صفحات سوريةمصطفى اسماعيل

مراقبون مغلوبون على أمرهم


مصطفى إسماعيل()

دعوات كثيرة كانت تقضي بعدم الحكم المبكر على بعثة المراقبة العربية إلى سوريا وعدم التدخل في شؤونها وانتظار تقريرها, وهي دعوات يفهم منها إتاحة متسع من العمل والمجال أمام المراقبين, وعدم وضع العصي في عجلات البعثة, وعدم تكبيلها, وعدم التأثير في تفاصيل عملها الميداني ونتائج ذلكم العمل الميداني في المدن والبلدات السورية الثائرة.

تقابل تلكم الدعوات رؤى ووجهات نظر ودعوات أخرى مخالفة ومعاكسة لا تراهن على البعثة, ولا تلقي بيضها في سلة المراقبين العرب والجامعة, وهي تنطلق من بداهات تم تجريبها لعقود من عمر الجامعة العربية, تتلخص في أن الجامعة عاقر, وأن ليس بإمكانها توليد حلول, وأن العمل العربي المشترك عنوان غير دالٍ.

شخصياً أميل إلى تبني وجهات نظر التيار الثاني, لاعتقادي أن الجامعة لا يُعوَّلُ عليها, ولم يثبت بالتجربة يوماً أنها قادرة على فك شيفرة مشكلة عربية أو فك أحجيتها أو إيجاد مخارج لها, ففي أحسن الأحوال كان يُنظر إليها بمثابتها جامعة الأنظمة العربية التي تجري في وادٍ بينما الشعوب في وادٍ آخر, هذا كمدخل ومبدأ وقناعة شخصية نبرهن عليها في القادم من الكلام, بعيداً عن التطورات في ملف المراقبين والتي وصلت إلى حد إطلاق دعوات بسحبهم من سوريا وأن وجودهم على الأرض السورية وعدمهم سيان, وهي الدعوات التي بدأها بشكل واضح رئيس البرلمان العربي ولم تنته بنداء الكولونيل المنشق رياض الأسعد.

أول التحفظات العديدة على البعثة أن رئيسها جنرال سوداني متورط في انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور والجنوب السوداني والشمال السوداني, ومجرد الإطلاع على سيرته الذاتية كفيلة بخلق مساحات من التشاؤم, هل يعقل مثلاً أن يكون جنرال مؤسس لميليشيا الجنجويد (شبيحة السودان) ضامناً للحريات في بلد انتهاكي كبلده, ومفرملاً لمحنة إنسانية في سوريا عمرها 10 أشهر أو يزيد وهو أهان الشعور الجمعي للسوريين حين اعتبر الوضع في حمص مطمئناً وباعثاً على الارتياح, فيما كان الأمن والجيش السوري يمارسان قريباً منه في حي بابا عمرو وفي مدينة حماه إبان جولته في حمص هوايتهما الأثيرة في قتل المدنيين العزل بدم بارد, ماذا بإمكان أسوأ مراقب لحقوق الإنسان في العالم (في توصيف المجلة الأميركية فورين بوليسي ) أن يقدم إذن.

يُعيقُ عمل البعثة أيضاً أنها أشبه بإبرة في (كومة قش), إذ ماذا سيفعل حفنة مراقبين لا يتجاوز عددهم المائة في جغرافية التظاهر السورية التي تربو نقاطها على الأربعمائة تظاهرة في أيام الجمع فقط, ناهيك عن أيام الأسبوع الأخرى, كما أن البروتوكول الموقع بين النظام السوري والجامعة العربية لا يتيح صلاحيات واسعة لأعضاء بعثة المراقبة التي يبدو عملها جديداً كلياً على العمل العربي المشترك المتشدق عنه طويلاً منذ أيام دراستنا الابتدائية.

صحيح أنه لا يمكن لبعثة رمادية التعامل مع مشهد من لحم ودم, لكن لم تخلو البعثة أيضاً من مراقبين تفاعليين رفضوا أن يكونوا شركاء في الصمت, وقرروا نيل براءة الذمة من السوريين الذين يُنحرون في مهب الحرية, والجزائري أنور مالك أحدهم إذ يدوِّن على صفحته في الفيسبوك: “إن الدماء في سوريا لم تتوقف، فيوميًا نقف على جثث في حال لا تخطر على عقل بشر”. ويقول أيضاً: “العالم كله ينتظر البعثة العربية، وهي عاجزة ببروتوكول ميت، لا يتماشى مع الواقع، ومراقبين تحكمهم قيود حكوماتهم وأشياء أخر “.

أنور مالك المراقب في عداد بعثة المراقبة العربية إلى سوريا شاهد عيان على فشل الجامعة العربية وبعثتها, وتصريحاته كفيلة بإنهاء البعثة والبحث تالياً في الخيارات الأخرى الممكنة.

() كاتب من سوريا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى