صفحات سوريةطيب تيزيني

مشروع لإصلاح مجلس الأمن/ طيب تيزيني

تداعى ورثة الحرب العالمية الثانية إلى تأسيس مجلس الأمن بعد قتل ملايين البشر وتدمير المدن وترك ملايين المصابين من الكبار والصغار الخ. كانوا يعتقدون أنهم في ذلك يأسسون لعالم خالٍ من الحروب، ولحاضنة فعلية لسلام دائم يعم ربوع العالم أجمع، ذلك في أفق رؤية فعلية من العدل والازدهار. أما في العموم، فنشأت الهيئة العامة لهذا المجلس، حين ظهرت هيئته الخاصة، التي شغلها «الخمسة الكبار»، الذين تصدروا المجلس العام. وتُرك لهؤلاء الكبار أن يستأثروا بالقرارات الكبرى الحاسمة. وفعلاً حدث ذلك ضمن التصور المبدئي هيئة عامة وأخرى خاصة. وإذا دققنا في المنهج الذي حكم هذا المنهج، وجدنا أنه يتمثل في «المنطق الصوري – الأرسطي» وهذا الأخير يجد مصداقيته في ذلك التقسيم بين الهيئة العامة والأخرى الخاصة بتحديدها، فالأول يتم عبر الشعوب التي تنتمي للمجلس، والثانية تظهر بصفة كونها الناتجة عن اختيارها في عداد الدول العظمى. والملاحظ أن هذه الهيئة الخاصة هي وحدها التي تحوز حق استخدام «الفيتو»، حق الاعتراض. وهذا ما جعلها فعلاً هيئة للكبار الماسكين لمصائر الآخرين.

إنه نظام اختياري – انتخابي محدد للزمن القادم كله، إذا لم يحدث شيء هائل في العالم، من هنا، لم يُفتح الباب لدى الهيئة العامة أبداً، ولم يكن محتملاً، وجاء الحدث الذي أسقط الاتحاد السوفييتي، وجعل روسيا الاتحادية بديلاً عنه في الهيئة الخاصة، دون أن تُطرح أسئلة حول إمكانات جديدة في نظام مجلس الأمن، ولمّا كانت روسيا تملك السلاح من كل أنواعه والعتاد المرافق لذلك، فقد ظهرت في علاقتها معها راهناً، كأنها قيّمة فعلية عليها وعلى مصائرها، فهي إذ تقدم الآن سلاحاً وعتاداً جديداً لها، فإنها (أي روسيا) تعلن أن ذلك تمّ باتفاقيات قديمة. وهكذا ظهرت الفضائح من رحم «حق الفيتو» الذي بيد روسيا، لتظهر سوريا بمثابة طرف في محورها، ولم يكن أحد آخر قادراً على تغيير ذلك «القدر».

ولم يكن كذلك لأي تغيير على مستوى «الهيئة العامة» أن يعيد النظر في الموازين والمقاييس، وحين صدر قرار بمنح المملكة العربية السعودية مكاناً في الهيئة العامة للمجلس، وقف الجانب السعودي بحق ضد تلك المنحة الزائفة، فالهيئة العامة هذه بعمرها المديد لم تكن قادرة على فعل شيء يقف في وجه “الفيتو” الروسي، ذي الوجه الفاحش، كما لم يكن لديها أية قدرة على حلحلة القضية الفلسطينية في وجه الظلامية الإسرائيلية إلا أن الجرائم الإسرائيلية لا تزال تُرتكب بحق الفلسطينيين، ولم تستطع الهيئة العامة لمجلس الأمن أن تفعل شيئاً ضد ذلك.

بين الظلامات التي تُرتكب هنا وهناك لا تزال تمثل تحدياً لمجلس الأمن، الذي قد يكتسب فعلاً جرائم في صمته على ما يحدث في بلدان من آسيا وأفريقيا وغيرهما، دون رفع الصوت في وجه ذلك، فحين استمر الروس مع آخرين في رفع “الفيتو” حيال الصمت على جرائم في حق الشعب السوري، سجل مجلس الأمن حالة فريدة من التواطؤ على هذا الشعب وشعوب أخرى.

وفي سياق ذلك كتبنا عدة مرات نُدين فيها روسيا تحت عنوان «روسيا: نموذج بربري في العلاقات الدولية»، وقد حدث ذلك ثلاث مرات.

والآن، تأتي السعودية، لتسجل موقفاً مهماً على هذا الصعيد، إذ رفضت منحها مكاناً لها في الهيئة العامة من مجلس الأمن، معلنة أن شيئاً لم يتغير على صعيد حل المشكلات المعلقة والمزمنة في تاريخها، لماذا هذا الضحك على الذقون، فالسلام العالمي مأزوم بحق بسبب مثل تلك المشكلات وغيرها، وفي مقدمتها المشكلة العظمى التي تلتهم سوريا وتجعلها حالة غير مسبوقة في تاريخ العالم، ومن قبيل ذلك ماراح يتفشى من فساد وإجرام وديكتاتورية هنا وهناك. وهذا بدوره راح يثير تساؤلات كبرى على أصعدة قانونية وأخلاقية وحقوقية، تنخر بنية المنظمة الدولية الكبرى، مجلس الأمن، دون التوقف أمام ذلك إدانة ومحاولة لإطلاق مشروع كبير لإعادة بناء المذكورة. فليس كثيراً أن تعمل دول العالم على ذلك المشروع، قياساً على ولاية رئيس الدولة كل أربع أو خمس سنوات مثلاً، أو كل عقد من الزمن (عشر سنوات)، تسمح بالعودة إلى المؤسسات الدولية الفاعلة بوصفها معضلة تفحص وضبط لمصائر العالم الكبرى والمشتركة والمتأزمة كذلك.

إن إصلاحاً حقيقياً وشاملاً لمجلس الأمن ينبغي أن يحدث ليخرجه من حالة البؤس الذي يسبح فيه.

الاتحاد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى