مستقبل الكتل الكردية، بين المعارضة السورية والثورة
محمود عباس
تراجعت في الفترة الأخيرة حدة التيار الإسلامي المعارض المدعوم من تركيا ودول عربية على الساحة الإعلامية بشكل خاص، بعد تحديد دعم تركيا اللوجستي للثورة، مقارنة بحراكها في البداية، على خلفية تبيان غاياتها وأجنداتها القومية من هذه المساندة، فأدت إلى تلكؤها ومن ثم تقاعسها وعدم قدرتها السيطرة على الريادة في تسيير الثورة السورية، فوجد المجلس الوطني السوري نفسه منتقلاً إلى أحضان الدول الأوربية، كمحالة لرفع شأن القوى العلمانية، لكن المجلس لا تزال تتلكأ في العديد من مسيراتها وعلاقاتها الدبلوماسية، ولم تحصل بعد على الدعم الحقيقي والفعلي، من أية قوة كبرى في العالم ولا من الدول العربية كالدعم الذي تلقته الثورة الليبية.
برزت على أثرها هيئة التنسيق الوطنية للتغيير الديمقراطي وتشكيلاتها السياسية على الساحة، لتنافس المعارضة الخارجية، متمسكة بطروحاتها الإصلاحية أو التغييرية، الأكثر ملائمة لبعض الدول العربية. دعم هذا الجناح المعارض من بعض الدول العربية مع إدعاءات حول مساعدة السلطة السورية لهم.
رغم كل الشكوك المثارة حولها من قبل معظم أطراف الثورة الشبابية منذ يوم تأسيسها في دمشق، ورفعها لشعار إسقاط السلطة الأمنية وليست السياسية، والتي وجدها البعض بأنها محاولة للقفز من فوق الإتهامات التي توجه إليها، إلا أنها لا تزال في عزلة واضحة من الشارع الثوري، وخاصة في المدن الساخنة، بإستثناء بعض المدن الكردية. لكنهم يتمسكون بمنطق المعارضة المواجهة للسلطة، كمزايدة على المعارضة الخارجية، إلا أن شباب الثورة يجدون هذا الشعار تبرئة عملية للنظام السياسي من جرائمه، وإضفاء مسحة ديمقراطية على السلطة الدكتاتورية، عند إدعائهم برفع شعار إسقاط النظام الأمني من الداخل السوري، دون أن يكون هناك أعتراض أمني وإعتقالات تعسفية بحق قادة المعارضة. والحقيقة هو أنه هناك بون شاسع ما بين إسقاط النظام بمجمله وبدون أية حصانة وإسقاط هيئات إدارية تتهم بإنها، دون السلطة السياسية، مطلوبة للعدالة في القادم من الزمن.
أما دور الكتل السياسية الكردية في الحراك السياسي المعارض، اقتصرت معظمها على اضفاء الشرعية على الكتلتين الرئيسيتين. ثبتت هذه الشرعية وبطرق ودعم من أطراف متنوعة، رغم وجود جهات مناهضة لأساليب وتصريحات قادة الطرفين، والشعارات المتناقضة التي يرفعونها، مع ذلك وجدت بعض الكتل الكردية السياسية أو بعض السياسيين المستقلين بعدهم الفكري والسياسي ووجودهم الوطني في الطرفين، والرأي المنطقي في هذا هو تكثيف الدعم الكلي لتلك الكتل مادامت تعكس مفاهيمهم القومية والوطنية، علماً بأن التشتت الحاصل للحراك الكردي السياسي من وراء هذه الإنتماءات المتنوعة لا تخدم الشارع الكردي حاضراً ولا مستقبلاً، مثلما لايفيد هذا التشتت في المعارضة السورية بشكل عام مصير الثورة ومستقبل سوريا.
شاركت بعض الأحزاب الكردية في تأسيس المجلس الوطني السوري في تركيا تحديداً بعد مقاطعتهم للعديد من المؤتمرات، وذلك تحت ضغوط أقليمية ودولية، مع سيطرة من حالة الشك والتردد على خطواتهم تلك، لذلك برز نفيهم لها في البداية وأعتبرها البعض بإنه حضور شخصي من قبل اعضاء من الحزب، و في مؤتمر قامشلو عند تشكيل المجلس الوطني الكردي صدر قرار جمعي بالإنسحاب من المجلس الوطني السوري، إلا أنهم حتى اللحظة، ورغم تشكيلهم لكتلة ثالثة على ساحة المعارضة، وبشعارات مغايرة، قومياً تعكس طموحات الشارع الكردي، ووطنياً تتراجع عن مفاهيم الثورة الشبابية، لايزال يشاركون فيها بشكل رسمي ووجود ممثليهم في معظم محافلها تبقي المجلس السوري على تلك الشرعية الوطنية، وتضعف الحراك الكردي في الساحتين السورية والدولية، كما وأن أشتراك شخصيات مستقلة وكتل سياسية كردية أخرى يثبت هذا الواقع، علماً بأن هذه الشراكة والواقع المطروح على الساحة ليست بناقصة فيما لو كانت تخدم الثورة بالسوية المطلوبة، لا أن تنجر وراء تجارة بخسة في أروقة الجامعة العربية.
والهيئة التنسيقية الوطنية التي تجمع في داخلها معظم الأحزاب العربية السورية، لكن قوتها البنيوية تأتي من القوى الكردية، وجود الأحزاب العربية حاضرة بدون وجود جماهيري لها على الساحة، وشرعيتهم تعتمد في إطارها العام على وجود أوسع الأحزاب الكردية جماهيرياً في المناطق الكردية، وهو الوحيد الذي يمكن أن يقدم تنسيقيات شبابية إلى الشارع السوري في بعض المناطق الكردية.
خارج مجال هذه القوى الثلاث الرئيسية، توجد كتل سياسية كردية حزبية أخرى، مع العديد من المجموعات المستقلة والتي لها وجود على الساحتين الكردية والسورية، بدءاً من التسيقيات والهيئات الشبابية كآفاهي وقوى 15 آذار أصحاب الثورة الحقيقية، والمجالس الكردية التي أنبثقت بشكل مفاجئ، كل هذه الأطراف الكردية تعتبر قوى معارضة لكنها متنافرة، وسوف لن يتمكنون وهم بهذا التشتت التنظيمي والفكري والطروحات المتنوعة من تحقيق الغاية الوطنية أو القومية المطلوبة، سيبقى صراعهم مع القادم ما بعد السلطة الحالية غير بعيدة عن سوية معارضتهم الحالية، بدءاً من التمثيل والمشاركة في إدارة الوطن إلى سوية الحقوق القومية التي يجب أن تمنح للمنطقة الكردية. بهذه النمطية من التعامل وإقصاء الآخر وإستعمال الفيتو مع الصديق ضد الأطراف الأخرى، خاصة الأحزاب الكردية وبدون أستثناء، يعيدون التاريخ المؤلم لمسيرة النضال الكردي الذي لم يثمر حتى اللحظة.
طَرحُنا لملئ هذا الفراغ القومي، ولم شمل هذا التشتت التاريخي المؤلم، هو أن يتنازل الجميع عن بعض مصالحها الحزبية، ويتحرروا من الضغوطات الموضوعية الدولية المتنوعة، والتي لا أود تسميتها، ويبحثوا عن طريقة لتشكيل مجلس ديمقراطي يحتضن جميع التيارات المتناقضة فكرياً وسياسياً، والمتنوعة في تكتيك النضال، ويترأسها هيئة مشتركة تمثل الساحة الكردية بكل تنافراتها.
نعم الطرح طوباوي بالنسبة للواقع الكردي، لكنه، بقدر ما هو خيالي، توجد في الجهة المقابلة من هذا الطرح صمت وقبول على التشتت التي تجعل من مطالب جميع الكتل والحركات الكردية وبدون أستثناء غايات حزبية ساذجة وأهداف خيالية، وشبه مستحيلة تحقيقها عنما يكون الصراع الحزبي في المقدمة. الجميع متلكؤون في قناعاتهم حول المستقبل القادم وهم بهذا التنافر، مع ذلك لا يتهادنون عن الحراك والمنادة بحقوق قومية كردية تتجاوز مدى قدراتهم الفردية المتشتتة. لا حل في الآفاق القادمة بدون التقارب، والجميع يؤمنون بهذا المنطق، لكن لا يوجد حراك عملي صادق مع الذات ومع الشارع الكردي، إن كنا صادقين، علينا جميعاً الإنتقال إلى المرحلة الثانية، أي، بعد هذه المجالس المتعددة علينا الإنتقال إلى تشكيل مجلس عام من مجمل هذه المجالس والكتل، وذلك بعقد مؤتمر يشمل الجميع وبفكر قومي وطني وليس حزبي، طرح لا نرى له بديل مادامت الساحة الكردية في غرب كردستان لا تزال خالية من قائد كاريزمي يجمع الأغلبية حوله وطنياً!.
د. محمود عباس