مسيرة الانخراط في الحرب السورية/ محمّد علي مقلّد
“مسيرة الانخراط في الحرب السورية” هو عنوان كتاب محكم البنيان وضعه أنطوان حداد مصبوبا بقوالب من منهج الرياضيات الصارم ، ومجبولا بروح نسيب لحود ونبله السياسي الذي لم يعرفه لبنان إلا مع قلة قليلة من سياسييه، ولذلك تصدر اسمه صفحة الاهداء ، فضلا عن بركة التقديم بقلم طارق متري.
يضم الكتاب، فضلا عن مقدمة ومدخل، خمسة وثلاثين نصا تتراوح أحجام كل منها بين الصفحتين والخمس صفحات، وفي كل نص تحليل لحدث أو لظاهرة سياسية ولمآلاتها المحتملة، يمكن جمعها لتشكل تحليلا سياسيا لأحداث عام كامل من عمر الأزمة اللبنانية، هو السنة الأخيرة من عهد الرئيس ميشال سليمان، والسنة الثالثة من عمر الربيع السوري، والثانية من تورط حزب الله في الدفاع عن نظام الاستبداد البعثي.
بحسب طارق متري،الكتاب هو “تفكر من نوع جديد نسبيا”. وبحسب الكاتب، هو “تمرين نظري يحلل مختلف الأحداث السياسية الممتدة بين معركة القصير، مطلع أيار 2013، وشغور مركز رئاسة الجمهورية في نهاية أيار 2014″،من موقع الانحياز إلى “حقوق الانسان والثقافة الديمقراطية وأولية الحرية وصيانة التعددية وابتعادها عن الايديولوجيا المغلقة وعن إقحام المقدس في السياسة”.
غير أنه تمرين نظري من دون تطبيق، لأنه لا مكان لأنطوان وحزبه للمشاركة في صنع الحدث اللبناني، ولا يملكان غير تحليله تحليلا نظرياً، وذلك لا تعففاً ولا تكاسلاً، بل لأن آلة السياسة في لبنان لم تتحمل وجود شخص أو حزب بقامة نسيب لحود أو حزبه في صفوفها.
حزب الله حاضر بقوة، ويتكرر اسمه في الكتاب مئات المرات، بإشارات واضحة إلى مسؤوليته الكبرى عن تورطه في الحرب السورية وعن توريط لبنان فيها.
غير أنه لا التورط عموما في حروب خارجية ولا “المساكنة القسرية” بين متخاصمين متشابهين، هما من الأمورالمستجدة على الطبقة الحاكمة في لبنان. حصل ذلك يوم توزع اللبنانيون بين العروبة الناصرية وحلف بغداد الموالي للأنكليز، أو عند انفجار الحرب الأهلية عام 75، ودخول اللبنانيين في متاهة أكثر تعقيدا من الولاءات، إلى عروبات متنوعة، فلسطينية وسورية وعراقية ومصرية وليبية وخليجية، وإلى غرب لا يختصره المشروع الصهيوني المستند أصلا إلى دعم أميركي وأوروبي. إلى أن تمددت المتاهة واستنبتت ولاء جديداً لحكم ولاية الفقيه الإيراني.
منبت الأزمة اللبنانية هو ولاء القوى السياسية للخارج على حساب الولاء للوطن. ولئن تمايزت القوى الخارجية وتصنفت بين الصداقة على اختلاف درجاتها والخصومة على اختلاف درجاتها، فإن أي ولاء على حساب السيادة الوطنية ووحدة الدولة يحسب من باب العجز قبل أن يدرج في باب الخيانة، وهذا ينطبق على حزب الله كما على خصومه، وعلى ثنائيات أخرى حكمت البلد، كالحركة الوطنية والجبهة اللبنانية، أو ثنائي السلطة الحالية من قوى 14 آذار.
الولاء للخارج هو الذي حول الصراع بين طرفي النزاع الداخلي في الحرب الأهلية إلى عنف عبثي يتشابه فيه العروبي والانعزالي في استجداء كل منهما المساعدة من مستبد خارجي والاستعانة به على أبناء الوطن.
كما أن الانحياز إلى تأبيد نظام الاستبداد هو الذي أجهض انتفاضة الاستقلال أو ثورة الأرز، بعد أن هرع المتخاصمون إلى التضامن والتعاون لتكريس نظام الوراثة، في الحكم وفي الأحزاب، بدل أن يوظفوا خروج الجيش السوري في سبيل إعادة بناء الوطن والدولة على أسس الديمقراطية وسيادة القانون وتداول السلطة.
في الكتاب إشارة إلى عملية شحن النفوس التي يقوم بها حزب الله اليوم، وهي عملية خطيرة بنتائجها، ولا سيما أن التحريض يلبس لبوسا دينيا أو مذهبيا. لكن هذه العملية هي جزء من عدة الشغل، وهي تتوسل المناسبات خصوصا تلك المتعلقة بذكرى الشهداء، وهي لا تخص حزب الله وحده ، لأن لكل حزب شهداءه ولكل حزب خطباءه وعمليات شحن مماثلة، وهي كلها تضع الولاء للخارج في مرتبة القداسة.
مع ذلك ليست الدعوة إلى فك الارتباط مع الخارج مستحيلة. صحيح أنها ملحة جدا لحزب الله وأقل إلحاحاً لسواه، لكنها ليست معقدة. هي دعوة لعودة الجميع إلى ولائهم الوطني.المدخل إلى ذلك ليس إسقاط النظام اللبناني وتعطيل الدولة ، وهو ما يمارسه فريق الثامن من آذار من غير أقنعة ، في حين أن قوى 14 آذار تمارسه من غير أن تدري. بل المدخل هو احترام الدستور وتطبيق القوانين القائمة ، وتعديل ما يلزم تعديله، خصوصا قانون الانتخاب، ليكون الناخب مواطناً بدل أن يكون من الرعية، والنائب ممثلا للأمة لا ممثلا شخصيا لولي نعمته.
أنطوان حداد ، في كتابه ومنهجه في التفكير العلمي الرياضي الإحصائي الجدلي، يلغي احتمال اليأس من قاموس أحلامنا الوطنية، ويمنحنا شحنة جديدة من الأمل بغد أفضل ولو بعد حين.
المدن