مراسلون محليون يكسرون حاجز الخوف خلف أسوار داعش
تتحدى مجموعة من الناشطين الإعلاميين الشباب، الرعب الذي يبثه تنظيم داعش في مدينة الرقة، مخاطرين بحياتهم في سبيل نقل أخبار المعارك والانتهاكات اليومية التي يمارسها التنظيم المتطرف ضد المدنيين.
من لم يصمد داخل الرقة واصل العمل خارجها
بيروت – تعد التغطية الصحافية في منطقة كالرقة، معقل تنظيم داعش الرئيسي، إحدى أخطر المهام على الإطلاق، وحتى أولئك الصحافيون الذين اختبروا الحروب والصراعات مرارا، لم يجرؤوا على الدخول إليها، لتبقى الأنباء التي تصل إلى العالم مقتصرة على تقارير بضعة مراسلين محليين، قرروا كسر حاجز الخوف.
وتحول ناشطون في مدينة الرقة إلى مراسلي حرب يغطون المعارك ويرصدون غارات التحالف الدولي عليها، بعد تطوير مهاراتهم الإعلامية عبر توثيق انتهاكات تنظيم داعش سرا، وهم مهددون في كل لحظة باكتشاف أمرهم وعقوبة ليست أقل من الذبح.
وتكتسب تقارير هؤلاء الناشطين أهميتها من انعدام أي مصادر أخرى للخبر في مدينة الرقة، ومعرفتهم التامة بتفاصيل مدينتهم والخبرة التي اكتسبوها عن ميدان المعركة والأسلحة المستخدمة فيها، إضافة إلى اهتمام ورغبة الكثير من الناس في مختلف أنحاء العالم، في معرفة ما يجري خلف الأسوار المغلقة لمعقل التنظيم المتطرف، في ظل انتشار الشائعات والتهويل والقصص التي أشبه بالسريالية منها إلى الواقع.
ويتحدث الناشط السوري تيم رمضان، مستخدما اسما مستعارا وحسابا مزيفا على موقع فيسبوك، عن ظروف العمل الصحافي ويقول إنه يصعد يوميا على سطح منزله في مدينة الرقة ويثبت صحن الإنترنت الفضائي سرا تمهيدا لإرسال تقارير يومية حول معارك المدينة، إلى زملائه في مجموعة “صوت وصورة” التي تتخذ من إحدى الدول الأوروبية مقرا لها. وبعد أن يتأكد من إرسال المواد يسارع رمضان إلى محو كل شيء من على الكمبيوتر خوفا من مداهمات يقوم بها تنظيم داعش.
وتوفر شبكات إعلامية على وسائل التواصل الاجتماعي نافذة نادرة للاطلاع على الأحوال المعيشية في الرقة، لا سيما في الأحياء التي لا تزال تحت سيطرة تنظيم داعش. ومن أبرز تلك الشبكات حملة “الرقة تذبح بصمت” التي كانت من أولى المنصات التي عملت على توثيق انتهاكات التنظيم منذ أصبحت المدينة محظورة على الصحافيين.
وتعرض عدد من ناشطي الحملة للاعتقال والقتل داخل سوريا، وتمت ملاحقتهم حتى خارج سوريا، حيث عثر على صحافيين سوريين مقطوعي الرأس في تركيا، وتوجهت أصابع الاتهام إلى تنظيم داعش.
ويركز الناشطون الإعلاميون على توثيق حياة السكان في ظل النقص في المواد الغذائية وانقطاع المياه والكهرباء، وينشرون صورا للغارات الجوية على المدينة ويوثقون ضحايا المعارك فيها.
أغيد الخضر: عودة الحملات الإعلامية ضرورية بعد طرد جهاديي داعش من مدينة الرقة
ويقول رمضان “هذا هو الشيء الوحيد القادر على القيام به حاليا”، مضيفا “أرسل يوميا للمجموعة إحصاءات بعدد الغارات والقذائف والشهداء والجرحى، ومن قتل قنصا أو في غارة أو في لغم، وكم بيتا تدمر”.
وكان عمله قبل بدء المعارك في المدينة، يقتصر على توثيق أعمال تنظيم داعش الذي يغذي الرعب في مناطق سيطرته من خلال الإعدامات الوحشية والعقوبات التي يطبقها على كل من يخالف أحكامه أو يعارضه. لكن العملية العسكرية على الرقة أجبرته على التوسع أكثر في مجال عمله، وبات يوثق المعارك وضحاياها.
ويقول “كنا نخاف من الاعتقال أو أن يكشفنا ‘ الجهاديون’ إذا خرجنا إلى الشارع، حاليا أصبحنا نخاف إذا خرجنا أن تسقط علينا قذيفة أو تهدم غارة المنزل على رؤوسنا”.
ويضيف رمضان “حين دخل التحالف وقوات قسد (قوات سوريا الديمقراطية) إلى الساحة، اتسعت دائرة التوثيق ولم يعد داعش الطرف الوحيد الذي يقتل المدنيين”.
ومنذ بدء الاحتجاجات في العام 2011، اعتاد المواطنون الصحافيون على استخدام هواتفهم النقالة ووسائل التواصل الاجتماعي لتوثيق التظاهرات وقمع القوات الأمنية والعسكرية لها. إلا أنه بعد سيطرة التنظيم على الرقة في 2014، بات التواصل مع السكان مهمة صعبة في منطقة محظورة على الصحافيين.
واستخدم هؤلاء الطرق ذاتها لتوثيق وحشية التنظيم بعد سيطرته على الرقة، فباتوا يصورون سرا عمليات الذبح ودوريات الجهاديين ويحمّلون الصور ومقاطع الفيديو لاحقا لنشرها عبر برامج مشفرة. ويقول مازن حسون الذي يدير موقع “الرقة بوست” من ألمانيا، “بات التواصل حاليا أصعب من قبل خصوصا بعد إغلاق مقاهي الإنترنت ووصول المعارك إلى المدينة”.
وكانت خدمة الإنترنت في الرقة تقتصر على مقاه معدودة بعدما قطع التنظيم الإنترنت عن المنازل والمحال.
وفي العام 2015، فرّ أغيد الخضر، أحد الناشطين في “صوت وصورة” من الرقة، لكنه يتواصل يوميا مع تيم رمضان من ألمانيا لتوثيق التطورات في الرقة. ويقول الشاب البالغ من العمر 27 عاما “كان الخوف هو سيد الموقف بعدما فرض داعش السيطرة الكاملة” على المدينة.
ومع الاتجاه إلى توثيق المعارك في الرقة، يرى أغيد أن عودة الحملات الإعلامية ضرورية بعد طرد الجهاديين من المدينة.
ويضيف “شهد جميع من في المدينة بغض النظر عن أجناسهم أو أعمارهم على عمليات الذبح، حتى كاد الأمر يصبح اعتياديا. وتلقى الأطفال في المدارس التعليم على أساس مناهج وضعها داعش، وتعرض الرجال لكمية من الأفكار المسمومة”.
ويؤكد “لذلك يعد ترميم المجتمع ومحو آثار داعش أهم عمل بالنسبة إلينا. عناصر داعش سيخرجون يوما ما وستبقى الأفكار التي زرعوها”.
بدوره يقول محمد خالد الذي يدير مجموعة “الرقة 24” من شمال حلب، إنه حذر مراسليه قبل بدء المعارك لأنه شهد على عنف التنظيم لدى محاولته التصدي لهجمات أخرى مدعومة من التحالف الدولي. ويوضح “قلت للشباب والصبايا معنا إن داعش سيكون أكثر شراسة تجاه المدنيين وسيستخدمكم أنتم وأهاليكم دروعا بشرية”.
وصمد عدد من مراسلي “الرقة 24” تحت حكم تنظيم داعش ثلاث سنوات واختار آخرون الفرار على وقع تصاعد القصف على المدينة. ومنذ بدء معركة الرقة، اعتمد محمد على برامج رسائل جديدة أكثر أمنا وعلى كلمات مشفرة لكي يحمي مراسليه من دوريات ومداهمات التنظيم الجهادي.
العرب