مرتزقة
زياد ماجد
أدخل تصدّي نظام القاهرة السابق للثورة الشعبية المصرية الى قاموسنا الإعلامي مصطلح “البلطجية”. وهؤلاء قوم من حطام المجتمع، يشتري النظام ورجال أعماله ولاءهم بأبخس الأسعار ويكلّفونهم بالمهام القذرة وبتعميم الأضرار في أي منطقة يُرسلون إليها.
ومع اندلاع الثورة الليبية، أدخل نظام طرابلس الى القاموس عينه مصطلح “المرتزقة”، وهم أفراد وجماعات يبيعون خدمات القتل الوحشي الى كل من يشتري. هكذا جلب القذافي وأبناؤه المئات منهم من بلدان أفريقية منكوبة واستخدموهم لترويع الليبيين.
ثم جاءت الثورة السورية، فأضاف النظام القامع لها مصطلح “الشبيحة”، وهم نموذج “البلطجية” الأعلى كعباً في الولاء للأجهزة المسيّرة لهم والأشد تمرّساً في الإجرام والعدوانية. كما استعار النظام إياه من صنوه الليبي مصطلح “المرتزقة” محوّراً معانيه بعض الشيء، وتاركاً لأشقائه اللبنانيين بلورة الأمر.
على هذا الأساس، التقطت الفضائيات العربية وغير العربية الإشارة، وعمدت كل واحدة تفشل في الحصول على ضيوف سوريين “موالين”، إما لتعميم بعثي عليهم يفرض الصمت أو لخلل تقني، تقول لمراسليها في بيروت “هاتوا لنا لبنانياً من جماعة النظام السوري”. فيجري جلب واحد من هؤلاء للتحدّث عن “المؤامرة الكونية على سوريا الأسد” وعن “الممانعة والمقاومة” و”السلفيين الإرهابيين” وما الى ذلك من عدّة الرياء والفجور.
وإذا كانت أقوال اللبنانيين المذكورين كما سيَرهم يعرفها متابعو شؤونهم المحليون، فإن “الجيّد” في ما يجري هو انكشافهم أمام جمهور عربي عريض، وتعرّضهم لبعض تعليقات المذيعين المتهكّمة، من نوع “يا أخي لماذا لا تريد الديمقراطية لسوريا وأنت تتحدّث عنها ليلا نهارًا في لبنان؟” أو “حتى المسؤولين السوريين والناطقين بإسمهم لا يقولون هذا الكلام”، أو “هل مواجهة المؤامرات تقضي بسحب الدبابات من جبهة الجولان وإرسالها الى درعا وحمص ودوما وبانياس؟”.
و”الجيد” كذلك أن ما يجري يُظهر للّبنانيين ممّن اعتمدوا العنصرية في تعاطيهم مع سوريا والسوريين، أن جزءاً من سياسييهم ممن يفترض أنهم من جنسهم الأعلى شأناً، ما هم سوى طفيليين ينظر إليهم أهل حوران (مورّدو النسبة الأعلى من العمال السوريين الى لبنان) بازدراء واحتقار، هما بالتحديد المشاعر التي لا يستحق “المرتزقة” أرفع منها.