صفحات الثقافة

«مراقبون»


إبراهيم حاج عبدي

يحمل البرنامج عنواناً واضحاً ومباشراً: «مراقبون». وهو إذ يكشف عن مسائل ومواضيع شائكة وحساسة، ينأى بنفسه عن أي التباس، ويعترف بأن محتواه يصنعه مراقبون موزعون في كل بقاع الأرض. البرنامج، الذي يبث على قناة «فرانس 24»، ويقدم بأكثر من لغة، بينها العربية، يتناول أهم الوقائع عبر شهادات مباشرة لأشخاص عايشوا الحدث عن قرب، وراقبوا جوانبه ووثقوا مشاهداتهم من خلال الصور والنصوص وأشرطة الفيديو والتسجيلات الحية لترسل إلى القناة كي تخضع للتحقيق والتدقيق ليتم التأكد من صحتها من خلال فريق مختص، ثم تبث عبر الشاشة في برنامج أسبوعي لا يستمر سوى دقائق.

النسخة العربية من هذا البرنامج تقدمها تاتيانا الخوري، ولا حدود لاهتماماته، فكل حدث إشكالي يجد طريقه إلى هذا البرنامج الذي يكشف عن قضايا غريبة ومسائل معقدة تبدأ من قضايا الجريمة والفساد والتزوير والقرصنة وكوارث الطبيعة وغرائب المهرجانات والكرنفالات، ولا تنتهي عند قصص وحكايات إنسانية مؤلمة، كما رأينا، مثلاً، في الحلقة الأخيرة التي بثت مشاهد قاسية عن أساليب التعذيب التي تتعرض لها النساء في أحد السجون الروسية على أيدي سجانين لا مكان في قاموسهم لأي رحمة أو شفقة.

بهذا المعنى، سيحمل إلينا البرنامج مواضيع عن الحرائق والزلازل والإدمان والتسول والأخطار التي تهدد البيئة وعن خرق القوانين والتقاليد الاجتماعية وعمالة الطفولة ومعاناة المرأة والفساد الإداري والمالي… فكل ما يجري في الخفاء في هذا العالم المضطرب يمكن أن يكون موضوعاً لبرنامج «مراقبون»، شرط وجود مراقب موثوق به، عاش تفاصيل الحدث عن كثب، واستطاع أن يوثق الحكاية في إحدى وسائل الاتصال الحديثة، لتصلح أن تكون دليلاً، وهؤلاء المراقبون هم هواة لا يهتمون بجودة المادة الإعلامية، بمقدار انهماكهم بتوفير القرائن للبرهنة على صدقية ما يقولون.

كان المخرج السينمائي الراحل عمر أميرلاي يبدي استياءً من القول المأثور «من راقب الناس مات هماً»، ذلك أن الفضل في ما قدمه في أفلامه الوثائقية يعود، كما يقول، إلى «حب الملاحظة وتشريح الناس والأشياء ورصد تفاصيل الحياة اليومية، والانشغال بالآخرين ومراقبتهم والتفرغ لقصصهم». والبرنامج، الذي نتحدث عنه، ينهض، أساساً، على مثل هذا الفضول في مراقبة سلوك البشر، ورصد همومهم وأحلامهم وطرق عيشهم. وبهذا المعنى، فإن من راقب الناس لن يموت هماً، بل سيكون مساهماً في برنامج يستحق التقدير لجرأته في الكشف وفضح التجاوزات والأخطاء. والمراقبة، هنا، لا تفيد معنى التلصص وإفشاء الأسرار الشخصية، بمقدار ما تهدف الى إماطة اللثام عن قضايا عامة وظواهر مؤذية كانت ستبقى محجوبة عن الأعين لولا رقيب قُيّض له أن يكون حاضراً في المكان والزمان المناسبين.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى