صفحات الناس

مشاكل السوريات المتزوجات من عناصر داعش/ جلال زين الديـن

 

 

نسجت بعض وسائل الإعلام كثيراً من القصص المُختلقة عن زواج المهاجرين إلى سوريا. وقد وصل الأمر بعددٍ من هؤلاء لوصم المجتمع السوري بالعهر من خلال تركيب قصص وهميّة عمّا يسمى “جهاد النكاح”، في حين تشير الوقائع إلى أنّ هناك زواجاً يحصل بين المهاجرين والسوريات، لكنه زواجٌ منضبط بالضوابط الشرعية والأعراف الاجتماعية.

لقد بدأ زواج المهاجرين من السوريات باكراً قبل أن يحدث أيَّ صدام بين الثوّار وتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، إذ كان الثوار ينظرون للمهاجرين كأنصارٍ للثورة السورية. ويقول الأربعيني سالم من مدينة الباب إنّ “كان طبيعيّاً فالمهاجر العازب سيبحث بالتأكيد عن زوجة له بعد أن طال به المكوث في سوريا”.

وقد تفاوتت حالات ونسب الزواج من منطقة لأخرى، إذ تقبّلت عائلات مُدن تل رفعت (التي خرج منها التنظيم مبكراً) والباب زواج بناتهم من المهاجرين، رغم ما عرف عن هاتين المدينتين من الطابع المحافظ، حتى تجاوز عدد المتزوجات حينها المئة. ويرى  سالم أن “هذا أوضح دليل على أنَّ ما يشاع عن جهاد النكاح عارٍ عن الصحة، فالعائلات التي زوّجت بناتها معروفة بالمحافظة والغيرة على أعراضها”.

وتناقصت حالات الزواج عقب الاقتتال بين الثوار وتنظيم “داعش” مطلع عام 2014، إذ حصلت ردّة فعل ضد التنظيم. لكن سرعان ما عادت وتيرة الزواج للارتفاع عقب فرض التنظيم سيطرته على مساحات شاسعة واستقرار مناطقه، مع تسجيل اختلاف هذه المرة في حيثيات الزواج، إذ إن معظم حالات الزواج أصبحت تتم بين المنضوين تحت راية التنظيم الذين يحملون فكراً وعقيدة واحدة.

ولدى المنضوين تحت راية التنظيم عقيدة راسخة بأنَّ دولتهم باقية وتتمدد. ويقول الجامعي زياد من منبج إن أحد أقاربه في الريف الجنوبي زوّج “اثنتين من بناته لعنصرين من تنظيم الدولة المهاجرين، ولديه ثلاثة أبناء في صفوف التنظيم قُتل أحدهم في معارك عين العرب الأخيرة”. هذه العائلات ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالتنظيم وسترحل في حال انسحب التنظيم من مناطقهم، لذلك ليس لديهم حاجزاً في تزويج بناتهم.

ويأتي الفقر كعاملٍ ثانٍ لاسيما أنّ نسبته زادت في المجتمع السوري الفقير أصلاً، والمناطق التي سيطر عليها التنظيم تتسم بفقر أهلها خصوصاً في الأرياف. كما أنَّ نسبة الأرامل في المجتمع ارتفعت، وقسم كبير منهن بقي دون معيل لهن ولأولادهن. وقد زاد من نسبة العوز بين الناس إغلاق التنظيم لكافة المنظمات والجمعيات التي تقدم مساعداتها الإنسانية والإغاثية للأسر الفقيرة.

وفي هذا السياق بات مفهوماً زواج أمينة التي تسكن في ريف منبج الجنوبي الشرقي، بعد أن نزحت إليه من مدينة حلب، إذ تزوّجت من عنصر من التنظيم سعودي الجنسية. وتقول رفيقتها عائشة: “أجبَرت الظروف الصعبة أمينة ذات العشرين ربيعاً لقبول الزواج من المهاجر السعودي في تنظيم الدولة، بعد أن كرر محاولة خطبتها من أهلها، الذين ليس لديهم معيل، وبعد منع التنظيم للمساعدات المقدّمة من المنظمات الدولية زادت حالتهم فقراً، فكان زواجها خيط نجاة لأهلها من الفقر المدقع”. وتنقل عائشة عن لسان أمينة قولها: “نحن ما عاد لنا طموح، نعاني لنستمر بالحياة”.

ويبقى في كل مجتمع شريحة انتهازيّة تحب التقرب من سلطة الأمر الواقع، وتحب بريق الذهب وسحر المال المتوفر عند كثير من المهاجرين. فأبو أحمد من مدينة الباب زوّج ابنته 17 عاماً لمهاجر ليبي الجنسية بمهر قدره 3 مليون ليرة. ويقول سليمان الطالب الجامعي من ريف حلب إن “كثراً من الناس يبيعون بناتهم من أجل المال وأبو أحمد ليس الوحيد”.

وأدّت عوامل كثيرة إلى تسهيل زواج المهاجرين من السوريّات، فإضافةً لليقين ببقاء تنظيم الدولة الإسلاميّة عادت عاداتٌ كثيرة إلى المجتمع السوري، منها ظاهرة الزواج المبكر التي ازدادت عقب إغلاق التنظيم للمدارس ومنع الفتيات الجامعيات من التوجّه لمناطق النظام لإتمام دراستهن.

وتقول غادة وهي طالبة جامعية إن “منتهى طموح غالبية الفتيات بات تأسيس أُسرة، فلم يعد هناك أي مستقبل أو طموح يمكن تحقيقه في ظل التطورات الجديدة”. وما عزز الظاهرة عزوف كثر من الشباب عن الزواج نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصادية والهجرة أو التفكير بها.

يضاف إلى كل ما سبق، تشجيع قيادة التنظيم الزواج عموماً، وزواج المهاجرين خصوصاً، من أجل دمجهم بالمجتمع عبر هذه المصاهرات. وقد أردف التنظيم الدعم المعنوي بدعمٍ ماديّ، فكفل لعناصره كافة تكاليف ومصاريف ومهر الزواج، وأمّن البيوت وأثاثها وتعويضاً مالياً عن الزوجة والأولاد.

لكن زواج المهاجرين من السوريات لم يحقق لهنّ أحلاماً ورديّة، إذ اصطدم بالواقع وطفت للسطح مشاكل عدة – ربما لا يعدّها منتسبو التنظيم مشاكلاً بالنسبة إليهم لكنها كذلك بالتأكيد للسوريات. ولعلّ أبرزها ظاهرة الأسماء الوهمية، فمعظم المهاجرين لا يصرّحون بأسمائهم الحقيقية والتفاصيل الدقيقة لحياتهم ما يخلق هامشاً من الشك بين الزوجين.

ولعلّ أبرز المشاكل، الموت المتوقع نتيجة كثرة المعارك ومشاركة المهاجرين في الصفوف الأولى. وتروي لنا ميس قصة صديقتها خولة الطالبة الجامعية الجميلة من ريف حلب الشرقي، والدها يعمل في الخليج، وكانت والدتها ترغب بتزويجها من أحد أقاربها، لكنّ الأمور لم تتم بعدما هُجِّر أبناء عمّها إثر دخول التنظيم إلى ريف حلب كونهم كانوا في الجيش الحر. وقد ظهر فجأة عنصر من تنظيم الدولة لخطبتها، وهي التي كانت تربّت تربية دينية ولباسها قريب من لباس التنظيم قبل مجيئهم، فأصرّت والدتها على تزويجها وبعد التواصل مع الأب تم تزويجها لعنصر التنظيم تونسي الجنسية، وكان المهر 350 ألف ليرة، وقد حاول أعمامها منعها ولكن لم يستطيعوا أن يغيروا شيئاً.

والغريب أن خولة دخلت في فكر التنظيم بسرعة، فعند اتصال إحدى بنات عمها من تركيا وسؤالها عن البيت الذي تسكن فيه، أجابتها: “هو بيت ملك كان لأحد المرتدّين، وقد تم منحنا إياه من دولة الخلافة”. وكان هذا الرد صادماً لابنة عمها وأقاربها فهم مرتدون بنظر خولة.

خولة تزوجت منذ 6 أشهر تقريباً، ولكن الزوج بدا غير متمسك بها ولا تربطه بها علاقة عاطفية، وقد توجّه لمعارك دير الزور، وعندما كانت تطلب منه ألا يخاطر بحياته كان جوابه، هذه ليست أخلاق مسلمة عفيفة. وعندما سألته ماذا أفعل إن قُتلت، قال لها: “تتزوجين أحد الإخوة، وأتمنى ألا أموت قبل أن تحملين طفلاً من صلبي”.

وتتابع صديقتها القول إنه “منذ تلك الفترة لم تعد خولة كما كانت مشبعة بالطاقة والتفاؤل، فهي الآن شاردة في الجلسات القليلة وتقضم أظافرها وحادة الطباع، وفي أحد زياراتي وجدت عندها علبة لدواء منع الحمل بالصدفة، فصارحتني بأنها كانت تحلم أن يكون لها أطفال، أما اليوم فهي لا تريد أن تلد طفلاً ليعيش يتيماً على الغالب، كون زوجها في جبهات القتال، وإذا رحل التنظيم لن يقبل أحد بالزواج منها مجدداً كونها كنت متزوجة عنصراً منه”.

وهذه القصة تلقي الضوء على أبرز المشاكل المتمثلة بالقلق الدائم من المستقبل. فزوجة المهاجر قلقة دائماً من ماضيه ومن مستقبله، فلا تعلم هل يعود لبلده أم هل تلحقه أسرته السابقة لسوريا؟ أم هل يُقتل في المعركة القادمة؟ هذه المخاوف الكثيرة تجعل القلق السمة الدائمة للزواج.

وما يجدر ذكره أن معظم المهاجرين المتزوجين هم من الخليجيين، ولا يعود سبب ذلك إلى البحبوحة المادية إنّما لقرب اللهجة والعادات والتقاليد، ولوجود صلات قرابة أحياناً. ويقول أحد المواطنين إن “معظم الخليجيين ينتمون لعشائر لها امتدادات في سوريا، ولا سيما إذا عرفنا أنَّ جل المناطق التي يسيطر عليها التنظيم ذات طابع عشائري، حيث العادات والأعراف والطباع المشتركة. ويأتي التوانسة ثانياً نظراً لكثرتهم على الساحة السورية، فيما ندر أن تحدث حالات زواج بين السوريين والأجانب”.

صحيح إذاً أنّ زواج المهاجرين في سوريا حقيقة واقعة، لكنه يجري وفق سياقات طبيعية وقواعد منضبطة، خلافاً لما يروج له الإعلام المعادي للثورة. وهؤلاء المتزوجون جلّهم لا يؤمنون إلا بدولتهم المستقبلية، ولا يكترثون للجنسية سواء لهم ولأولادهم فجنسيتهم غدت دولة الخلافة الإسلامية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى