مرحلة ما بعد “داعش”/ روبرت فورد
رفع عدد القوات الأميركية المقاتلة في العراق وسورية (إرسال 250 جندياً من القوات الخاصة إلى سورية لمساعدة المقاتلين في حربهم على «داعش»، وتوجه مروحيات أباتشي إلى العراق ومزيد من القوات الخاصة) هو مؤشر إلى عزم الولايات المتحدة إلحاق الهزيمة العسكرية بـ «داعش». وفيما يُرفع عدد القوات في قتال «داعش»، ويُدرب الحلفاء في سورية والعراق، لا يدور الكلام على مسألة بارزة: من سيحكم ويدير شؤون الرقة ودير الزور – وهما مدينتان سوريتان بارزتان، أو الموصل في العراق؟ الموصل ثاني أكبر المدن العراقية ونسيجها الإتني مركب ومعقد، وكانت إدراة شؤونها مشكلة شائكة واجهها الأميركيون في حرب العراق. ورفضت مجموعات محلية مسلحة كثيرة – من العراقيين الشيعة إلى الكرد والميليشيات السنّية – والجماعات التي ولدت منها المجموعات هذه، حكمَ الآخرين لها. واليوم، هذا الرفض تعاظم إثر جرائم حرب كثيرة. ولكن، هل ثمة خطة لحكم المناطق المحررة أم سننتظر عودة «داعش» بحلة جديدة أكثر اعتدالاً، على نحو ما فعلت المجموعات المتحدرة من «القاعدة» في سورية؟
صدقية الحوكمة في المناطق المحررة وثيقة الصلة بالنزول على تحديات «اليوم التالي» (على التحرير) من قبيل تأمين الكهرباء والمياه، وفتح المستشفيات والمدارس، وإعادة الإعمار، وتوفير فرص العمل المحلية. وهذه التحديات تقتضي موارد مالية ومهارات إدارية وتقنية تعمل وسيف تمرد «داعش» مسلط عليها.
وليس إعداد الحكم المحلي ليمسك بالأرض المحررة من هذا التنظيم يسيراً، فهو لا يقتصر على تسليم دفة المناطق هذه إلى السنّة العرب. فالجماعات السنّية العربية متذررة ومنقسمة الصفوف في الشرق (الأوسط). ولاحظ أناند غوبال في «ذي أتلانتيك» أن (حكم) السنّة العرب الذين رجح الأميركيون كفتهم بين 2007 – 2009 في عملية «سورج» (رفع عدد القوات الأميركية في العراق) في قتال «القاعدة» في العراق، ولَّد استياءً حمل مدناً مثل هيت والموصل على الترحيب بـ «داعش» في 2014. وإلى حد ما، يعود نجاح التنظيم في احتلال غرب العراق قبل نحو عامين، إلى ترجيح الأميركيين كفة لاعبين محليين على كفة إعلاء شأن المحاسبة وإرساء آلية لاختيار القادة في العراق بين 2008 و2011. وعلى رغم أنه انتهج سياسات طائفية قاسية مناوئة للسنّة، رجح نائب الرئيس الأميركي، جوزيف بايدن، ومستشاريه، كفة رئيس الوزراء العراقي (السابق)، نوري المالكي، في ولاية ثانية، إثر نتيجة الانتخابات العراقية المثيرة للجدل في 2009. والعبرة من حوادث العراق مفادها: علينا عدم اختيار القادة، وحري بنا دعم إجراءات يجمع عليها المواطنون لدى انتخاب قادتهم.
ويحسب الأميركيون أن الحكومة العراقية ستتولى تحديات الحكم في المناطق المحررة. لكن الحوادث الأخيرة، ومنها المشادات بين النواب العراقيين المتحدرين من جماعات مختلفة، ليست واعدة.
ومن المستبعد أن تدور عجلة الحكومة، ناهيك بعجلة المصالحة الوطنية. فالنواب يتقاذفون زجاجات المياه ويتلاكمون في البرلمان. ويتوقع أن تتفاقم الأمور على وقع اضطرار السياسيين العراقيين إلى تقليص الإنفاق والتزام إجراءات التقشف التي ألزمهم بها صندوق النقد الدولي لإنعاش الاقتصاد في زمن تدني أسعار النفط. ولكن، ما هي سبل تمويل بغداد الحكومات المحلية وإعادة الإعمار؟ وفي تكريت التي ترى الإدارة الأميركية أنها نموذج ناجح، حذر رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، من أن المشكلات تتراكم في غياب المحاسبة وتعزيز القوى المحلية. وفي زيارته الأخيرة، دعا الرئيس باراك أوباما دولاً عربية إلى مساعدة العراق مالياً. والتهذيب حال دون تذكيره أن فوضى «داعش» نجمت عن إغفال فريق أوباما التحذيرات من نتائج سياسات المالكي في 2009 – 2012.
وتدرك الرياض أن الإدارة الأميركية لا ترغب في معالجة علة مشكلة «داعش» في سورية. وتأمل الإدارة الأميركية في حمل روسيا زبونها على إبرام تسوية سياسية.
وحريّ بالولايات المتحدة تشجيع السوريين والعراقيين على اختيار من يحكم المناطق المحررة حكماً مستداماً في الأمد المتوسط، ويجب أن يحسم الأميركيون أمرهم وتقرير من سيساعد الحكومات المحلية، أهو البنتاغون أم وزارة الخارجية والتفكير في ما يسعنا تقديمه من موارد لمساعدة العراقيين في تحريك عجلة الأمن والحكم؟
الحياة