صفحات العالم

مراقبون


حسام عيتاني

مبكر بعد الحكم على اداء لجنة المراقبين العرب في سورية ونتائج أعمالها. والبروتوكول الموقع بين جامعة الدول العربية والسلطات في دمشق لا يتيح صلاحيات واسعة لأعضائها كما ان مهمتها جديدة على «العمل العربي المشترك» القابع في زوايا النسيان والاهمال.

واللجنة ليست لتقصي الحقائق ولا لمراقبة وقف اطلاق نار ولا لمتابعة تنفيذ اتفاق بين طرفين متصارعين، بل لرصد التزام «اطراف» بالمبادرة العربية التي لا تنطوي، بذاتها، على تسوية سياسية للصراع في سورية. كل هذا صحيح، ويمكن اضافة العديد من النقاط التي تساهم في اضعاف المراقبين من نوع الرقابة الصارمة التي تفرضها عليهم الأجهزة الامنية السورية والقيود اللوجستية التي يبدو انها تشمل ابسط المعدات اللازمة لتسجيل وتوثيق ما يعاينون. هذا بالاضافة الى تجاهل السلطات لبند رئيس في البروتوكول يتعلق بدخول الصحافة المستقلة ومرافقتها بعثة المراقبين.

بيد أن العوائق هذه من النوع المنتظر من نظام اختار القتل طريقة وحيدة للحوار مع معارضيه. بل ان المتحدثين باسم الحكومة السورية، كوزير الخارجية وليد المعلم، ألمحوا إلى انهم سيغرقون المراقبين بالتفاصيل، وها هم يغرقونهم بدماء اهالي حمص وحماة وادلب ودوما، في ما يرقى الى مستوى التحدي الصفيق لمصداقية اللجنة حتى قبل بدء عملها.

لكن، من ناحية ثانية، ثمة ما يدعو الى الانزعاج الشديد في تركيبة لجنة المراقبين وفي رئاستها على وجه التحديد. فالاستغراب هو أقل ما يمكن التعبير عنه عند الاطلاع على السيرة الذاتية المختصرة للفريق مصطفى الدابي، رئيس المراقبين. إذ كيف يمكن تصور تولي رجل قضى جزء كبيرا من حياته المهنية في أجهزة استخبارات نظام الرئيس عمر البشير، صاحب التاريخ المعروف في الحروب الداخلية في الجنوب ودارفور والقمع الشرس ضد المعارضة في الشمال، رئاسة لجنة تراقب تنفيذ اتفاق وقعته سلطة تتحاذى مع الخرطوم في القمع، حذو النعل للنعل، (على ما تقول العرب)؟

وبغض النظر عن غموض دور الدابي في دارفور وعدم ورود اسمه في لائحة المتهمين المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، رغم بعض المعلومات عن اشرافه على تأسيس وتسليح ميليشيات الجنجاويد الشهيرة، إلا أن الرجل اضفى الاهانة على الجرح باعتباره الوضع في حمص «مطمئنا» وذلك غداة هجوم دموي للقوات المسلحة السورية على ناحية بابا عمرو من المدينة وفي الوقت الذي كان «الأمن» يفتح النار على المتظاهرين السلميين في حماة التي لا تبعد كثيرا عن حمص.

يمكن الزعم أن الكيفية التي اختير الدابي فيها رئيسا للجنة المراقبين، تختصر الأسلوب الذي ما زالت الهيئات العربية، في الجامعة والأنظمة سواء بسواء، تستخدمه عند النظر الى المسائل التي تعني تلك الكميات المُهْمَلة والمنسية من البشر التي تسمى «الشعوب العربية». وما زال النظام الرسمي العربي قادراً على انتخاب أغرب ما فيه وأكثره تهالكا وتداعيا، عندما يعزم على التعامل مع المسائل الحساسة كالعلاقة بين شعب يتعرض لمجزرة يومية وبين سلطة غارقة في انكارها وضلالها.

وكانت الجامعة قد اتخذت خطوات معقولة تحت ضغط الشارع والتظاهرات والشعوب الثائرة، في ما يتعلق بليبيا وسورية، لكن الأكيد ان الربيع العربي لم يتجاوز بعد عتبة مقر الجامعة في القاهرة، ناهيك عن ابواب مكاتب المسؤولين فيها.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى