصار المدينة من قبل جيش النظام بعد اندحاره امام الثوار الذين اخرجوه من احيائها. كانت المدينة قد انخرطت بالتظاهر السلمي بُعيد انطلاق شرارة الثورة في درعا بأيام(أول مظاهرة كانت يوم 18/3/2011) وتوالت التظاهرات ايام الجمع التالية من مساجد عثمان(المطار القديم) المفتي(بور سعيد) العرفي( البوسرايا) الروضة(الجبيلة) وكانت اهمها في هذه المرحلة تظاهرة يوم الجمعة (22/4/2011)  التي تمكنت من الوصول الى وسط المدينة، وبعد اصطدامها بالشبيحة والمخابرات، قامت بتحطيم تمثال باسل الاسد( تمثاله وهو يركب  حصانا). وكان النظام يفرقها عبر عناصر المخابرات والشبيحة باستخدام العصي والمدى والرصاص الحي والاعتقال قبل ان يقتحمها الجيش اثر مظاهرة جمعة احفاد خالد بن الوليد(15/7/2011) التي تجاوز عدد المشاركين فيها الـ 100000، قدرها البعض بـ 300000، وقد حصل ان ارسل العماد آصف شوكت مساعده صفوان خير بيك الى المدينة لمقابلة وجهائها ومثقفيها ودعوة من يراه مؤثرا في الحدث لمقابلته في دمشق، وقد قابله عدد منهم، وخلال الحديث معهم عن مطالب المدينة لتوقف التظاهر قال له الاستاذ رياض درار لقد اقتحمتم المدينة وقتلتم العشرات دون مبرر، فرد العماد: لا ليس دون مبرر فعندما يبلغ عدد المتظاهرين عشرات الالاف فانه يعني لنا الكثير ويكون الاقتحام مبررا.

اما طرف الكماشة الثاني (داعش) فقد ظهر في ريفها بداية كأفراد من تنظيم الدولة الاسلامية في العراق يقاتلون في صفوف جبهة النصرة لأهل الشام قبل ان يعلن البغدادي مد ظله على سوريا بإعلان الدولة الاسلامية في العراق والشام ملحقا جبهة النصرة، رديفته في تنظيم القاعدة، بتنظيمه، ولما رفض الجولاني القرار وأعلن ولاءه للظواهري ومبايعته له جرى انتقال مقاتلين سوريين وعرب ومسلمين بين الجناحين وكانت ولادة تنظيم “داعش” في سوريا والذي بدأ بتسمية امراء له على المدن والبلدات والقرى التي له فيها تواجد قبل ان يبدأ في محاربة الكتائب الأخرى ويعمل على اخراجها من هذه المناطق باعتبارها قوى كافرة لارتباطها، بالنسبة لكتائب الجيش السوري الحر، بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة و”تلقيها” تعليماتها من دول الغرب، او مرتدة، بالنسبة للكتائب الاسلامية الأخرى، لأنها لم تبايع البغدادي بعد، وملاحقة  النشطاء المدنيين، وخاصة الاعلاميين منهم، وتصفيتهم باعتبارهم كفارا لأنهم يؤمنون بالديمقراطية( من جرائمها البشعة اعدامها لرئيس محكمة الجنايات بدير الزور القاضي زهير طوير بذريعة الحكم بمواد القانون الوضعي خلال المحاكمات في حين تقول مصادر مطلعة ان السبب الحقيقي لإعدامه كان حكمه على ابن عم عامر الرفدان أمير داعش بالسجن لمدة عشرين عاما لارتكابه جناية ورفض القاضي لنزاهته الوساطة او الرشوة لتخفيف الحكم فانتقم منه عامر الرفدان بخطفه وهو متجه الى مقر عمله في مدينة ديرالزور ونقله الى قرية خشام وإعدامه برصاصة بالرأس قبيل هروب التنظيم من القرية خلال المواجهات مع كتائب الجيش السوري الحر والجبهة الاسلامية يوم 10/2/2014)، وكان لمحافظة ديرالزور اسمها (ولاية الخير، نظرا لما فيها من انتاج نفطي وزراعي وماشية) وأمير هو عامر الرفدان من ابناء الريف قرية خشام.

لم يطل صبر المجتمعات المحلية والكتائب الأخرى على تجاوزات تنظيم داعش فخرجت التظاهرات المناوئه في حلب والرقة، وانفجر القتال بينه وبين كتائب الجيش السوري الحر والجبهة الاسلامية وجبهة النصرة وأخرج، من بين مناطق كثيرة، من محافظة ديرالزور، وانحصر نفوذه في محافظة الرقة، نجح في البقاء فيها نتيجة رفض جبهة احرار الشام المشاركة في القتال ضده، باعتباره قوة جهادية تابعة للقاعدة، وهذا لم يغفر لها، لأنها لم تبايع البغدادي، وأعتبرها داعش عدوا وأطلق عليها وصف اشرار الشام.

عاد داعش الى مهاجمة محافظة ديرالزور على خلفية الحاجة للتواصل مع قواته في المحافظات الغربية في العراق ووضع اليد على خيرات المحافظة وخاصة النفط( عندما دخلت قوات التنظيم قرية الصّعوة في الريف الغربي للمحافظة جمعت السكان وسألتهم عن السيارات التي في حوزتهم هل ملكيتها قبل النفط ام بعده وصادرت كل السيارات التي تم تملكها بعد النفط، وأستبقت المشرفين على بيع النفط على ان يوردوا العائد للتنظيم، وردت على المعترضين: انتم وما تملكون ملكا للدولة الاسلامية في العراق والشام) ونجح في السيطرة على ارياف المدينة الغربية وجزء من الارياف الشرقية واستقرت قواته على بوابة مدينة ديرالزور الشمالية حيث جسر السياسية، المدخل الوحيد الى الأحياء المحررة، والذي نجحت قوات الثوار بالدفاع عنه في مواجهة محاولات قوات النظام السيطرة عليه وإغلاقه في وجه حركة المواطنين والثوار، والإبقاء عليه رئة تدخل منها المواد الغذائية والأدوية والأسلحة، وتسمح بتنقل المواطنين الذين مازالوا في المدينة، وهم اقلية ممن عجزوا عن الخروج بسبب ضيق ذات اليد، وهذا- انتشار قناصة داعش- أضاف الى معاناة المواطنين من القصف وقطع الماء والكهرباء والهاتف بُعدا جديدا: العجز عن تأمين الطعام ومنع خروج الجرحى والمرضى للعلاج في المشافي الميدانية في الريف والتي تمتلك امكانيات اكبر من مثيلاتها في المدينة نتيجة للقصف والحصار وتواضع الدعم الوارد اليها.

ترتبت على التطورات التي يشهدها العراق، ومشاركة قوات داعش في القتال ضد النظام الطائفي هناك، تغيرات متناقضة منها حصول داعش على كميات كبيرة من الاسلحة المتطورة، نقلت جزءا كبيرا منها الى سوريا، ما سيمنحها قوة نيران تسمح بحسم المواجهة ضد خصومها، تصاعد القتال في العراق، بعد فتاوى المرجعيات الشيعية للقتال ضدها، والدعم الايراني لنظام المالكي(انخرط النظام السوري في المواجهة في العراق وقامت طائراته بقصف مواقع لداعش في محافظتي الرقة والحسكة وداخل العراق، في محاولة منه لإيجاد موطئ قدم له في المواجهة وتوجيه رسالة الى العالم مفادها انه يخوض ذات المعركة ضد الارهاب في سوريا، وها هو ذا يشارك فيها مع الغرب، وخاصة واشنطن، في العراق) ما سيستنزف قدراتها العسكرية والبشرية وينعكس سلبا على قدراتها على الحشد، خاصة اذا اضطرها الموقف هناك الى سحب جزء من قواتها من سوريا، على المواجهة بينها وبين الكتائب السورية المناوئة لها قد يسمح لهذه الكتائب بدحرها، وفك الحصار عن مدينة ديرالزور وإخراجها من سوريا.

تستدعي المعركة ضد داعش في ديرالزور، وكل سوريا، اغتنام الفرصة للقضاء على هذا التنظيم، تحرك قوات الثورة والحشد المنسق لحسم المعركة وتحرير الثورة وسوريا من هذه البقعة السوداء.

\\ كاتب سوري \\

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى