مشروعان دوليان/ ميشيل كيلو
مهما قيل عن التوافق الأميركي/ الروسي في سورية، يبقى مؤكّدا أن مشروع موسكو السوري يختلف عن مشروع واشنطن، وأن قدرات موسكو داخل سورية وحولها ليست أكبر من قدرات واشنطن التي تنشر قواعد عسكرية بين شمالها وشرقها وجنوبها، تضم ألفي عسكري ينضوون في وحدات عالية التسليح والتدريب، يمكن تعزيزهم خلال ساعات بآلاف اليانكي القادمين من كل مكان، وخصوصا من العراق.
ـ هناك بالتأكيد توافق أميركي/ روسي على تفادي الخيارات العسكرية الخطيرة التي تهدد عسكر الطرف الآخر وقواعده. لتحاشي هذا الاحتمال، أوجد الطرفان غرفة عملياتٍ تنظم تحركات جيشيهما وتراقبهما، وتحول دون وقوع أي صدامٍ بينهما. وهناك تواصلٌ دائم بين الطرفين يمنع أي سوء فهم أو تصعيد بينهما. لذلك، عندما هاجمت “فرقة فاغنر” منطقة خشام شرق الفرات، اتصل الأميركيون بالروس طالبين سحبها، ولم تضربها طائرات “التحالف” إلا بعد امتناع الروس عن الاستجابة للطلب. كما توجد اتصالاتٌ منظمةٌ تكفل تفادي الصدام بين طائرات البلدين، حين تقصف مناطق قريبة بعضها من بعض.
ـ وهناك أيضا توافق على إخضاع خلافات البلدين وصراعاتهما السياسية تحت سقفٍ منخفض، يحول دون نقلها إلى خارج سورية، وعلى إبقاء أي تبدلٍ في مواقفهما محكوما بمصالحهما الكبرى التي لا تتصل بالضرورة بالحدث السوري، كأن تتخلى موسكو عن جوانب من علاقاتها مع طهران في مقابل مبادرة الجانب الأميركي إلى إعادة النظر في عقوباته الاقتصادية على روسيا، وجوانب من علاقاتٍ معها، كأن يسمح لها بمشاركةٍ أكبر في السوق الدولية، ويفك قبضته عن الاستثمارات المالية التي تحتاج إليها، والمعونات الفنية والتقنية التي تحجبها عنه.
ـ في المقابل، ليس هناك توافق بعد على نوع الحل في سورية ونتائجه التي تختلف باختلاف رؤيتيهما اللتين تبدوان متعايشتين في ظل ما تبديانه من احترامٍ لمنطقة نفوذ الآخر السورية الخاصة، بينما تختلف أدوارهما الإقليمية ما وراء السورية، باختلاف مصالحهما وتناقضها، وهي المصالح ذات الأبعاد الصراعية/ الإقصائية، المحمية بجيشيهما المنتشرين في مناطق استراتيجية ضرورية لإحكام سيطرة واشنطن على المجال الأوراسي. وفي المقابل، لتعزيز قدرة موسكو على استعادة ما كان للاتحاد السوفييتي من نفوذ وحضور في الدول العربية.
هنا، تتناقض أهداف الدولتين وتتخطى سورية، وينعكس تناقضها على ارتباطاتهما مع دول منطقتنا التي يرهقها التكيف مع خلافاتهما وتفاهماتهما، ويربك غموضها وتبدلها الائتلاف (على سبيل المثال)، ويجعله عاجزا عن اعتماد أساليب ومواقف تساعده على تغيير موقف موسكو الداعم بلا تحفظ للأسدية، وعلى التأثير في سياسات واشنطن التي طالما قامت على رفض الالتزام بأهداف المعارضة وخياراتها، ناهيك عن قبولها، وتركزت على إبقائها حرة في اتخاذ قراراتٍ تتجاهل الشعب السوري ومصالحه، في حين يؤكد، بتكرارٍ مملّ، زهدها بسورية وموقعها، لكنها تحتل 28% من مساحتها الكلية، وتعلن بلسان أحد جنرالاتها تصميمها على البقاء فيها بين عشرين وثلاثين عاما، لرغبتها في الإبقاء على كلمة الحل السياسي الأخيرة بأيديها، كما قال وزير دفاعها جيمس ماتيس، وهو يتعهد أن يكون الحل في جنيف وأميركيا، أي غير روسي.
هناك مشروعان دوليان يتقاطعان على تحاشي ما يهدّد بصدام عسكري مباشر بين واشنطن وموسكو، ويفترقان على الأصعدة التي تقوض وجود وعمران سورية دولة ومجتمعا، من دون أن يبادرا خلال الأعوام السبعة الماضية إلى التوافق على حل يطبق قراراتٍ دوليةً، صدرت بموافقتهما، أو إلى إغلاق باب صراع متشعبٍ مفتوح على احتمالات بالغة الخطورة، لا علاقة لها بثورة السوريين الذين تكاد تقضي عليهم تكلفتها الدموية المرعبة.
العربي الجديد